Print this page

مسيرة الحرية، مسيرة الأمل

في مشهد غاب خلال الاشهر الاخيرة عن شوارع العاصمة، خرج مئات التونسيين يوم الجمعة 25 أفريل الجاري

في مسيرة حاشدة دعمًا للقاضي السابق والمحامي، حاليا، أحمد صواب، المودع بالسجن على معنى قانون الإرهاب منذ بداية الأسبوع للمطالبة بإطلاق سراحه ووضع حد للتهم الكيدية التي تلاحق خصوم السلطة وفق شعارات المسيرة.

مسيرة بشعاراتها وخصائص المشاركين فيها رسمت مشهدًا أعاد تشكيل الواقع السياسي بما كشف عن أن رقعة الغضب والاحتجاج من السلطة، غضب في طور التمدد اخترق شرائح وأجيالًا وعائلات سياسية مختلفة، جمعتها المسيرة التي لم تكن مجرد رد فعل على اعتقال شخصية سياسية معارضة، بل كانت صرخة من قبل جزء من الشعب ومن قواه السياسية، التي التقت في مطالبتها للسلطة بوضع حد للانحرافات والتضييق على العمل السياسي في البلاد.

مطالب وشعارات ورسائل وجهت للسلطة التي يبدو أنها تجاهلت اصوات خصومها وهي تعتبر أنهم يمثلون المنظومة القديمة، وتدفع هوية من شاركوا في مسيرة الجمعة إلى إعادة النظر ومراجعة المواقف السابقة لمعارضيها أو من مطالبهم التي يبدو أنه آن أوان الاستماع إليها، وبات من الأفضل أن تبحث السلطة عن كيفية تجنيب البلاد مزيدًا من التوتر والانقسام الحاد.

في مسيرة الجمعة تجلى بشكل لافت تنوع المشاركين وتعدد مشاربهم الفكرية والسياسية والمهنية، إضافة إلى اختلافهم الجندري وانتسابهم الى أجيال مختلفة، وقد نجحوا في إعادة تشكيل مشهد الشارع الذي استعاد نبضه الذي خفت في الأشهر الفارطة، سواء أتعلق الأمر بطبيعة الاحتجاج أو عدد المشاركين فيه أو شعاراته الحادة تجاه السلطة.

شعارات تردد صداها في شوارع العاصمة لانتقاد السلطة وأدائها مع اتهامها بالتضييق على العمل السياسي، شعارات رفعها شباب في الأغلب الأعم، وهذا ما لم يعتد عليه الشارع منذ تفعيل الإجراءات الاستثنائية في 2021 ودخول البلاد في تجربة سياسية نجح القائمون عليها بإفراز نظام حكم جديد ودستور وإجراءات انتخابات، لكنهم تعثروا في عملية استيعاب الاضطراب السياسي في البلاد فأدى ذلك الى تعميق الهوة بين السلطة وجزء من التونسيين.

هذه الهوة بينتها مسيرة الجمعة وزادت في تعميقها. مسيرة جاءت لتذكّر السلطة ومن ورائها جل التونسيين أن البلاد تعيش مرحلة لم يعد بالإمكان تجاهل أصوات جزء من أبنائها ولا أصوات المعارضين، وإن الوقت قد حان للاستماع إلى الأصوات المختلفة عن صوت السلطة التي بات من الضروري عليها أن تتفاعل مع تلك القوى التي تمثل جزءًا من التركيبة المجتمعية وأن تتفاعل إيجابيًا مع مطالبها وان تفتح قنوات الحوار معها.

ما قدمته المسيرة من مشهدية ومؤشرات سياسية تبين أن الرهان على استمرار السلطة في رفض الحوار وتجاهل المعارضة سعيا الى إبرار قوتها ومدى قدرتها على مواجهة الضغوط معتمدة على شعبيتها وما حققته في الانتخابات الرئاسية والتي لم ينجر عنها للأسف إلا مزيد التعقيد والجمود في المشهد السياسي مما انعكس سلبًيا على البلاد وعلى آفاقها المستقبلية. إذ لا يمكن لبلد أن يتقدم في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحالية، دون إشراك الجميع في حل مشكلاته، كما أن ما نراه اليوم من تصاعد الاحتجاجات والتظاهرات في الشارع، ليس إلا تجسيدًا لواقع سياسي متأزم لا يمكن تجاهله. وبالتالي يصبح إصرار السلطة على تجاهل مطالب الشارع والمعارضة عنصر احتقان يولد تعقيدات في المشهد السياسي والاجتماعي العام.

اليوم تتقاطع في البلاد أزمة سياسية مع أزمة اقتصادية خانقة واحتقان اجتماعي لا يمكن أن يتم تجاوزها إلا عبر حلول ناجعة، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون توافق سياسي حقيقي لا عبر إرادة طرف واحد.

قد لا يكون من المبالغة القول بأن الاستماع إلى صوت المعارضة في صالح السلطة نفسها، إذ أنه في الحقيقة مدخل حيوي للخروج من هذه الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وإذا كانت السلطة جادة في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، عليها أن تدرك أن الحوار هو السبيل الأمثل لتحقيق ذلك.

المعارضة ليست عدوًا تجب محاربته، بل هي شريك في ايجاد الحلول التي يمكن أن تعيد الاستقرار واعتبار ذلك أولوية وطنية تقتضيها المرحلة الراهنة.

مرحلة مهمة تمر بها البلاد اليوم، تفترض أن يكون النقاش السياسي مفتوحًا لمختلف الآراء، سواء أكانت في صف السلطة أو في المعارضة.

اليوم تجد السلطة نفسها أمام امتحان حقيقي: إما أن تواصل نهجها في إغلاق الأبواب أمام خصومها، فتدفع البلاد إلى مزيد من الجمود، أو أن تفتح مجالًا حقيقيًا للحوار الوطني مع كافة القوى السياسية والاجتماعية في البلاد.

 

المشاركة في هذا المقال