Print this page

تزييف الوعي

كثيرا ما تسمع فئات من الناس يبررون التجاوزات التي يقومون بها بأنها أفعال متساوقة مع السياق الثوري وعندما تثبت لهم أن سلوكهم يتعارض مع المنشود وينسف قيم التحضر وأسس العيش معا يسارعون بالرد :«فلماذا إذن قمنا بالثورة؟»
الثورة في نظر شرائح واسعة

من التونسيين صارت تعني :الخرق والتجاوز والهدم والقطع مع الضوابط والقيود والإطاحة بالحدود والمعايير والقيم والتحرر من كل ما يمثل السلط سواء كانت سلطة الأعراف والتقاليد والقيم الدينية والأخلاقية أو سلطة القانون أو الشخصيات الممثلة للسلطة (كالأب، المعلم، الأستاذ، الأمني...) الثورة صارت معول هدم للمؤسسات فباسم الثورة يجوز المرء لنفسه قطع الطريق وتعطيل المصالح والإضرار بالمصانع والمعامل...وباسم الثورية يهين الباعة الخارجين عن سلطة القانون «والية أريانة» في زيارتها الميدانية للسوق ،وباسم الثورة يعبث رئيس المؤسسة بمصالح الدولة ويتجاوز الموظفون حدودهم، وباسم الثورة يتجرأ بعض الإعلاميين على هتك الأعراض وتشويه الآخر ونصب محاكم التفتيش في السرائر، وباسم الثورة يتغاضى المعلم والأستاذ والجامعي والعميد عن القوانين وباسم الثورة يستأسد بعض النقابيين ... والجميع يبرر هذا الانتهاك والاعتداء والتدمير بأنه فعل شائع لا ينسب إليه هو فقط ف «البلاد تسير إلى الهاوية والجميع منفلتون» و«ما دام الفساد يستشري والجميع «يهبر» و«يستكرش» و«يتغول»... فإننا مدعوون إلى الدفاع عن امتيازاتنا «وهذا الرد يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا إزاء سوء فهم فئات هامة من التونسيين لعدة مصطلحات ومفاهيم (الحرية، الكرامة، المواطنة، القانون...)، تتداول في الخطاب اليومي ويوظفونها في جدلهم مع الآخر دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن دلالاتها . ولا يتوقف الأمر عند سوء الفهم فحسب بل ثمة سوء تصور وسوء تقدير لعدة مسائل وتمثّل غريب للظواهر وللقيم والمعايير التي تنظم العلاقات الإجتماعية والإنسانية .

ولعل الأسئلة المطروحة في هذا الشأن : هل أنّ وعي الجماعة بالثورة مزيف؟ من يتحمّل مسؤولية تزييف الوعي؟ هل أنّ هشاشة الدولة هي القادح؟هل أنّ ارتهان الفرد للرادع (الممثل في السلطة القهرية)ورفضه التعويل على الوازع الذاتي العقلي هو الذي أدّى إلى انتشار هذه الأنماط السلوكية والممارسات العدوانية التدميرية ؟ هل هو غياب الوازع الديني على حد عبارة ابن خلدون؟ هل هي العدوى التي سرت في المجتمع فباتت منذرة بأكل الأخضر واليابس؟ هل هو الفهم السطحي لمسار التحول والعمل على تحويل وجهته ممّن لهم مصلحة في ذلك؟ وما طبيعة وعينا بمتطلبات المسار الثوري : وعي جزئي، وعي آني، وعي نصي، وعي تأويلي، وعي تاريخي؟لم باتت بعض المؤسسات تهيمن على الوعي الفردي والاجتماعي وتسلب المواطنين وعيهم بما يدور من حولهم وتقف حائلا بينهم وبين الإدراك العميق لكنه الأشياء؟ لم يتم تشكيل وعي الجموع ضمن أجندات معينة يسعى أصحابها....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال