Print this page

اتفاق بين حماس والمبعوث الأمريكي على بنود صفقة لوقف إطلاق النار: هل تقترب حرب الإبادة في غزة من نهايتها؟

يبدو أن حرب الإبادة الجماعية على غزة تقترب من نهايتها،

إذ لاحت في الأفق تسريبات عن اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار، بعد أشهر طويلة من العدوان الذي خلّف حوالي 80 ألف شهيد، ودمارًا هائلًا، وأزمات إنسانية غير مسبوقة.

الاتفاق الجديد كشفت عنه قناة «الجزيرة»، نقلاً عن مصادر لم تسمّها، أشارت إلى توصل حركة حماس والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، خلال محادثات في الدوحة، إلى صيغة اتفاق تؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار بضمانات أميركية واضحة وآليات للإفراج المتبادل عن الأسرى، إضافة إلى تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.

المبادرة، التي كشفت «الجزيرة» عن تفاصيلها، تقترح تهدئة تمتد لـ60 يومًا، تُفرج خلالها المقاومة الفلسطينية عن عشرة أسرى لدى كتائب القسام، خمسة منهم في اليوم الأول، والخمسة الباقون في اليوم الستين، مقابل إفراج الاحتلال عن أسرى فلسطينيين وتسليم جثامين محتجزة. كما يتضمن الاتفاق إدخال ألف شاحنة مساعدات يوميًا إلى غزة دون قيود وانسحاب قوات الاحتلال من المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية للقطاع بحلول اليوم الخامس من بدء التهدئة.

ورغم أن هذه الصيغة تبدو واعدة نظريًا، الا انها تواجه – كسابقاتها – عقبات سياسية جدية، أبرزها موقف حكومة الاحتلال، التي تتعامل مع هذه المبادرة بتردّد واضح يُنذر بإفشالها. فقد نفى الاحتلال رسميًا موافقته على مقترح ويتكوف، رغم تأكيد المبعوث الأميركي أنه حصل على موافقة من الطرفين. وذهبت تسريبات عبر الإعلام العبري إلى الزعم بأن الاتفاق الجديد «أقرب إلى شروط حماس».

السياق يختلف هذه المرة جذريًا، وقد يمنح الاتفاق الجديد دفعًا للمضي قدمًا. الوضع الإقليمي والدولي لم يعد كما كان يوم بدء العدوان قبل نحو 600 يوم. داخليًا، يعيش الاحتلال أزمة سياسية واجتماعية عميقة، وسط قناعة متزايدة بأنه عالق في مستنقع استنزاف عسكري ودبلوماسي لا يمكن الخروج منه دون ثمن. و تعكس المظاهرات اليومية التي يقودها أهالي الأسرى الإسرائيليين هذا المأزق، وتطالب بإبرام صفقة فورية تُعيد أبناءهم، حتى لو كان ذلك مقابل وقف الحرب دون تحقيق الأهداف المعلنة.

من جهة أخرى، تتعالى أصوات داخل كيان الاحتلال تحذر من كلفة الحرب المتفاقمة، التي باتت عبئًا ثقيلًا على الميزانية ومصدر قلق كبير للمستثمرين، في ظل تراجع الثقة الدولية وتزايد المخاوف من تبعات اقتصادية ومالية جسيمة.

عسكريًا، لم يتمكن الاحتلال من تحقيق أي من أهدافه: تدمير المقاومة او تحرير الأسرى او القضاء على حكم حماس في غزة. على الصعيد الدولي، أصبح في موقف دفاعي غير مسبوق، بعد مشاهد المجازر والحصار الكامل الذي تسبب في مجاعة كارثية في القطاع تُبث تفاصيلها حيًّا على شاشات العالم.

هذا الوضع فجّر موجة إدانات واسعة، لم تقتصر هذه المرة على خصوم الاحتلال، بل شملت حلفاءه التقليديين، الذين باتوا يجدون صعوبة متزايدة في تبرير الصمت أو تبرئة أنفسهم من التواطؤ في الجريمة المستمرة.

لم تعد الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، قادرة على تبرير استمرار الحرب، أو توفير غطاء دولي لها، اذ تواجه إدارة ترامب ضغوطًا داخلية غير مسبوقة من الرأي العام، ومن داخل الكونغرس حيث ترتفع الأصوات المنددة بسياسة التجويع والتدمير. وفي أوروبا بدأت دول كألمانيا وفرنسا، وبريطانيا بمراجعة مواقفها خشية أن تصبح متورطة سياسيًا وأخلاقيًا في حرب إبادة موثّقة بالصور والشهادات.

هذا التقاطع بين الضغطين الداخلي والخارجي والدفع الأميركي المتسارع نحو إبرام اتفاق يشكل اليوم أبرز عناصر الضغط على الاحتلال وقادته ويجعل من إفشال المبادرة مخاطرة ذات كلفة عالية.

و تبدو المقاومة من جهتها، منفتحة على المقترح، بل وتسعى عبر التسريبات إلى تحميل الاحتلال مسؤولية أي فشل، مما يعزز من موقعها التفاوضي ويمنحها مكاسب سياسية حقيقية. فقد نجحت في الصمود وفي تثبيت نفسها طرفًا لا يمكن تجاوزه في معادلة ما بعد الحرب، مستفيدة من تراجع رغبة واشنطن في استمرار العدوان، لما له من تداعيات مدمرة على الاستقرار الإقليمي وعلى صورة الولايات المتحدة نفسها.

المبادرة الأميركية، التي أفضت إلى هذا المقترح، يمكن اعتبارها مخرجًا آمنًا للأطراف الثلاثة المعنية: المقاومة، التي حققت من خلاله اعترافًا ضمنيًا بمكانتها، والولايات المتحدة، التي استعادت عبره شيئًا من زمام المبادرة، تخفف من فشلها الأخلاقي والدبلوماسي، وتمنح الاحتلال فرصة لإنهاء الحرب دون تداعيات كارثية داخلية أو دولية.

وهذا لا يعني أن الاحتلال سيستغل هذا المخرج. فقد يختار نتنياهو، بدافع حساباته الشخصية، تعميق الأزمة وإدامة الحرب، لاعتبارات انتخابية أو هروبًا من الملاحقة الدولية، مما يجعله العامل الحاسم في مسار الاتفاق.

في النهاية، قد لا يكون الاتفاق المقترح نهاية الحرب، لكنه يمهّد الطريق بالتأكيد لإنهائها إذا ما توفرت إرادة سياسية دولية حقيقية قادرة على فرض تطبيق بنوده ووضع حدٍّ نهائي لحرب الإبادة في غزة.

 

المشاركة في هذا المقال