Print this page

بعد انتخاب قيس سعيد رئيسا للجمهورية : أي تأثير له على إعادة تشكل المشهد السياسي التونسي؟

يبدو أن تاريخ تونس كتب عليه أن يرتبط بأسماء شخصيات مرت علي مقاليد حكمها، أصابوا أم أخطؤوا فقد ارتبط المشهد بهم وباتوا محوره، والأمر

قد لا يختلف هذه المرة مع بلوغ قيس سعيد سدة رئاسة الجمهورية، فالرجل أصاب ام اخطأ سيكون له «دور» هو الذي سيحدّد أهميته في المشهد السياسي التونسي الذي يعيش على وقع إعادة تشكل.

قبل مرور ساعات عن إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية للدور الثاني من الرئاسية وإقرار فوز قيس سعيد بمنصب رئيس الجمهورية بعد حصوله على 72.71 % من الاصوات، وهو ما يعادل 2.777 مليون صوت، بات الرجل محور المشهد السياسي الراهن، يدور الجميع في فلكه.

تمركز على هامش سعيد وحوله هو ما تميزت به الحياة السياسية التونسية منذ يوم الأحد الفارط والى غاية أمس، في ظل انتشاء بالنتيجة ونسب المشاركة وغيرها من النقاط، وهذا أمر طبيعي خاصة في ظل السطوة الرمزية لمنصب الرئيس على الوجدان الجمعي للتونسيين إضافة إلى النتيجة التي حققها الرجل وهي سابقة في التاريخ المعاصر للتونسيين.

مرشح مستقل يفوز برئاسة الجمهورية بنسبة هامة لكن الأهم منها عدد ناخبيه الذين تجاوز عددهم عدد من شاركوا في الانتخابات التشريعية وأفرزت أصواتهم صعود 217 نائبا في المجلس القادم، اي ان الوزن الانتخابي لرئيس الجمهورية يتجاوز حجم المجلس وأحزابه وجبهاته.

وزن جعل من الرجل محور الحياة السياسية التونسية التي تقف على مشارف إعادة تشكيل لمكوناتها وخصائصها بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية وما تضمنته من مؤشرات ودلائل مركزية في إعادة التشكل الراهنة. وهو ما اثبتته الاحزاب السياسية التي اختارات ان تسارع بتهنئته واعلان نيتها دعمه لما فيه خير البلاد وصالحها.

هذا الخطاب الحزبي لم يصدر فقط عن الاحزاب التي ناصرت سعيد منذ الاعلان عن نتائج الدور الاول للانتخابات الرئاسية وانما شمل جل الاحزاب البرلمانية اليوم، بما فيها حزبا قلب تونس وتحيا تونس، اللذين اصدرت قياداتهما بيانات وتصريحات صحفية كشفت عن موقفيهما من سعيد ومدى استعدادهما الظاهر للتعاون معه.

تعاون حرصت النهضة بدورها وهي من الاحزاب التي دعمته منذ نتائج الدور الاول للرئاسية، ان تفوز به أو بالاصح ان تحتكره، وهذا ما كشفه اعلان الحركة ان رئيسها هاتف سعيد وهنأه بالفوز وان الأخير أعلن انه سيتعاون مع الحركة.

اعلان مجتزىء يكشف ان النهضة تريد ان تكون التعبيرة الحزبية والبرلمانية عما يمثله سعيد وهي تريد ان تسابق «اخوتها» في تمثيله كي تمنعهم من ذالك، لكن خروج الفريق الانتخابي لقيس سعيد واعلانه ان ما لم تعلنه النهضة بشكل صريح هو ان «قيس سعيد اكد لرئيس النهضة راشد الغنوشي انه مستعد للتعاون مع الجميع» وليس مع النهضة فقط.

اي ان الرجل مازال على ذات مقولاته قبل انتخابيه، وهي انه سيكون فوق الأحزاب وليس منها، كما انه سيتعامل معها على نفس المسافة على قاعدة دعم مقترحاته وتصوراته التي يريد منها ان تكون المحدد في العلاقة بينه وبين الأحزاب خاصة البرلمانية، وهذا برز في خطاب اعلان فوزه بالمزج بين تمسكه ببرنامجه وقناعاته وبطمأنته الجميع بأنه سيكون رئيسا جامعا.

أحزاب أو ائتلافات تدرك ان قيس سعيد لديه فرصة موضوعية ليكون محور تشكيل المشهد السياسي، خاصة انه اختار ان يكون رئيسا نشيطا لا يكتفي ببقائه في قصر قرطاج بل يفرض نسق خطواته على المشهد ويجعله يتزامن مع ايقاعه.

هذا الإدراك بان الرجل بات محور الحياة السياسية يتزامن مع وعي بانه معزول عن حزام سياسي صريح يسانده في المجلس لتمرير تصوراته، وهنا يبرز موقف الأحزاب البرلمانية التي تعلن ان علاقتها معه ستكون «الدعم النقدي» اي أنها ستدعمه إذا سمح لها بالتأثير في الخيارات او تعديل بعض بنودها.

فرؤية سعيد ومشروعه السياسي الذي سيكون محور نقاشات الشأن العام بعد تشكيل الحكومة، لا تتقاطع مع تصورات الأحزاب التقليدية وحتي الثورية، لذلك فإنها ستفتح قنوات اتصال مع الرجل قبل ان تصبح مبادرته مشروعا رسميا، ويبدو وفق محيط سعيد ان الرجل لا يعارض مناقشة مشروعه معها. مناقشة لن تكون شبيهة بتلك التي أجراها الرجل وهو مرشح، اليوم هو رئيس وهذا بحد ذاته كاف لإعادة تشكيل النقاشات على قواعد جديدة.

قواعد ستحدد منذ الأيام الأولي لتولي قيس سعيد رسميا مقاليد رئاسة الجمهورية، حيث سيبرز بشكل واضح ماإذا كان الرجل يعتزم وفق خطابه ان يكون رئيسا نشيطا يقود عملية الإصلاح السياسي والاجتماعي في تونس ام انه سيكتفي بدوره الدستوري الذي يمنحه صلاحيات من بينها المبادرة التشريعية.

اختيار اي صفة يحملها، رئيس نشيط او تقليدي، هي التي ستحدد بالأساس محورية قيس سعيد في الشأن السياسي التونسي، فالرجل ايا كان خياره سيحدد كيفية انتهاء إعادة التشكل التي تعيشها الخارطة السياسية، اما ان يكون هو الفاعل الأساسي في المشهد أو أن يكون على الهامش وفي الحالتين سيكون حاضرا.

حضور له أهمية ليس فقط لقيس سعيد بل لمختلف الأحزاب التي تريد ان تجعل من «لطخة» الانتخابات تاريخا جديدا للتأسيس او إعادة التأسيس، وهنا لا يستثنى احد سواء أكان نصيرا لسعيد او خصما له، فالجميع سيستند لما أفضت اليه الانتخابات في إعادة تحديد هويته السياسية والحزبية وتموقعه.

إعادة تحديد قد تكون هي المفتاح الرئيسي لقيس سعيد ليكون اللاعب الأبرز في المشهد، فالرجل إذا قرر الانغماس في المشهد السياسي والتأثير في إعادة تشكله سيجد مقومات تسمح له بان يلعب هذا الدور، أولها النتائج التي حققها، ثانيها الظاهرة التي بات يمثلها وثالثها تشتت المشهد البرلماني والحزبي.

لكن هذه المقومات ليست كافية ليكون الرجل هو المحدد والفاعل الرئيسي في الشأن السياسي التونسي، اذ يجب اولا ان تتوفرلديه إرادة الفعل والاستثمار السياسي لما حققه، وهذا لم يتضح بعد لدى الرجل الذي مازالت صورة الأستاذ طاغية على فعله وتفكيره منه صورة رجل السياسية. ورجل السياسة هنا لا تعني ان يتبنى الرئيس كل ما ذمه في الطبقة السياسية إذا هو قادر على الحفاظ علي مبادئه وقناعته وممارسة السياسية في نبلها.

اليوم وفي المستقبل القريب سيكون قيس سعيد اللاعب الابرز في المشهد ولكن ما سيحدد ان كانت السنوات الخمس القادمة سترتبط به سلبا او إيجابا هي الخيارات والقرارات الأولي التي سيتخذها، والتي ستكون مصيرية لتونس قبل الرجل نفسه.

المشاركة في هذا المقال