Print this page

رسالة المحامين بانتخاب بوبكر بالثابت: لا اصطفاف بعد اليوم

حسم المحامون في تونس خياراتهم بانتخاب بوبكر بالثابت

عميداً جديداً لهيئتهم من الدورة الأولى وبأغلبية ساحقة، وهو ما مثل حدثا غير عادي داخل بيت المهنة أو على الساحة الوطنية عموماً. اذ لم يكن هذا الفوز مقتصرا على تغيير هوية العميد، بل كان بمثابة رسالة سياسية ومهنية واضحة المعالم، مفادها أن المزاج العام داخل قطاع المحاماة قد تغير، مبتعداً عن نهج العهدتين السابقتين وراغباً في إعادة تعريف موقع العمادة وعلاقتها بالسلطة.

رسالة مثلت لحظة فرز الأصوات في مدينة الثقافة بالعاصمة مشهداً معبّراً عنها وعن هذا التغيير، اذ احتفل المحامون بنهاية خيار استمر لأربع سنوات، كان فيه موقف الهيئة الوطنية مساند لمسار 25 جويلية 2021 منذ بدايته، حيث اصطفت العمادة في عهدة ابراهيم بودربالة رئيس مجلس النواب حاليا خلف مسار 25 جويلية والسلطة، وهو خيار يتهم العميد المتخلي حاتم مزيو بالاستمرار فيه رغم ما عاشه القطاع من لحظات فتور بينه وبين السلطة التي تجاهل مطالبه، مما غذى حالة استياء عميقة في القواعد انعكست مباشرة على المزاج الانتخابي الذي أطاح بخيار التقارب.

فما تشير اليه نتائج انتخابت عميد المحامين بشكل صريح وواضح هو ان أن الأغلبية في القطاع باتت تدفع نحو إعادة مراجعة الخيارات الكبرى للعمادة واعادة التموضع في العلاقة مع السلطة، على قاعدة تبني مسافة واضحة منها، والقطع مع مقاربة تركز على الملفات المهنية البحتة بمعزل عن السياق الوطني الاوسع وهي المقاربة التي طبعت عهدتي كل من إبراهيم بودربالة وحاتم المزيو على مدى السنوات الست الماضية.

هذا التحول يجعل من انتخاب بالثابت حدثاً يتجاوز المهنة ليرتبط برهانات وطنية أوسع. فالمحاماة في تونس لم تكن يوما مجرد «نخبة مهنية» تدافع عن مصالح مهنية واجتماعية رغم انها قوة اجتماعية ضخمة بل هي نخبة حقوقية في تكوينها بامتياز كانت حاضرة ومؤثرة في عدة محطات من تاريخ تونس السياسي المعاصر.

وهي اليوم وبنتائج الانتخابات تعلن عن ما يمكن اعتباره عودة الى مربع الفعل الاجتماعي والسياسي الحقوقي الوطني، وهو ما يعني ان العميد وباقي اعضاء الهيئة المنتخبين سيكونون امام رهنات عدة ولكن اكبرها ليس المهني بل هو اعادة تعريف الهيئة ودورها وعلاقتها بالسلطة.

فالرهان الأكبر الذي يوجهه العميد الجديد بوبكر بثابت وباقي اعضاء الهيئة اليوم هو تحديد بطبيعة العلاقة مع السلطة. فانتصار بالثابت يعبر عن رغبة جماعية صلب القطاع في استقلالية أوسع، ولكنه لا يعبر عن تبني مسار تصادمي مع السلطة، بل هو اشبه الى معادلة توازن بين استقلالية وقدرة وهوامش حركة وتجنب الصدام والمواجهات المباشرة، مع سلطة لا تبدي مرونة تجاه المطالب المستقلة.

وهو ما يهدد بفتح باب مرحلة جديدة من التوتر بين السلطة والعمادة في نسح لنمط العلاقة المتوترة الأخرى التي تجمع السلطة بجل الاجسام الوسطية وخاصة المنظمات الوطنية وهو ما قد يعمق من تعقيد المشهد الوطني. ويفرض نفسه على القيادة الجديدة التي تبحث عن التوازن بين المطالب المهنية والحقوقية .

توازن سيكون الحاسم فيه هو قدرة العميد والهيئة الجديدة على النجاح في تحويل تحالف انتخابي عريض جمع تيارات متناقضة إلى «حزام»عمل متماسك يمكن القيادات الجديدة من تحسين تموقعها في طاولة التفاوض مع السلطة او قدرتها على ان تقود معارك حقوقية وتشكيل تحالفات وطنية واسعة تعيد رسم التوازنات الكبرى في المشهد.

وهذا هو الاختبار الفعلي للهيئة الوطنية للمحامين وعميدها اللذين سيكونان امام اختبار قدرتهما على الموازنة بين المصلحة المهنية والالتزام الحقوقي، وعلى تأكيد دورها كجسم وسيط مستقل وفاعل، وهو ما من شانه ان يؤثر سلبا او ايجابا على المشهد العام اللذي يبدو انه سيعيد تشكيل نفسه على وقع انتخابت المحامين وما كشتفه من تغير في المزاج العام صلب القطاع يمكنه ان يكون مؤشرا اوسع على بداية تغيير في المزاج العام الوطني في علاقة بالسلطة ونهجها

المشاركة في هذا المقال