Print this page

حكومة «الوحدة الوطنية» و «الترويكا الجديدة»

قبل تشكيل «حكومة الوحدة الوطنية» حصل حوار صلب المنظمات والأحزاب الّتي قبلت الإنخراط في هذا التمشي، حول الأولويات

الّتي يجب الإلتفاف حولها كي تتمكن الحكومة من الخروج من الأزمة الّتي تعيشها البلاد. وتتمثل هذه الاحزاب والمنظمات في الإئتلاف الحاكم: أحزاب نداء تونس والنهضة والإتحاد الوطني الحر وآفاق تونس وحركة مشروع تونس، والمنظمات الوطنية المتمثلة في الإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، والأحزاب المعارضة والمتمثلة في حركة الشعب وحركة المسار الديمقراطي الإجتماعي والحزب الجمهوري والمبادرة الوطنية الدستورية . وقد تم تضمين الأولويات ضمن ما سمي بـ«وثيقة قرطاج» وتلخّصت محاورها، في كسب المعركة ضد الإرهاب ، و تسريع نسق النمو والتشغيل، ومقاومة الفساد و إرساء الحكومة الرشيدة والتحكم في التوازنات المالية وتنفيذ سياسة إجتماعية ناجعة و إرساء سياسة خاصة بالمدن و الجماعات المحلية ودعم نجاعة العمل الحكومي واستكمال تركيز المؤسّسات.

وقد كان من المؤمّل أن تشهد تونس صيغة جديدة في التعامل السياسي بين مختلف الأطراف الّتي إنخرطت في مسار «حكومة الوحدة الوطنية» وأن يحدث التفاعل الإيجابي بين مكونات هذه الأطراف في سبيل خلق حركية جديدة تشجع مكونات المجتمع المدني على مضاعفة أنشطتها وانخراط مختلف الأحزاب الّتي تبنت هذه الوثيقة في خوض المعارك من أجل إرساء الوسائل والآليات الّتي تستوعب انتظارات مختلف فئات الشعب.

ولكن كلما تقدّمت الأيام وإّلا وظهر ضيق الأفق و طغيان الحسابات الضيقة على التفكير في المصلحة الوطنية، وتناسى المتعاضدون الهدف الّذي من أجله تمّ إرساء هذه الحكومة، إذ تواصل العمل الحكومي بنفس الطرق والأساليب السابقة، إمّا إذعانا لمقتضيات «التوافق» بين حزبي نداء تونس والنهضة بالخصوص، أو تنفيذا لاختيارات غير صائبة في توزيع المسؤوليات أو اختيار الشخصيات المناسبة في هرم مراكز السلطة الإدارية.

هذا التمشى أوحى لبعض المنخرطين في هذا التوجه بأن الحكومة تريد أن تكتفي بإستعمال وثيقة قرطاج كـ «صك على بياض» وتريد استعمالها في «حكومة الوحدة الوطنية» كواجهة للتسويق السياسي فقط، لذلك ترى أن التشاور معها و تشريكها في مناقشة المبادرات انتهى بمجرد الإمضاء على وثيقة قرطاج. و على ضوء ذلك تصرفت الأحزاب المشاركة و كأنها غير معنية بأي برنامج، أو بالدفاع عنه، بل بقيت بعض الأطراف تقايض و تساوم للحصول على مواقع ،وضعتها هدفا لتحقيق مآربها. و لم يتوقف كل ذلك على المواقع الحكومية ، بل امتدت ردود الفعل إلى مجلس نواب الشعب لتتوزع الكتل من جديد في تشكلات جديدة، و انتهى الأمر إلى الرجوع إلى المربع الأول بتشكيل ترويكا جديدة، ممّا أفرغ فكرة «حكومة الوحدة الوطنية» من مضمونها قبل أن يقع تكريسها بصورة فعلية.

فهل يمكن التسليم بفشل تصوّر «حكومة الوحدة الوطنية»؟
في الحقيقة لم تشهد البلاد تغييرا يوحي بحصول تغيير في عقلية النخب السياسية (إن صحت التسمية) كما لم تشهد تحوّلا في طرق الإدارة و التسيير ، إذ يغلب على كل التصرفات الإرتجال و معالجة المشاكل بالتهدئة والتأجيل وأحيانا يوما بيوم ، دون إقناع في الدّاخل والخارج.
فبإستثناء تثبيت الكسب الأمني في محاربة الإرهاب ، و بعض محاولات مقاومة الفساد، فإن السياسة العامّة بقيت تراوح مكانها، و تتميّز بالتذبذب في المواقف بسبب التجاذبات الّتي تعيشها من الداخل ، لذلك يسود الاعتقاد بأن هذه الحكومة، الّتي أرادها الشاهد أن تكون «حكومة حرب» أصبحت حكومة صراع صلب الحزام الّذي يفترض أن يكون داعما لها، و مصارعة التحديات الإقتصادية و الفساد، و كذلك مصارعة من يستهدف استمرارها و بقاءها.

كما يسود الإعتقاد بأن ما سُمي بـ«حكومة الوحدة الوطنية» لم يكن غير تسمية على غير مسمّى، اقتضتها المرحلة في وقت ما ، و هي محل تنصل، مما جعل بعض المنخرطين في مسارها يرون أنها لم تكن مبنية على نوايا صادقة في تكتيل جهود كل الأطراف السياسية من مختلف المواقع من أجل إنقاذ البلاد.
وأكبر دليل على هذا التنصل الرجوع إلى إئتلاف «الترويكا الجديدة» بين النداء والنهضة والحر، وهو إئتلاف مؤسّس على التكّتل من أجل ضمان الأغلبية عند التصويت في البرلمان أكثر من أي هدف آخر. و قد جوبه هذا التنصل بردّة فعل عدد من الأحزاب المنخرطة في هذه الحكومة قادت الحزب الجمهوري مثلا إلى الإنسحاب من «حكومة الوحدة الوطنية»، و بذلك أصبح الإنخراط في حكومة الوحدة الوطنية سببا في إختلاف و تباين الرؤى السياسية خارجها ، في حين كان يفترض أن يكون نجاحها سببا في اتساع نطاقها ...

المشاركة في هذا المقال