Print this page

البحث عن حلول للأزمة السياسية: انتظار الانفراج من قصر قرطاج !

في الوقت الّذي تمّ فيه تعليق وثيقة قرطاج 2 ، برز تحرك رئيس الحكومة يوسف الشاهد

بسرعة على ثلاث جبهات ، أولاها طمأنة الشركاء الإقتصاديين و الدوائر المالية المانحة على مواصلة العمل على القيام بما هو مطلوب لمعالجة الأوضاع الإقتصادية للخروج من الأزمة ، و ثانيتها نفض يده من مسؤولية تردي أوضاع حزبه نداء تونس و الإقدام على مواجهة معلنة للرجل الأوّل في المكتب التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي ، و ثالثتها ، القيام بما يدخل في صلاحياته في السلطة التنفيذية مع الالتزام بمقتضيات الدستور وعلاقة «الأبوة السياسية» بخصوص التشاور مع رئيس الجمهورية .

بخصوص التحرّك في إطار الجبهة الأولى قدّر رئيس الحكومة أنه ليس له غير الاستجابة لمستلزمات الحاجة للدعم من الدول الصديقة وصندوق النقد الدولي ،لتجنب الانسداد التام لأفق تخفيف وطأة الأزمة الّتي تعيشها البلاد ، بعد أن لمس عدم مراهنة هذه الدّوائر على تغيير عميق لا تتضح فيه الرؤيا المستقبلية الّتي تهدّد الضمانات الّتي يرونها .

التحرك في الجبهة الثانية برّرته مواقف «الأخوة الأعداء « في نداء تونس ، خاصّة أولائك الّذين بقوا متشبثين بـالهيكل و بالاصطفاف وراء من يعتقدون أنه الضامن لمواقعهم و المعوّل عليه للارتقاء لأعلى مراكز السلطة ، لذلك كانت ردة فعل الشاهد قوية لأنه أصبح مهدّدا في مركزه ، فلم يتأخر عن مواجهة حافظ قائد السبسي الّذي كان يُعتقد أنه فوق كل السلط .
أمّا التحرك الثالث فقد كان في اتجاه المسك بزمام أمور تسيير الحكومة و إدارة شؤونها ، فأقدم على إقالة وزير الداخلية ومسؤولين أمنيين و تسمية رئيس جديد للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب . وهو أمر فاجأ الجميع ولكنّه أعطى رسالة واضحة بأن رئيس الحكومة متمسّك بممارسة كافة صلاحياته ولو تعلّق الأمر بالشخصيات الأكثر حظوة .

لا شك أن ما أقدم عليه الشاهد في الشأن الحكومي تمّ بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ولكن لا أحد يجزم أن رئيس الجمهورية كان راضيا تمام الرضاء على إقالة وزير الدّاخلية ، غير أن ما حصل يبقى في النهاية في خانة «ما كسبه» الشاهد ، الّذي أراد أن يؤكّد أنه لم يعد «قرصا» سهل الابتلاع ،وأنه أصبح رقما جديرا بأن يؤخذ بعين الاعتبار في ممارسة السلطة.
في هذا الظرف قلّ شأن وثيقة قرطاج 2 المعلّقة، الّتي لا مصلحة لأحد في إعادة تنشيطها لأن أسباب تعطيلها ما زالت قائمة، وانحسر بالتالي نطاق التشاور والحوار، واكتفى السيد الباجي قائد السبسي ، بملاقاة رئيس الحكومة و الأمين العام للمركزية النقابية و رئيس حزب حركة النهضة، ممّا يوحي بأن رئيس الجمهورية فقد الأريحيّة الّتي كان يتعامل بها ، و أصبح أمام واقع جديد ضاق فيه هامش التحرك، و صعُب فيه الاختيار، ولعلّه ندم على عدم هيكلة الحزب الّذي أنشأه في الوقت المناسب لتجنّب ما هو فيه ، و هو وضع لا يحسد عليه باعتباره وجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مر: مسايرة طموح إبنه ، أو تغليب الحكم الحقيقي للمؤسسات الضامن لمصلحة البلاد .

هذه المقاربة الجديدة الّتي فرضها انسداد آفاق التوافق الشامل ، ترك البلاد تُسيّر «برأسين» رأس كبر بالتجارب ، و رأس كبر بالضغط «والدفع» وهو وضع لا يحبّذه رئيس الجمهورية ، ولا يريح الأطراف السياسية الّتي بدت غير مستوعبة لما يحصل ،و غير قابلة بأن يتحوّل الخلاف الحزبي والعلاقات الخاصّة إلى متحكمّ في مجريات الحياة العامّة . كما أن وضعية «الانتظار» لا تريح الأطراف الاجتماعية و المنظمات الوطنية ، الّتي لها أجندات خاصة أصبحت معلّقة ، و أصبحت مواقفها تؤوّل بغير ما ترضاه . لذلك لا بدّ من صدور موقف واضح يريح الجميع .هذا الموقف الحاسم يبحث عنه رئيس الجمهورية أيضا ، ومرّة أخرى يبقى انتظار الإنفراج من قصر قرطاج ...

المشاركة في هذا المقال