خلال اليومين الفائتين حينما قال: «إن الأوضاع المحيطة بالبلدين إقليمياً ودولياً لا تبشّر بالخير»، وربطها بتوتر العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر ومالي وبوركينا فاسو والنيجر. ان التوترات المتزايدة التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا والساحل حملت مبعوث الرئيس الجزائري على تركيز، خلال زيارته إلى تونس، على التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها المنطقة بشكل عام والعلاقات بين تونس والجزائر بشكل خاص.
تركيز عكسه تصريح عطاف بربطه بين تطور «الأوضاع المحيطة بالبلدين إقليمياً ودولياً واعتبر انها لا تبشر بخير، وبحتمية التنسيق بين البلدين، أي تونس والجزائر»، في إشارة صريحة وواضحة الى رغبة الجزائر في تعزيز علاقتها مع تونس ليبلغ تحالفها معها حد التكامل والتماهي، أي أن تتوحد المواقف بين البلدين في علاقة بالقضايا الإقليمية الراهنة.
مسعى برز في كلمات عطاف بشكل كبير خاصة لدى التأكيد على أن الجزائر وتونس «في خندق واحد»، وأن التنسيق بينهما مستمر ولم ينقطع يوماً في مواجهة الأزمات الأمنية في جوارهما الإقليمي. والقصد هنا التطورات الأخيرة التي عاشتها العلاقات الجزائرية مع الثلاثي مالي والنيجر وبوركينا فاسو ووصلت الى حد استدعاء السفراء.
زيارة لا يمكن أن يسقط عنها الربط بين ما شهدته الجزائر من توترات في علاقاتها مع عدد من جيرانها في المنطقة، وخاصة مع مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بعد أشهر من التوتر الذي تفاقم مع إسقاط الجزائر لطائرة مسيّرة مالية في مارس 2025، مما أدى إلى تبادل الاتهامات بين البلدين أدت الى التصعيد الديبلوماسي.
ما حملته التصريحات من عبارات وتنبيه حول الخطر الإقليمي والتوترات التي تعيشها المنطقة والعالم يكشف عن رغبة الجزائر في تعزيز العلاقة الاستراتيجية مع تونس، وأن تدفعها إلى التعاطي مع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية بمقاربة تكون في صالح الجزائر التي باتت تنظر إلى تونس على أنها من ركائز أمنها الداخلي لضمان استقرار مشروعها الإقليمي خاصة وأن حدودها الجنوبية، موطن ثرواتها، باتت محل توترات.
ذلك ما جعل من تونس وفق الرؤية الجزائرية المجال الوحيد الآمن، خاصة وأن ليبيا، الدولة المجاورة للجزائر كذلك، تعيش على وقع صراعات وانقسامات وتأثير قوي إقليمي ودولي، بعضها معاد للجزائر، التي تتحرك اليوم وفق رؤية عبرت عنها قيادتها صراحة، وهي أن الفضاء المحيط بها بات في جزء واسع منه فضاء معاديا ومناهضا لنفوذها الإقليمي.
هذا التصور الجزائري للمنطقة ولمحورية علاقتها اليوم مع تونس التي ترغب في الارتقاء بها إلى التحالف الصلب الذي يخدم الجزائر، ذلك ما يضع تونس أمام فرص وتحديات، أبرزها التحديات التي تسلطها الجزائر، حيث يسجل ميزاننا التجاري معها عجزًا هامًا، خاصة في الطاقة، إضافة إلى تعويل الحكومة على القروض والمنح والدعم الجزائري لتعبئة الموارد المالية.
إن الجزائر في ظل سعيها وحرصها على توحيد المواقف مع تونس قد تستخدم ذلك كأوراق ضغط بهدف تعزيز التنسيق في الملفات الأمنية والديبلوماسية لمواجهة التحولات الجيوسياسية التي تحصل في منطقة الساحل والصحراء، أي في المجال الحدودي البري لدول شمال إفريقيا.
هذه الأوراق لا تعني أن تونس غير قادرة على المناورة والتفاوض لضمان مصالحها. ورغم ما في يد الجزائر من أوراق ضغط ديبلوماسية وسياسية واقتصادية قوية، تظل أمام تونس، في هذا السياق، فرصة لدفع علاقتها لجعلها ترتقي الى تحالف يخدم مصالحها ويرسخ ثوابت العلاقة بينها وبين الجزائر مع الحفاظ على استقلاليتها في اتخاذ قراراتها الإقليمية والدولية بما يخدم مصالحها الكبرى.
هذا ما يعني أن تونس أمام إمكانية أن تكون حليفًا هامًا، لكنها قد تواجه مخاطر الانجرار إلى مرتبة التابع، وهو الرهان الذي نواجهه اليوم في ظل مناخ يعزز الحاجة إلى تحالفات إقليمية قوية ومستقلة، بما يساعد البلاد على الارتقاء بعلاقتها بالجزائر ضمن حدود التعاون الاستراتيجي المتوازن. فمن مصلحة تونس التقارب والتعاون مع دول الجوار، خاصة الجزائر وليبيا.
تحقيق هذه المصالح سيكون المحدد لسياستنا وقراءتنا للتطورات الإقليمية والدولية من منظور يحمي مصالحنا الوطنية، من منطلق أن تطورات منطقة الساحل والصحراء تسلط ضغوطًا إضافية على الجميع. لتخفيف حدتها وتداعياتها يجب على دول الجوار تعزيز علاقاتها من مقاربة النفع المشترك لكل الأطراف، لا من منطلق الهيمنة وتعزيز النفوذ.
الجزائر، التي تسعى الى ترسيخ دورها كقوة إقليمية، لازالت تضع تونس في مكانة استراتيجية ضمن تحالفاتها في المنطقة. مع ذلك، يجب أن تظل تونس حريصة على الحفاظ على استقلالها السياسي والدبلوماسي، بما يجعلها شريكًا قويًا للجزائر في مواجهة التحديات الأمنية، دون أن تتحول إلى طرف تابع لها في سياساتها الإقليمية والدولية. هذا التنسيق الثنائي يجب أن يُبنى على أسس من الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية لكل طرف وتجنُّب الانزلاق نحو تبعية قد تؤثر على مصير تونس السياسي والاقتصادي على المدى الطويل.
ما كشفته زيارة أحمد عطاف، أن تونس أمام خيار استراتيجي معقد، اذ عليها أن توازن بين تعزيز تحالفاتها مع الجزائر وبين الحفاظ على استقلالها في اتخاذ القرارات الإقليمية والدولية.
إن التنسيق بين البلدين يمثل فرصة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.