Print this page

سعيد في اجتماعه أمس مع المشيشي والعريض والشاهد والفخفاخ: «لندخل في حوار جدي يمهد إلى حوار آخر حول نظام سياسي وقانون انتخابي جديدين وإلى دستور حقيقي»

• «ذهبوا إلى الخارج سرّا لإزاحتي ولو بالاغتيال ولا مجال لترك الدولة في مهب الصفقات»
يبدو أن رئيس الجمهورية قيس سعيد بات يدرك جيدا أن البحث عن حلول للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية

التي تعيش على وقعها البلاد منذ فترة لا يجب أن يتأخر أكثر، ذلك أن وضع البلاد -خاصة- في الأيام الأخيرة لم يعد يحتمل مزيد الانتظار و يجب أن يحصل الإنقاذ اليوم قبل الغد من أجل تفادي الانهيار والانفجار الاجتماعي، وبعد لقائه في الأسبوع الفارط الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في علاقة بمبادرة الحوار الوطني، انطلق رئيس الدولة في التحرك على كل الواجهات، ويندرج اللقاء الخماسي الذي عقد في قصر قرطاج في هذا الإطار، لقاء ضمّ إلى جانب قيس سعيد ورئيس الحكومة الحالي هشام المشيشي 3 رؤساء حكومة سابقين وهم علي العريّض ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ.
وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية، تخلّف عن هذا الاجتماع كلّ من حمادي الجبالي ومهدي جمعة لوجودهما خارج أرض الوطن، ولم يتسنّ للحبيب الصيد الحضور بسبب وضعه الصحّي. هذا، ولم يتم توجيه الدعوة بناء على الانتماء الحزبي بل باعتبار التجربة التي مرّ بها المسؤولون المذكورون. وتناول اللقاء كيفية الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس، ولم يتم التعرّض إلى تشخيص الأوضاع التي يتفق حولها الجميع ولكن تمت مناقشة الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع وإلى سبل تجاوزه.
الاجتماع مجدّدا في أقرب الآجال
جدّد رئيس الجمهورية في اللقاء الخماسي موقفه الرافض للحوار على شكل ما حصل في السابق، وركّز على ضرورة إدخال إصلاحات سياسية بعد أن أثبتت التجربة أن التنظيم السياسي الحالي وطريقة الاقتراع المعتمدة أدّت إلى الانقسام وتعطّل السير العادي لدواليب الدولة. وتعرّض رئيس الجمهورية، أيضا، لعدد من الاخلالات والتجاوزات القانونية والأخلاقية، وركّز في هذا الخصوص على أن الحصانة لا يمكن أن تكون أداة لتجاوز القانون بل هي أداة لضمان استقلالية من يتمتع بها. وتم الاتفاق على أن الوضع في تونس لا يمكن معالجته بالطرق التقليدية بل يجب بلورة تصوّر جديد يقوم على إدخال إصلاحات سياسية جوهرية ومن بينها القانون الانتخابي إلى جانب بعض الأحكام الواردة في نصّ الدستور. كما تم الاتفاق على الاجتماع مجدّدا في أقرب الآجال حتى يقدّم كلّ مشارك تصوّره للحلول، إلى جانب إمكانية تشريك أطراف أخرى شرط أن يكون العمل نابعا من تصوّرات وطنية لا من اعتبارات ظرفية أو حسابات سياسية ضيّقة، وفق بلاغ الرئاسة.
«طال الانتظار وبلغ السيل الزبى..»
أكد سعيد في فيديو نشرته رئاسة الجمهورية أن حضور رؤساء الحكومات السابقين دليل على أن هناك مؤسسات للدولة تعمل حتى وإن كان عملها متعثرا وصعبا وغير يسير، مشيرا إلى أن الدعوة إلى الحضور لم تكن كما يمكن أن يتمنى البعض للتراشق بالتهم أو تحميل المسؤوليات بل لتوجيه رسالة إلى الجميع مفادها أن المسؤولية تقتضي من كل طرف أن يتحملها أو على الأقل يساهم في تحملها بما يمكن أن يقدمه من قراءات واقتراحات وتصورات، قائلا «لقد عيل الصبر وطال الانتظار وبلغ السيل الزبى ويمر الشهر تلو الشهر والعام اثر العام والناس تسام سوء العذاب، فإلى متى وإلى أين؟ هذا السؤال يطرحه تقريبا كل التونسيين، فإلى متى والوضع يزداد تفاقما وتعقيدا والى أين ومؤسسات الدولة تترنح ويوشك بعضها على السقوط والتهاوي.. لقد خيل للبعض أن رئاسة الدولة يمكن أن تكون حليفا لهذا أو ذاك أو يمكن أن تكون شاهد زور أو طرفا في بتة سياسية أو عنصر من عناصر مناورة أو مزايدات..إن رئيس الدولة لمن نسي هذا..منتخب من قبل الشعب وعمقه الشعبي معروف لدى الجميع ولا ينتمي إلى أي حزب أو حلف أو ائتلاف...لقد كان الهدف عند تقديم الترشح هو استكمال الانفجار الثوري في احترام كامل للمؤسسات ولقد تم احترامها ولكن لم يقابل هذا الاحترام إلا بالمراوغات والمغالطات».
النيابة العمومية لم تتحرك
وتابع قوله «لقد بلغ السيل الزبى بالنسبة إلى الفقراء والمعدمين في حين أن آلاف الدينارات أو غيرها من العملات الأجنبية معروف أصحابها ومعلومة مصادرها..لقد صار العديدون لا يلتقون في تونس نتيجة البؤس والفقر والحرمان إلا حول حاويات الفضلات.. والآخرون يتقلبون وينقلبون حيث ما كانت الأموال ولا يخجلون من رفع راية الوطن والدفاع عنه..لم يفعلوا شيئا منذ سنة 2015 لاسترجاع الأموال المنهوبة وستأتي اللحظة التي سيتحمل فيها كل واحد مسؤوليته ولن ينفع يومئذ لا مال ولا مصاهرة.. وللأسف لم تتحرك النيابة العمومية وحتى وإن تحركت يُعطى للقضية عدد وتبقى دون بت أو قضاء وما لم يتعاف القضاء لن تتعافى أبدا البلاد في كافة المستويات».
التاريخ لن يعود إلى الوراء
وأوضح «قد يتساءل البعض ومن حقه أن يتساءل ما العمل ومتى التعافي ولهذا اجتمعت بكم أو على الأقل ماهي بوادر الأمل وليتأكد الجميع أننا سنواصل على نفس النهج حتى وإن كان العقبات كثيرة ومعقدة لكن النجاح الذي ننشده لم يتحقق إلا إذا اجتمعنا على كلمة سوى وعلى كلمة الحق وعلى الحرية وعلى الشغل والكرامة الوطنية..أتوجه إلى الشعب وخاصة الشباب إلى الانتباه من المندسين والخونة والعملاء الذين لن يرضوا إلا بإسقاط الدولة ومزيد التنكيل بهم.. إن التاريخ لن يعود إلى الوراء رغم محاولات الإيهام بأن ما سبق خير ورخاء.. دائما يعودون إلى 2010 ونسبة النمو 5 %، لو كانت الأمور طيبة لماذا هذا الخراب في كل مكان.. يؤرخون ويعودون إلى الأرقام الكاذبة الواهية التي لا تستقيم بأي مقياس من المقاييس وستأتي اللحظة التي سيعلم فيها الجميع بما يجري وما جرى ولن يفلت من العقاب في إطار القانون ..»
حوار لن يكون كسابقيه
وأضاف سعيد أنه «للأسف تونس تعيش في ظلّ نظامين اثنين أحدهما ظاهر، ظاهره قوانين ومؤسسات وباطنه خفي لا يعمل إلا تحت جنح الظلام هو الذي يحرك هذه المؤسسات أو ما تبقى منها وتضفي على هذه الخطط مشروعية كاذبة عن طريق الأبواق المسعورة المأجورة..أقول للشعب من هذا المكان إنني كنت في صفكم وسأبقى في صفكم وسأموت في صفكم، سينعق الناعقون المأجورون على عادتهم في النهيق والشهيق .. لا يعيشون إلا بأموال الخيانة وبمقابل الأكاذيب هؤلاء يصح عليهم بيت المتنبي «لا يقبض الموت نفساً من نفوسهم... إلا وفي يده من نتنها عود..إننا مستعدون للحوار ولكن لن يكون هذا الحوار محاولة يائسة بائسة لإضفاء مشروعية كاذبة على الخونة وعلى اللصوص ولن يتم الحوار إلا لحلّ مشاكل التونسيين والتونسيات ولن يكون أبدا كسابقيه، وأهم محاور هذا الحوار هو التفكير في نظام سياسي جديد وفي نظام انتخابي جديد حتى يكون كل من تم انتخابه مسؤولا أمام ناخبيه وليس هذا بالبدعة».
الدستور قام على وضع الأقفال في كل مكان
وتابع الرئيس قوله «قد يكون الحوار حول مرحلة انتقال من هذه الحال إلى حال جديد بعيدا عن أي صفقات لا في الداخل ولا مع الخارج في انتظار نظام سياسي...أما الحوار الذي يوصف بأنه وطني كما كان الشأن في السابق فلا هو بالحوار ولم يكن وطنيا على الإطلاق.. ومن كان وطنيا مؤمنا بإرادة شعبه لا يذهب إلى الخارج سرا بحثا عن طريقة لإزاحة رئيس الجمهورية وأعي جيدا ماذا أقول بأي شكل من الأشكال حتى بالاغتيال فبئس ما خططوا وبئس ما فعلوا وسيعلم الذين ظلموا والذين كانوا جلاويس مخبرين أي منقلب ينقلبون..إنني أدعوكم إلى نقاش متسق مع مسار التاريخ ومتناغم مع مطالب الشعب وأؤكد مرة أخرى أنه لا مجال لترك الدولة في مهب الصفقات كما لا مجال لترك شعبنا جائعا يقتات من فضلات القمامة..يعمل البعض هذه الأيام الأخيرة على مزيد التجويع والخراب ولكن المتاجرة بفقر الفقراء وبؤس البؤساء لن تؤدي بهم إلى أي شيء بل إلى مزيد فضحهم..لندخل في حوار جدي يكون مرحلة انتقالية لحوار يمهد لحوار آخر يتعلق بنظام سياسي جديد وبدستور حقيقي لأن هذا الدستور قام على وضع الأقفال في كل مكان ولا يمكن أن تسير المؤسسات بالأقفال والصفقات».
طريق الحوار واضحة
وفق سعيد فإن طريق الحوار واضحة، وشدد على» أن من شاء أن يسكلها ومن أصر على أن يتابع في هذا النهج المغلوط فليتحمل مسؤوليته وليتأكد أن مآله ليس حاويات القمامة التي يقتات منها الفقراء والمعدمون بل قمامة التاريخ.. نحن مع الحوار وسنعمل على الإبقاء على مؤسسات الدولة مهما كانت الترتيبات ومهما كانت الصفاقات والمؤامرات..أرجو أن نكون جميعا في مستوى هذه اللحظة التاريخية أن تونس والشعب التونسي لديه من الإمكانيات الكثير ولديه من الإرادة الصلبة التي تجعله يواجه كل العقبات..لدينا أوال كثيرة في الخارج وفي الداخل ولكن للأسف هذه الأموال والإمكانيات إما تم السطو عليها وإما تم دفعها لمن يريد أن يبيع هذا الوطن وتونس لن تكون أبدا بضاعة ولا موضوع صفقة ..».

المشاركة في هذا المقال