Print this page

قبل بداية سنة 2018 ومؤشراتها التضخمية %6،4 رقم قياسي للتضخم في تونس سنة 2017

لا حديث اليوم في تونس إلا عن غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية وككل حديث عام تنقص أحيانا الدقة وتكثر الإشاعة وتتضارب المعطيات الحدثية،

ولكن إحساس كل المواطنين بغلاء الأسعار غير مفتعل وهو يتأسس على معطيات موضوعية ،علاوة على المعطى الحسي المباشر عندما تتوجه العائلة إلى الأسواق..
والحديث عن غلاء الأسعار لم ينتظر قانون المالية لسنة 2018 بل كان حاضرا بقوة في الأشهر الماضية وخاصة عندما التهبت أسعار بعض الخضر والمواد الغذائية الأخرى..

لقد اصدر يوم أمس المعهد الوطني للإحصاء نشريته الشهرية عن مؤشر الاستهلاك العائلي (التضخم ) لشهر ديسمبر 2017 وهكذا أصبحت لدينا صورة دقيقة عن حقيقة التضخم على امتداد السنة الفارطة وعن مكامنه الرئيسية كذلك..

لقد بلغ التضخم المالي رقمه القياسي سنة 2017 بـ%6.4 في حين اننا كنا دون %5 في السنوات الثلاث السابقة لـ2017 وكنا نخال أن التضخم المرتفع زمن الترويكا (%5.9 في 2012 و%5.7 في سنة 2013) أصبح من الماضي فإذا بنا نتجاوزه بوضوح وندخل بذلك في بداية دوامة تضخمية ،وكل ذلك قبل دخول قانون المالية حيز التنفيذ..
إن الذي يتبع تطور مؤشر الاستهلاك العائلي على امتداد السنة الفارطة قد يخيل إليه أننا إزاء تضخم مستورد بالأساس إذ كان هذا المؤشر دون %5 على امتداد السداسي الأول ثم انفلت من عقاله عندما تدحرج الدينار بقوة إزاء اليورو والدولار..

لاشك أن تدحرج الدينار الذي فقد خمس قيمته مقارنة باليورو في نصف سنة قد يفسر غلاء بعض الأسعار المستوردة أو المصنعة محليا ولكن من مواد أولية ونصف أولية مستوردة ولكن عندما ندقق في أرقام المعهد الوطني للإحصاء نجد أن التضخم شمل قطاعات تأثرها بالاستيراد ضعيف إلى حد ما كالدواجن التي ارتفع سعرها في سنة واحدة بـ%12.7 كاملة وكذلك الأسماك الطازجة بـ%8 ولحم البقر بـ%14.5 والغلال الطازجة بـ%9.5 والخضر الطازجة بـ%12.8 وزيت الزيتون بـ%21.3..

إذن نحن أمام تضخم كبير وواضح في المواد الغذائية الأساسية للمستهلك التونسي فاقت كلها المعدل السنوي للتضخم أحيانا بثلاثة أضعاف كما هو الحال بالنسبة لزيت الزيتون..

فقفة التونسي كما يقال لا تتكون أساسا من المواد المدعمة (الخبز والعجين والزيت النباتي والحليب) بل وأيضا بالخضر واللحوم والأسماك وغيرها ،وهذه أضحت أسعارها مشطة لا فقط بالنسبة للطبقات الشعبية ولكن كذلك لما اصطلح على تسميته بالطبقات الوسطى السفلى أي صغار التجار والحرفيين والأجراء من العمال وأعوان التنفيذ..
لاشك أن بقاء المواد المدعمة على حالها دون زيادة سمح لفئة «التغذية والمشروبات» بأن تبقى في مستوى تضخمي دون المعدل العام (%5.6) ولكن كما أسلفنا فإن أهم المواد الغذائية غير المدعمة والأساسية في الاستهلاك اليومي قد شهدت تضخما يفوق بوضوح عتبة %10 وهو ما يجعل جلّ التونسيين يقولون بأنهم لم يعودوا قادرين على اقتناء ما تعودوا عليه من مواد غذائية إلاّ بحرج كبير..

هذا هو إجمالا وضع التضخم قبل انطلاق سنة 2018..وهذا هو المخيف في العملية كلها لأننا نبدأ السنة الجديدة بضغوط تضخمية ورثناها من 2017 مرتفعة جدا ولعلها لم تحصل في تونس منذ عقود ،واذا ما علمنا بأن زيادة النقطة الواحدة في الأداء على القيمة المضافة ستترجم بزيادة تضخمية بـ%0.8 حسب المعهد الوطني للإحصاء وان هنالك عدة زيادات «استباقية» من قبل بعض الصناعيين ومسديي الخدمات مع إضافة احتمال مواصلة تراجع قيمة الدينار بالنسبة لأهم العملات الأجنبية فقد يصل التضخم هذه السنة إلى مناطق الخطر مع %8 أو %9 وعندها نصبح في دوامة تضخمية فعلية قد تنفلت من كل إمكانية للجمها ..

ينبغي على الحكومة أن لا تنظر لمسألة غلاء الأسعار كشعار سياسي يرفع ضدها أو كتهويل إعلامي ، بل كخطر حقيقي يمكن أن يضرب ما بقي من الثقة في الاقتصاد الوطني..
والضغط على التضخم لا يكون فقط بحملات المراقبة الموسمية والظرفية بل بسياسة نقدية واضحة نعلم من خلالها هل نحن إزاء عملة (الدينار) مستقرة على المدى المتوسط أم أن التدحرج سيتواصل ..

ينبغي طمأنة كل المتدخلين الاقتصاديين على الآفاق المتوسطة للعملة التونسية كخطوة أولى ثم العمل على كل العناصر المؤسسة للقيمة من إنتاج وإنتاجية وتصدير بالإضافة إلى تفكيك نهائي (؟) لشبكات المضاربة والاحتكار ..
فالثقة لا تمنح بالكلام الجميل بل بالأفعال الجدية والمستمرة مع تقييم كل إجراء وكل سياسة عمومية وهذا هو مكمن الداء في كل السياسات العمومية منذ الثورة إذ لا نعلم إلى الآن ما هي النتائج الفعلية لكل ما قررناه ولكل ما وعدنا به ..

المشاركة في هذا المقال