Print this page

حتى لا ينفلت العقال

لن نتحدث عن ارتهان المؤسســة التعليمية بيد من أرادوا العبث بالرصيـــد النضـالي وتحويل وجهته ولن نحلل الخلفيات الثارية وراء عراك وهراش وتراشق بالتهم وممارسات عرّت ما تفعله الرغبة في ‘السلطة’ بالتربويين ولكن سنرصد ردود الفعل المختلفة تجاه تكرر الاضرابات

والاعتصامات وتحولها إلى طقس شبه شهري. فلئن آثر أصحاب الأموال إنقاذ أبنائهم من تدني مردود المؤسسة التعليمية ‘العمومية’ وابتزاز عدد من الأساتذة فأدخلوا فلذات أكبادهم إلى المدارس الخاصة فإنّ انعكاسات الأزمة الاقتصادية على أبناء الطبقة الوسطى والطبقة الضعيفة ما تركت لهم الخيار. فعاشوا أزمة تصدع العلاقة بين الوزارة والنقابات وتحملوا تبعاتها مكرهين.وازداد شعور هؤلاء بالغبن والقهر عندما لاحظوا اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة وتفشي الفساد والعنف وغيرها من الأمراض الاجتماعية في عدد من المؤسسات التربوية والتعليمية.

والظاهر أنّ الكيل قد طفح فما عاد بالإمكان تحويل التونسي إلى «متفرج سلبي على مصيره» ولذا أقدم وليّ من الكاف على اصطحاب عدل منفذ لمعاينة انقطاع الدروس بمرفق عمومي من المفروض أن يؤدي خدمات ولكنه بات مرتهنا ومعطلا، وهي مبادرة فردية تزامنت مع دعوة أطلقها الطاهر بن حسين يحث فيها الأولياء على التحرك دفاعا عن المؤسسة التربوية وحق أولادهم في المعرفة واقترح بن حسين تأسيس جمعيات الأولياء في كل مؤسسة تعليمية لوقف هذا النزيف .وفي السياق نفسه توجهت أستاذة إلى زملائها وزميلاتها برسالة تدعوهم فيها إلى عقلنة مواقفهم والاعتراف بالتقصير والاستهانة بمصالح التلاميذ في مقابل الدفاع عن امتيازاتهم والتستر عن التجاوزات ...والمتابع للتعليقات على الإضراب في شبكات التواصل الاجتماعي يلحظ تباينا في وجهات النظر بين المشرفين على العملية التربوية .ولكن هل يمكن أن تعد هذه التحركات علامة معبرة عن خروج فئة من التونسيين من وضع المشاهدة والصمت إلى وضع رد الفعل على الأزمة التي يتخبط فيها قطاع التعليم بعد المواجهة المستمرة بين ممثلي النقابات والوزير.؟هل يمكن أن نرى في هذه المبادرات مؤشرات على وعي التونسي وقدرته على اتخاذ أشكال جديدة للتعبير عن مواطنيته؟ وهل أنّ المجموعة التي خرجت عن صمتها تعبر في الواقع ،عن موقف سياسي، أي رفضها أن يتحول المجتمع إلى «مجتمع متلاعب به» على حد تعبير»» Adorno .؟
لاشك عندنا أنّ بروز أشكال مختلفة لرد الفعل كتوجيه الرسائل المعبرة عن موقف إلى هذا المسؤول أو ذاك هي دليل على رغبة الموطنين في التفاعل والمشاركة في الشأن العام والشأن السياسي حتى وإن كان تفاعل المسؤولين محدودا إن لم نقل معدوما في أغلب الحالات .

ولكن التحرك القانوني هو شكل آخر من رد الفعل يتجاوز إبداء وجهة النظر كتابة إلى استعمال ما يتيحه القانون من أدوات تضمن للفرد حقوقه، وهو سلوك مخبر عن إيمان بدور القانون في فض النزاعات وتسيير المعاملات بين الناس إذ يبقى الالتجاء إلى القانون هو الإجراء الأمثل.

وبالإضافة على ما سبق نذهب إلى أنّ هشاشة الدولة وعجز الحكومة عن إدارة الأزمات وامتناع رؤساء الأحزاب الممثلة للحكومة أو المعارضة عن لعب دور الوساطة في قضية بمثل هذه الأهمية خلق حاجة ماسة إلى التفكير في استحداث نظام بديل للرد على «التضامن العضوي الآلي» لأبناء القطاع والذي أدى إلى المس بجودة التكوين. بيد أنّ ما نخشاه أمام تفاقم الأزمة وإدارتها وفق مبدإ تحقيق الغلبة «وتركيع الآخر» وكسر شوكته أن يفضي الأمر إلى انتشار الفوضى ولجوء عدد من الأولياء إلى استعمال العنف وسيلة للتعبير عن غضبهم من رمي أطفالهم في الشوارع وتعريضهم للمخاطر . كما أنّ أخشى ما نخشاه أن ينقلب السحر على الساحر فلن يعود بإمكان المعلم/ة أن يدير علاقته بالتلاميذ في كنف الاحترام والتقدير وهم الذين استمتعوا بالفرجة فواكبوا تحول المربّي إلى مهرّج انفلت عقاله فما عاد يدري أهو في المدرسة أم في الشارع؟.

المشاركة في هذا المقال