Print this page

ماذا بعد الإعلان عن «الاتجاهات الأولية» للاستشارة الالكترونية ؟

الاستشارة الالكترونية التي أعلن عن تنظيمها رئيس الدولة في 13 ديسمبر الماضي والتي دخلت في مرحلتها الفعلية يوم 15 جانفي بعد تأخير بأسبوعين

والتي يحرص قيس سعيد على تسميتها بـ«الاستفتاء الالكتروني» باحت يوم أول أمس بكل «أسرارها» وبكل غاياتها أيضا عندما أعلن رئيس الدولة خلال اجتماع مجلس الوزراء عن نتائجها الأولية وهذه أهمها :
82 % مع النظام الرئاسي
89 % مع الاقتراع على الأفراد
92 % مع سحب الثقة من النواب
89 % لا يثقون في القضاء
هذا بالإضافة إلى الموافقة على تغيير القوانين المنظمة للانتخابات وللأحزاب وللجمعيات وللقضاء وستتولى لجنة يعينها رئيس الدولة صياغة هذه التوجهات في نصوص قانونية تعرض على الاستفتاء يوم 25 جويلية القادم مبدئيا ..
لِمَ أعلن الرئيس عن هذه التوجهات العامة ولم يمّر بعد أسبوعان عن الانطلاقة الفعلية لهذه الاستشارة والتي من المفترض لها أن تتواصل إلى حدود 20 مارس القادم ؟
الدافع الأساسي لهذه العجلة غير المفهومة (لأنها تفرغ بقية المشوار من كل جدوى) استباق فشل الإقبال الشعبي على هذه الاستشارة ..
في الأيام العشرة الأولى تم تسجيل حوالي مائة ألف مشارك أي بمعدل (10.000 يوميا،أما في الأيام الثلاثة التي تلتها (من منتصف نهار يوم 25 جويلية إلى منتصف نهار يوم 18 جانفي) بلغ عدد المشاركين حوالي 8.300 أي بمعدل يومي دون 2.800 مشارك(ة) وهذا ما يجعلنا بعيدين للغاية عن الهدف المرسوم وهو مشاركة ربع المالكين لبطاقات تعريف وطنية أي ما لا يقل عن مليوني ومائة ألف شخص بما يفترض معدلا يوميا للمشاركة في حدود ثلاثين ألف على الأقل ..
الإعلان الفجئي عن هذه الاتجاهات يحول الأنظار إذن من جدية المشاركة في الاستشارة والاعتماد عليها لتغيير جذري لقواعد اللعبة أي لممارسة الحكم إلى اتجاهات «نوعية» ولو عبّر عنها بالكاد %1.5 فقط من جملة الناخبين !!
إضافة إلى ما سبق يبدو أن صاحب قرطاج يعتقد أن هذا «الاستفتاء الالكتروني»، والذي لا يملك من خصائص الاستفتاء شيئا،قد حقق أغراضه وأهمها التمهيد لإرساء حكم رئاسوي قوي مع برلمان ضعيف ومع نظام اقتراع يعسّر كثيرا على الأحزاب ولوج المنافسة الانتخابية خاصة إذا ما كان في اصغر الدوائر (العمادات) مع اشتراط حدّ أدنى من التزكيات الشعبية هذا إذا ما لم يمنع القانون الانتخابي الجديد الأحزاب من المشاركة بيافطاتها في الاستحقاق التشريعي بذريعة تساوي الفرص بين كل المترشحين .
كما يمكن أن تكون لهذه العجلة أسباب أخرى لعل أهمها استشعار تأزم الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية ومراوحة إصلاحات الرئيس في مكانها بما يستدعي استحثاث النسق قي المسار التأسيسي الجديد حتى يتم قطع الطريق أمام خيبات الأمل القادمة خاصة في صفوف أنصار 25 جويلية وعدم ترك الفرصة أمام كل المعارضات السياسية أو المجتمعية لتنظيم صفوفها وتكثيف ضغوطاتها على السلطة الجديدة ..
مشروع النظام القاعدي بصدد التركيز تدريجيا في الأذهان أولا وقبل العيان في انتظار أن تتأسس تونس كلها على منواله دستوريا وسياسيا واقتصاديا (الصلح الجزائي) واجتماعيا (الشركات الأهلية).. في انتظار كل ذلك تتأزم أوضاع البلاد يوما بعد آخر في غياب أدنى برنامج واضح اقتصاديا واجتماعيا لقيادة البلاد والسعي إلى إخراجها من أزماتها ..
هل مازال من الإمكان عودة الوعي والرشاد ؟
لا شيء ينبئ اليوم بذلك .

المشاركة في هذا المقال