Print this page

النداء ونداء من أجل إعادة بناء مشروع النداء والمشروع: خارطة سياسية جديدة بصدد التشكّل

ظن بعضنا أن التوازنات السياسية الجديدة الناتجة عن انتخابات خريف 2014 مدعوة للاستمرار لفترة من الزمن وان الحياة الحزبية قد وجدت مع التوازن الذي أحدثه نداء تونس نوعا من الاستقرار مع بروز قطبين كبيرين وأربعة أو خمسة أحزاب صغيرة تكمل تنوع المشهد السياسي العام...

ولكن هذا الظن لم يصمد طويلا وبدأ التشقق والتصدع في الحزب الأول مؤذنا بإعادة ترتيب البيت الحزبي برمته..

اليوم وفي نفس الفضاء السياسي الذي كان يمثله نداء تونس سنة 2014 أصبح لدينا حزبان على الأقل: حركة نداء تونس وحركة مشروع تونس ولكل حزب منهما كتلته النيابية ورغم هذه الحركة الانشقاقية الكبيرة فإن التصدع لم ينته على ما يبدو في الحزب الذي أسسه الباجي قائد السبسي ومازالت نتائج مؤتمر سوسة تلقي بظلالها الكثيفة عليه بين من يعتبرها التعبيرة الوحيدة عن الشرعية – وإن لزم تعديلها ببعض التوافق – إلى من يرى فيها الكارثة الأصلية التي ستؤدي بالحزب إلى الانهيار ما لم يتم التراجع النهائي عن المنطق العام الذي أدى إليها...
الواضح أن هنالك قوى عديدة وازنة داخل النداء وطنيا وجهويا تسعى ما أمكن لها إلى منع التفتت الكامل لهذا الحزب وذلك ما نلاحظه في النداء الذي توجهت به مجموعة من الوجوه الندائية البارزة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن هذا النداء القصير إلى حد ما (انظر «المغرب» ليوم الخميس 17 مارس 2016) قد ضمّ جملتين على غاية من الأهمية:

• الأولى «نظرا لغياب حزب حداثي وديمقراطي قادر على أن يكون قوة اقتراح وحكم».

• الثانية «وعيا منّا بعمق الأزمة التي يمر بها نداء تونس، خاصة إثر مؤتمر سوسة»..
وهذا يعني أن التشبث بنداء تونس ليس غاية في حد ذاته بل لأنه الوسيلة الوحيدة الممكنة – إلى حد الآن – لتحقيق التوازن السياسي.. أي أنه لو توفرت «وسيلة» أخرى تكون قادرة على الاضطلاع بهذه المهمة فقد تلتحق بها هذه القوى الوازنة حاليا في نداء تونس.
والعنصر الثاني المهم هو اعتبار أن مؤتمر سوسة، ولو بالتلميح، عنصر من الأزمة لا من الحل.. وهذا ما سيعقد من مقبولية هذا النداء لدى القيادة الحالية لنداء تونس.. ولكن هذا النداء يفيد بأن جزءا هاما من الندائيين لا يرون – إلى حد الآن – في الحزب الجديد «حركة مشروع تونس» الإطار السياسي القادر على أن يكون «قوة اقتراح وحكم».
في هذا الوقت بالضبط تكثف حركة مشروع تونس من نشاطاتها وخاصة من سعيها لإظهار القوة الكافية المطمئنة بأن واقع ومستقبل المشروع الذي يمثله نداء تونس إنما هو في «حركة مشروع تونس» لا في غيرها من الأطر «القديمة» وما الاستعمال المكثف لـــ»الحزب القديم» لوصف نداء تونس إلا استعادة للحظة تأسيس الملحمة البورقيبية وثنائية القديم والجديد التي تم توظيفها آنذاك في الصراع ضد قيادات الحزب الحر الدستوري الذي أضحى يلقب بالقديم من قبل بورقيبة ورفاقه..

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د


ولكن النجاح في عقد اجتماعات جماهيرية وبروز الزعامة القوية لمحسن مرزوق والسعي لاحتكار الشعلة الندائية الأصلية. لا يعني أن كل شروط النجاح قد توفرت لكي يحل «المشروع» سياسيا وانتخابيا محل «النداء»؟
قد نجد بدايات الجواب على هذا السؤال بعد أشهر معدودات مع عمليات سبر الآراء الممهدة للانتخابات المحلية ولكن لا شيء يعوض حقيقة الميدان...
وسوف يبقى التنافس على أشده بين هذين «الأخوين اللدودين» إلى حين نتائج الانتخابات القادمة والتي ستكون لحظة مهمة في إعادة توزيع الأوراق داخل هذا الفضاء السياسي الذي يمثل حوالي ثلث أصوات التونسيين.
ولكن الانقسامات داخل العائلة الندائية بعد فوزها العريض في 2014 أطمعت فيها أطرافا أخرى من خارجها أو من تخومها.. فالعائلة الدستورية تسعى للتوحد الآن لتكون بديلا على الأقل للرافد الدستوري في النداء... كما رأينا اشتغالا للعائلة الاجتماعية الديمقراطية التي منيت بهزيمة كاسحة في انتخابات 2014 وكذلك الأمر بالنسبة للجبهة الشعبية ولحزب آفاق تونس الطامعين إلى مزيد التطور على حساب الجسم الندائي..

ولكن يبقى «الخطر» الأكبر على فرقاء النزاع الندائي المبادرة السياسية التي قد يطلقها رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة.. وهي مبادرة قد تغري العديد من الوجوه الندائية الوازنة وقد تغير بذلك في موازين القوى داخل هذا الفضاء...

يبقى تحديد شكل وزمن هذه المبادرة وهي قضايا شائكة لم يدخل فيها بعد هذا الذي ينظر إلى الساحة السياسية من قرب بعيد...
الواضح على كل حال أن المشهد الحزبي مازال غضّا ومازال قابلا لعديد الممكنات.

المشاركة في هذا المقال