Print this page

في التقرير السنوي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لسنة 2018: فساد مالي وإداري يطال كل القطاعات العمومية.. ووزارات الداخلية والفلاحة وأملاك الدولة في الصدارة

قدمت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أمس خلال ندوة صحفية تقريرها السنوي لسنة 2018 بعد أن سلمته للرئاسات الثلاث مثلما يقتضيه القانون،

تقرير الهيئة الذي جاء في 10 أبواب كشف عن عدة ملفات فساد مالي وإداري في القطاع العام تمت إحالتها على أنظار القضاء لتحتل وزارة الداخلية المرتبة الأولى تليها وزارة الفلاحة، وكذلك في قطاع النقل تخص الخطوط التونسية والشركة التونسية للملاحة والشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية، شبهات فساد إداري ومالي تتوزع بين التلاعب في الصفقات العمومية والابتزاز وتقبل رشاوي وتدليس شهائد علمية مدلسة وانتدابات غير قانونية والاستفادة من امتيازات مهنية ومالية وترقيات دون وجه حق وبرمجة رحلة على متن طائرة منتهية صلوحية الملاحة وشبهات «الاستيلاء» على حواسيب ومواد غذائية وحرمان التلاميذ من حصتهم في الحليب..

تلقّت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وفق ما أكده رئيسها 8150 عريضة سنة 2018 منها 32.9 % من الملفات تهم الوزارات ومازالت وزارة الداخلية تحتل المرتبة الأولى في عدد الملفات الواردة على الهيئة بـ 516 ملفا أي بنسبة 6.33 % والمعطى الجديد في هذا التقرير احتلال وزارة الفلاحة المرتبة الثانية وتكاد تقترب من وزارة الداخلية بـ 509 ملفات أي بنسبة 6.25 % وهو ما يؤشر على أن هذا القطاع يعاني من عدة إشكاليات خلال سنة 2018 أضف إلى ذلك الإشكاليات التي عرفها السنة الجارية وبالتالي لا بدّ من إعطاء أهمية استباقية لتقارير الهيئة، ثم ترد وزارة أملاك الدولة بـ 488 ملفا أي بنسبة 5.99 % فوزارة المالية بـ 452 ملفا أي بنسة 5.55 % ثم وزارة العدل التي أصبحت تحتل المرتبة الخامسة بـ 369 ملفا أي بنسبة 4.53 % فوزارة التربية بـ 354 ملفا أي نسبة 4.34 % .

ولاية تونس الكبرى في الصدارة
الملفات الواردة على هيئة مكافحة الفساد تحتل فيها ولاية تونس الكبرى المرتبة الأولى للسنة الثانية على التوالي قائمة المبلغين عن الفساد بـ 1843 ملفا أي ما يمثل 22.6 % وصفاقس بـ 553 ملفا أي 6.8 % ثم نابل وسوسة والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان بـ317 ملفا أي 3.9 % .وتقريبا هذا السداسي موجود في كافة تقارير الهيئة حسب تعبير شوقي الطبيب، مشيرا إلى أن أغلب المبلغين عن الفساد من فئة الذكور بنسبة 55 % مقابل 60 % سنة 2017 ومازال عدد المبلغين من الإناث قليل جدا بنسبة 11 %. وفي ما يتعلق بطلبات الحماية فقد ورد على الهيئة 167 مطلب حماية صدر في شأنهم 67 قرارا بإسناد 36 قرار حماية و16 قرارا بالإحالة على القضاء على معنى الفصل 35 من القانون المتعلق بالتبليغ وحماية والمبلّغين، بجريمة التنكيل بمبلّغين. هذا وبلغ عدد المصرّحين بمكاسبهم 106930 شخص وهو عدد مهم جدا وهذا العدد ارتفع سنة 2019 وتجاوز 140 ألف مصرح.

5789 ملف فساد في القطاع العام
وأشار رئيس الهيئة إلى أن القطاع العام يتصدر قائمة الملفات الواردة على الهيئة بـ 5789 ملفا أي بنسبة 71.03 %، ثم القطاع الخاص بـ 698 ملفا فقط أي بنسبة 8.56 % وهو ما يبرز تفشي ظاهرة الفساد في القطاع العام، وقد أحالت الهيئة أكثر من 205 ملفات منها 85 إحالة من الوزارات بعدما كان العدد في حدود 368 سنة 2017. من بين الملفات تلك التي تخص مسؤولين نقابيين بواحدة من الغرف النقابية للتاكسي الفردي مع أحد الموردين ويهم تقريبا 1700 تاكسي فردي، أيضا ملف فساد يخص الخطوط التونسية من خلال اقتناء معدات وتجهيزات خاصة بشحن البضائع ونقلها وتنظيف الطائرات تبين في ما بعد أنها مستعملة وتشوبها العديد من العيوب وهو ما كبد خسائر كبيرة للناقلة الوطنية، أيضا ملفات فساد تخص الديوانة والطيران المدني من خلال تدليس شهائد علمية وهناك شركة مازالت تحت التثبت والتحري حول وجود 200 شهادة مدلسة، مشددا على أن هذه الظاهرة موجودة خاصة في قطاع النقل وهي ظاهرة خطيرة وخطيرة جدا وتستدعي وقفة حازمة من السلطات والقضاء وقطاع النقل. كما أقدمت الإدارة العامة للخطوط التونسية ، على تسوية وضعية أكثر من 500 عون تبين لاحقا ان 121 منهم تمت تسوية وضعياتهم على أساس شهائد علمية مدلسة وفق الهيئة التي راسلت سلطة الإشراف حول الملفات لكنها لم تتلق ردا فقامت بإحالة الملف على أنظار المحكمة الابتدائية باريانة.

تلاعب ورشاوي
في قطاع الفلاحة هناك تلاعب بمنحة تجفيف الحليب وأيضا بالدعم في مادة السداري وموجودة خاصة في ولاية سيدي بوزيد وتورط فيها أحد الولاة وتمت إحالة ملفه على القضاء، كما تضمن التقرير شبهات الفساد الإداري والمالي في قطاعات أخرى، على غرار الصحة والتعليم والبيئة والفلاحة (قبول وتخزين حبوب تحتوي على حشرة السوس)، وكذلك القطاع الأمني من خلال تورط مدير إقليم في الحرس الوطني في أعمال تهريب وتلقي رشاوي وتم إيقافه، إضافة إلى إحالة ملف يتعلق بشبهة تعمّد توزيع حليب منتهي الصلوحية على المرضى بمستشفي القيروان على أنظار النيابة العمومية وذلك بالتواطؤ مع المزودين وقد تولت الهيئة مراسلة وزير الصحة لاتخاذ الإجراءات اللازمة في خصوص ما ورد بالعريضة ومد هيئة مكافحة الفساد بالنتيجة ،و لكنها لم تتلق أي رد على مراسلتها رغم توجيه تذكير للوزارة المعنية، وأمام عدم الاستجابة وخطورة الأفعال المنسوبة للمظنون فيهم وفق ما ورد في التقرير فقد تمت إحالة الملف على القضاء، إضافة إلى المجال البلدي عبر الاستيلاء على الملك العمومي وتغيير صبغته ورخص توزيع الأكشاك.

استغلال نفوذ
نعيمة بوليلة المكلّفة بوحدة التقصي صلب الهيئة تحدثت أيضا عن ملفات الفساد على غرار ملف العميد الذي استغل نفوذه لتسوية وضعيات سيارات على غير الصيغ القانونية مقابل تلقيه رشاوي إضافة إلى ملف يتعلّق بالتحيّل على شركة إيطالية والاستيلاء على بضاعتها، قطاع آخر يشوبه الفساد وهو قطاع الرياضة على غرار صفقات تعشيب الملاعب وأخرى تتعلق بتهيئة الملعب البلدي بتالة الذي ورغم إحالة الملف على القضاء ومراسلة الهياكل المعنية لم تتمّ استكمال الأشغال إلى اليوم. أيضا شبهات فساد في قطاع الاتصالات وقد ارتكب الرئيس المدير العام لاتصالات تونس تجاوزات كبيرة وصلت إلى حد تغيير المواصفات الفنية المطلوبة للحصول على الصفقات مع التمييز والتفاضل للأجانب وليس للمحليين. إضافة إلى شبهات في أشغال السجن المدني بالمنستير.

إقلاع طائرة منتهية الصلاحية
التقرير كشف عن ملف فساد يتمثل في التبليغ عن إقلاع طائرة منتهية الصلاحية في رحلة على متنها 43 مسافرا من مطار تونس قرطاج دولي إلى مطار جربة جرجيس الدولي يوم 12 سبتمبر 2017 وتفطن قائد الطائرة إلى خلل اضطره إلى الهبوط بمطار نفطة الدولي وإلغاء الرحلة». وقد تلاعب مسؤولون بالشركة بالملف، رغم علمهم بعدم صلاحية الطائرة ، وأحالوا قائد الطائرة ومساعده على مجلس التأديب وقد أفضت عمليات التقصي، من قبل الهيئة ، إلى الوقوف على خطورة الملف لمساسة بسلامة المسافرين. كما أحالت الهيئة ، إلى القطب القضائي الاقتصادي والمالي، ملف شبهة فساد يتعلق بتدليس شهائد علمية من قبل بعض الأعوان بديوان الطيران المدني والمطارات للاستفادة من امتيازات مهنية ومالية وترقيات دون وجه حق تلقته عبر عريضة مجهولة المصدر .

تلاعب في قطعة أرض
شبهات أخرى، كشفتها نعيمة بوليلة تتمثل في التلاعب بقطعة أرض بالشرقية بتونس بالعاصمة، التي تمت مصادرتها بعد سقوط نظام بن علي تمّ التلاعب بها وغموض شاب ملف مصادرتها على الرغم من وجود قرابة الصداقة بين المالك والرئيس الأسبق بن علي والذي فوّت له الأرض التي تمسح 22 ألف متر مربّع بواحد مليون دينار فقط فيما قام المالك بيع 400 متر مربع بأربع مليون دينار بعد الثورة، معتمدا في ذلك على الغطاء السياسي الذي كوّنه لنفسه بعد انضوائه تحت هيكل حزبي وسياسي. فساد أخر في خوصصة الملفات العمومية وشبهات الحصول على التراخيص وشبهات في المجمع الكيميائي التونسي.

الوزارات تحيل 85 ملف فساد فقط
وبخصوص الوزارات التي قامت بإحالة ملفات فساد على القضاء سنة 2018، انتقد شوقي الطبيب التقلص الصاروخي في عدد الملفات المحالة من طرف الوزارات من 368 ملفا سنة 2017 إلى 85 ملفا سنة 2018، وهذا لا يفسر بانخفاض درجة الفساد بل إلى الاعتبارات الحزبية والسياسية واللوبية وغير ذلك، وقد احتلت وزارة الدفاع المرتبة الأولى بإحالتها 18 ملفا على القضاء، تلتها وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بـ 14 ملفا، ثم وزارة الشؤون الاجتماعية بـ 7 ملفات، وزارة التجارة بـ 6 ملفات، وزارة التجهيز والإسكان 6 ملفات بالرغم من الإشكاليات الموجودة فيها وأيضا وزارة الصحة بـ 6 ملفات، ووزارة النقل 5 ملفات ووزارة الفلاحة بـ 4 ملفات والحال أن هذه الوزارة تحتل المرتبة الثانية في نسبة التبليغ ووزارة التعليم العالي 4 ملفات فقط ووزارة التكوين المهني 3 ملفات ووزارة تكنولوجيا الاتصال ملفين اثنين، وإحالة ملف وحيد لكل من وزارة التربية والسياحة والشؤون الدينية فيما لم تحل وزارة التنمية أي ملف نفس الشيء إلى وزارة الشباب والرياضة ووزارة الخارجية ووزارة الشؤون الثقافية.

400 مليون دينار يحرم منها صندوق التقاعد
التقرير كشف أن نقائص على مستوى التصرف والمراقبة قد حرمت الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية من تعبئة موارد مالية قيمتها أكثر من 400 مليون دينار. هذا وكشف التقرير أنّ الإرادة السياسية ورغم حلحلتها في ما يهم الجانب التشريعي والقوانين الجديدة المصادق عليها تبقى منقوصة على أرض الواقع في تفعيل الإجراءات وخاصة في جانب تفعيل المساءلة الإدارية والقضائية، لتشدد على ضرورة تحديد السياسة الجزائية للدولة بشكل يعطي الأولوية لملفات الفساد وسرعة الفصل فيها، للانتهاء مع ثقافة الإفلات من العقاب.

المشاركة في هذا المقال