باعتباره خطوة في مناورة دقيقة بين النار والدبلوماسية. فالحركة، التي تبحث عن وضع حد لحرب الإبادة التي يشنها الاحتلال منذ عامين، قدّمت رداً غامضاً يمكن تفسيره بأكثر من طريقة، اختارت فيه ألا يكون رفضها صريحاً مطلقاً ولا قبولها كلياً، بل أن يكون في منطقة رمادية قد تثير اللّبس. وهذه المنطقة الرمادية تمثل باباً مفتوحاً للمقاومة لإدارة المناورة والتفاوض، بما يضمن تحقيق معادلة أكثر إنصافاً للفلسطينيين.
في مضمون الرد، الذي جاء في صيغة بيان رسمي، أعلنت الحركة موافقتها على بعض البنود الواردة في الخطة الأميركية، من بين 21 بنداً قامت عليها المبادرة. البنود التي قبلتها حماس تشمل إطلاق الأسرى وتسليم السلطة التنفيذية في غزة إلى هيئة فلسطينية مؤقتة، لكنها تجنّبت في المقابل الالتزام العلني بنزع سلاحها أو القبول ببقاء قوات الاحتلال في مناطق محددة، كما نصت عليها الخطة المقترحة.
هذا الموقف يعكس إدراك الحركة العميق بأن أي تنازل جوهري في ملف السلاح أو الحق في المقاومة سيعني نهاية حماس كفاعل سياسي وكجزء من المقاومة في آنٍ واحد. التاريخ الفلسطيني المعاصر يزخر بأمثلة عن تداعيات تخلي المقاوم عن سلاحه لأجل التفاوض فقط، وما يلبث أن يتحول التفاوض حينها إلى خسارة استراتيجية.
وضع اختارت الحركة ان تناور فيه عبر الاعراب مجددا على استعدادها لتسليم سلاحها للدولة الفلسطينية متي قامت، مؤكدة أن إدارة القطاع ستكون بأيدي فلسطينية خالصة، وأن أي تصور لإدارة لا يحترم السيادة الفلسطينية لن يكون مقبولاً، لترحل الرج على باقي النقاط المفخخة الى ضرورة توفر إجماع وطني بشانها. بهذا المعنى، يُمثل الرد إعلاناً عن انتقال حماس الى الواقعية، التي تفرضها موازين القوى وضغوط الوسطاء الإقليميين، الراغبين في إنهاء حرب لم يعد تحتمل إنسانياً ولا سياسياً.
ولذلك، لم يمر الرد دون ان يسارع الوسطاء الترحيب، اذ ان كل من قطر ومصر والأردن والسعودية اصدرت بيانات وتصريحات ترحب برد حماس، معتبرة أنه يشكل فرصة لإنهاء الحرب. بل والسلطة الفلسطينية التي وان لم تبدي الترحيب فانها أبدت استعداداً للمشاركة في إدارة غزة ضمن «سلطة انتقالية»، رغم معضلة الشرعية الشعبية التي تواجهها منذ أن خرجت من معادلة الفعل السياسي والعسكري.
على الجانب الآخر، رحّب الرئيس الأميركي بما سمّاه «خطوة تاريخية نحو السلام»، واعتبر الرد قبولاً ضمنياً بالخطة، غير مدقق في التفاصيل وهذا ربما يعكس حسابات داخلية أميركية دقيقة، حيث يسعى ترامب لتخفيف الضغط المتزايد من قواعده الانتخابية، بما في ذلك مجموعات إنجيلية وسياسية كـ MAGAK بالدفع الى انهاء الحرب باية مكاسب محققة، ولكن مع ذلك، يبقى الهدف الأميركي الأساسي ضمان مصالح الاحتلال، وليس إعادة الاعتبار للحق الفلسطيني أو وضع حد للحرب، ما يجعل قبول حماس الجزئي مناورة خطيرة تحت وطأة الضغوط، التي وائن نجحت الحكة اليوم في ترحيلها للاحتلال الا ذلك لا يعنى انتصارها.
فان انتقل الضغط الى الجانب الاخر الذي أبدت حكومته (الاحتلال) استعدادها لتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة مع تأكيدها أنها لن تنسحب كلياً من القطاع. وهو موقف يعكس حجم التناقض العميق بين أجنحة حكومة الاحتلال التي يدفعها الجناح اليميني المتطرف بقيادة بن غافير وسموتريتش الى استئناف الحرب مباشرة بعد تبادل الاسرى فيما تدفع المؤسسات الامنية والعسكرية الى انهاء الحرب. مما يزيد من تعقيد المشهد ويضع الاحتلال في موقع المناورة المستمرة.
كل هذه المعطيات قد تشير ان امعنا النظر إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلة معقدة متداخلة، هدنة متقطعة دون نهاية الحرب، تتضمن وقف إطلاق نار جزئي، تبادل الأسرى، انسحاب جيش الاحتلال المحدود، تدفق المساعدات، وضع قد يستمر لاشهر بهدف حسم ملفات سلاح المقاومة والوصاية الدولية على قطاع غزة.
مما يجعلنا امام هدنة بلا أفق بالمعنى الكامل، تذكّر بأن نهاية الحرب ليست بالضرورة بداية السلام