Print this page

تونس والحرب على الإرهاب الاستعداد لما بعد «داعش»

أنظار العالم كلها متجهة الآن صوب ما يحدث في سوريا والعراق حيث تجري حروب عديدة بعضها ضد التنظيمات الإرهابية وبعضها حروب إقليمية بالوكالة وبعضها كذلك للاستعداد للحروب القادمة...

وكل هذه الحروب تهمنا نحن التونسيين لأنها ستؤثر على المآلات الجيواستراتيجية للمنطقة ولكن الحرب على الإرهاب وخاصة على تنظيم داعش في العراق وسوريا تهمنا بصفة مباشرة نظرا للامتدادات المعولمة لهذا التنظيم الإرهابي ولوجود بعض الآلاف من شباب تونس الذين ضلت به السبل وأصبحوا أتونا في هذا الحرب وهم يمارسون هناك أبشع أنواع الجرائم من ترويع وقتل ودمار...

هنالك تحولات هامة بصدد الحدوث في سوريا والعراق وأهمها على الإطلاق محاصرة المراكز الأساسية للتنظيم الإرهابي داعش في الموصل وفي الرقة وقرب انتهاء أسطورته الدموية القائمة على قدرة تنظيم إرهابي على السيطرة بصفة دائمة على حيّز جغرافي هام... هذه الأسطورة بصدد الانهيار الكلي وسينهار معها بالتأكيد كابوس «الخلافة» الداعشية الدموية...

وهذا يعني أننا أمام تغيّر كبير في خارطة الإرهاب السلفي الجهادي المعولم.. فنهاية داعش كتنظيم إرهابي يدّعي أنه بإمكانه إقامة حكم قار ومستقر فوق رقعة ترابية شاسعة لا يعني بالتأكيد نهاية الإرهاب ولا كذلك نهاية الإرهاب المرتبط بهذا التنظيم أو بشظاياه...
ولكل سيناريو ممكن تأثير مباشر على الساحة الإرهابية داخل بلادنا وإن كنا نميل إلى الاعتقاد بأن القضاء على مركز هذا التنظيم الإرهابي مؤذن بذهاب ريحه نهائيا على المدى المتوسط ولكن تبقى درجة المخاطر مرتفعة على المدى القصير...

لا أحد يعلم بالتحديد ما هي التطورات المحتملة لانهيار المواقع الأساسي لتنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي العراقية والسورية والليبية ولكن سيناريو التشظي يبقى هو الأقرب احتمالا... لأن سقوط معاقل داعش سوف يفضح زيفه الإيديولوجي وأن ادعاءه الخلافة وامتلاك شروطها (كالنسب القرشي مثلا) هو دعاية كاذبة وهذا كاف لوحده لكي تتسرب الشكوك وتكثر الانتقادات داخل القيادات الإرهابية ذاتها... ولا يتوقع جل المراقبين للحركات السلفية الجهادية المعولمة أن يتمكن البغدادي أو من سيخلفه من المحافظة على وحدة التنظيم بعد سقوط مركزيه العراقي (الموصل) والسوري (الرقة)...

ويخشى بعض الخبراء الغربيين من أن تكون الشظايا الداعشية، في بدايتها على الأقل، أكثر دموية ووحشية وأن تعمد إلى عمليات انتقامية أكثر بشاعة من ذي قبل... والسؤال الذي يهمنا هنا هو أن بعض هذه الشظايا ستذهب مثلا إلى تكفير كل المسلمين السنيين المخالفين لها باعتبارهم ساندوا أعداءها في هدم عاصمة خلافتهم المزعومة؟!... فإن حصل هذا التحول في بعض هذه الشظايا، وهذا أمر محتمل جدا خاصة وأن التنظيم الإرهابي الأم لم يعد بعيدا كثيرا عن هذا... فذلك سيعني أنهم سيستهدفون داخل البلاد العربية مواطنين عزّل في

الطريق العام أو في الساحات التجارية أو في المدارس والجامعات والمستشفيات..
لا نقول هذا لنلقي الرعب في قلوب التونسيين ولكن لتستعد كل أجهزتنا الأمنية والعسكرية ووكالة استخباراتنا الجديدة لهذا الاحتمال...

فالمعلوم أن الفرق بين تنظيم القاعدة زمن بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي الأب الروحي لداعش كان حول جواز استهداف عامة الشيعة... وإسراف مليشيات الزرقاوي الإرهابية في ذلك...
والبعد العقائدي لهذا الخلاف والذي تولد عنه فيما بعد الانشقاق الفعلي داخل التنظيم الإرهابي الأم هو أن القاعدة تعتبر أن المذهب الشيعي مروق عن الإسلام ولكنها لا تكفّر ما يسمى بعوام الشيعة بأعيانهم على عكس ما جنحت إليه داعش... ففي تنظيمات الإرهاب السلفي الجهادي المعولم التكفير يسبق، نظريا على الأقل، دوما القتل والتفجير...

والسؤال الآن وبعد الخيبات المتكررة للإرهابيين في بلادنا وفي معاقلهم الأساسية هل سيذهب بعضهم إلى تكفير من يسمونهم بعامة أهل السُنّة باعتبارهم ناصروا «الحكام الطواغيت؟»...
وما قد ييسر هذا التطور الخطير هو أن يعم التنافس والتناحر بين شظايا داعش فيريد بعضها أن يظهر إسرافا وإجراما أعظم وأشمل من التنظيم الأم المنهار...
هذا هو ما تخشاه كل البلاد العربية السنية أي ألّا تقتصر أهداف الإرهابيين على القوات الأمنية والعسكرية وعلى النخب السياسية والفكرية والثقافية وعلى الطوائف غير السنية أو على الأجانب غير المسلمين كما هو الحال اليوم... فتصبح أهداف بعض الشظايا الداعشية هي المجتمع بأسره...

لا شك أن هذا الخطر المحتمل سيصاحبه انحسار كلي وشامل للمجموعات الإرهابية وسيكون مؤذنا بنهاية سريعة لهذه التيارات الدموية... والمطلوب يبقى في كل الأحوال هو حسن استباق فترة ما بعد داعش واحتمالاتها المتعددة ومخاطرها القديمة / الجديدة..
ملف كهذا ينبغي أن يكون من أولويات الوكالة الوطنية الجديدة للاستخبارات..

المشاركة في هذا المقال