Print this page

حٌلـم...

ونحن نعيش لحظات فارقة في تاريخنا المعاصر ...أردناها افتتاحية تخالف المتوقع والمألوف أردناها افتتاحية مشبعة بالأمل تحملكم إلى أفق أرحب.

بالرغم من أنّ أغلب التونسيين شديدو التبرم بما آل إليه الوضع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وإعلاميا ويزداد شعورهم بالإحباط يوما بعد آخر وكأنّهم حفظوا عن ظهر قلب قصيدة ‹لا شيء يعجبني» لمحمود درويش فإنّنا نعتبر أنّه ما زال «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» وأنّه مازال بإمكاننا أن نحلم ...فتونس تستحق الأفضل ...وتستحق أن نمنحها أفضل ما فينا.

أحلم ببروز كوكبة من السياسيين الذين يفرطون في حبّ الوطن فيذوبون فيه عشقا حتى الثمالة ويتنافسون في خدمته وتحقيق نهضته بلا هوادة ...سياسيون يتركون جانبا حساباتهم ومصالحهم وصراعاتهم وأنواتهم ليتفرغوا لدراسة ملفاتهم بكلّ جدّ وحزم وزيارة كلّ شبر في الوطن مقدمين بذلك درسا في البذل والعطاء ومثبتين أنّهم قد تجاوزوا عقدة الخوف من الاحتكاك بالمواطنين...

أحلم بظهور نائبات ونواب ديدنهم خدمة الشعب لا خدمة ذويهم وخلانهم ولوبياتهم ...لا يتمسكون بامتيازات تدرها عليهم»الكراسي’ ولا يطالبون بأن تغدق عليهم دولة مفلسة العطايا...ينأون بأنفسهم عن اللعب على أوتار الجهاويات والأيديولوجيات والصراعات... نائبات ونواب يؤمنون بأنّ المسؤولية جسيمة وأنّ عليهم تقديم التضحيات فالتاريخ لا ينسى.

أحلم بنقابيين ونقابيات يرسمون ملامح ملحمة النضال بكلّ مسؤولية... قيمهم النبيلة مكرسة على أرض الواقع المعيش وليست شعارات مرفوعة في المظاهرات ...نقابيون ونقابيات يعلمون الأجيال الجديدة معاني العمل ودلالات المثابرة وقيم البذل والتضحية والعطاء بلا ضوضاء وضجيج وبلا «تركيع» ومساومات ...وبلا لغة مبتذلة لأنّ مدرسة العمل النقابي علّمتنا أنّ الأخلاق تفوق كلّ اعتبار وأنّ المناضل الحقيقي هو أوّل من يقاوم الزيف والخداع والفساد عندما تسري في صفوف المنظمة.

أحلم بإعلام وطنيّ مسؤول ويقظ يعدّل أوتار المتصابين ويقف سدا منيعا أمام المتطفلين وأصحاب المال المشبوه ...إعلام جريء لا يتوانى عن خوض كل المعارك ويقف وقفة صارمة ضد الفساد والنفاق والانحراف والإرهاب والرداءة والبلادة والشعوذة والتزييف فيقوم بالتعديل الذاتي...أحلم بإعلاميين يؤثرون الاستقصاء على التزوير والافتراء حريصون على معايير الكفاءة والمهنية ...متعففون على التمسح على أبواب لوبيات المال والجاه ...إعلاميون مثقفون مثابرون ينكبون على دراسة مواضيعهم بكلّ جديّة ووعي بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم.

أحلم بمؤسسات تعليمية تحقق الريادة تتسابق من أجل تجويد الخدمات وإنتاج المعارف... أحلم بمربين ومعلمين وأساتذة ومحاضرين لا تلهيهم ‘التجارة’ عن القيام بواجباتهم ، يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبهم الجمهور ...يمثلون القدوة والأنموذج يقولون ويفعلون ويشيدون تاريخا يحتفي بأبنائه لأنّهم ‘أصحاب المادة الشخمة’.

أحلم بأئمة وخطباء يعيدون إلى المنظومة القيمية أهميتها بعد أن شارفت على الاندثار وزاحمتها قيم وافدة ...أئمة وخطباء لا يؤلبون الناس على بعضهم البعض ، ولا ينشرون خطاب البغض والكراهية ولا يتفننون في الشتم والتعيير ...أحلم بأئمة وخطباء وعلماء يروضون الغرائز ويؤنسنون العلاقات ويعلون من قيمة النزاهة والعمل والصدق والإخلاص والمحبّة والسماحة والاحترام...

أحلم بالعدالة الاجتماعية والكرامة ...أحلم بسياسات عادلة في حفظ الصحة وتوفير الفرص المتكافئة للجميع...أحلم بقضاء نزيه مشرّف ...أحلم بالمساواة الجندرية ومناخ من الحريات...أحلم بتطبيق مواد الدستور وتعديل القوانين المجحفة... أحلم بالأمن المدني المؤمن بثقافة المواطنة وحقوق الإنسان ... أحلم بأن تكون تونس بلد الاستقرار لآلاف المهمشين والمنسيين والمكدودين...أحلم بأن تتجاوز تونس محنها وان تقاوم الإرهاب والإرهابيين والمفسدين في الأرض...أحلم لأنّي لا أملك إلاّ أن أحلم.

و«أعلّل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل»ِ

المشاركة في هذا المقال