Print this page

خاص// نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية جوان 2019 في تحولات وتقاطعات التصويت

•الحزب الذي لن يصوت له التونسيون في التشريعية
•الشخصية التي لن يصوت لها التونسيون في الرئاسية
قراءة وتحليل زياد كريشان


نواصل في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة قراءة وتحليل نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية لشهر جوان 2019 الذي أنجزته مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة «المغرب» لنقف فيه عند تحولات وتطورات نوايا التصويت مقارنة بواقع التصويت في تشريعية ورئاسية 2014 وكذلك بلديات 2018 حتى نرصد عمق التحول في المشهد السياسي وكيف تحول التونسيون في التصويت من حزب إلى آخر . كما سنرى ما هي الأحزاب والشخصيات الأبعد عن قلوب التونسيين والتي لن يصوتوا لها مهما كان العرض السياسي .

قلنا في الحلقتين الفارطتين (الأربعاء 12 جوان والخميس 13 جوان ) أننا اخترنا عينة ضخمة إلى حد ما (ثلاثة أضعاف العينة التقليدية) حتى يكون تحليلنا أدق لجزئيات نوايا التصويت أي حتى نتمكن من تتبع الفوارق والدوافع (الحلقة الثانية ) وكذلك التحول من حزب إلى آخر ومن شخصية إلى أخرى (هذه الحلقة الثالثة ).

من أين جاءت نوايا التصويت لنبيل القروي ولقيس سعيد ؟
يحصل نبيل القروي وقيس سعيد على حوالي نصف نوايا التصويت في الرئاسية (%23.8 للأول و%23.2 للثاني) ولكن من أين جاءت هذه النوايا لهاتين الشخصيتين الجديدتين (وخاصة القروي) على الأفق السياسي للتونسيين ؟ولمن كان يصوت منذ 2014 كل من ينوي التصويت لهما اليوم ؟

-لو عدنا إلى الانتخابات البلدية في ماي 2018 لوجدنا أن هيكلة نوايا التصويت اليوم لنبيل القروي متنوعة بنسبة كبيرة إذ ينوي التصويت له %22.2 ممن صوتوا للنداء و%15 للنهضة و%8.7 للتيار و%11.1 للجبهة و%19 من أحزاب أخرى و%18.4 من القائمات المستقلة وخاصة %28.7 ممن امتنعوا عن التصويت في 2018.
فنحن أمام هيكلة متنوعة للغاية تأخذ من جل الأحزاب وإن كان ذلك بنسب متفاوتة بما يفيد بأن حالة الغضب والتصويت العقابي لا تخص فقط النداء أو النهضة بل تمتد إلى جل المشهد كما أن العازفين عن التصويت يجدون في هذا الصنف من الشخصيات النيو الزبونية (néo-clientéliste) التعبيرة الأمثل عنهم .

ونجد هذا التقسيم حتى عندما نعود إلى تشريعيات 2014 حيث نجد انه من بين الذين صوتوا للنداء حينها يصرح حوالي الربع (%23.6 ) بأنهم ينوون التصويت لنبيل القروي و%22.2 من النهضة و%13.2 من الجبهة الشعبية .

ولو عدنا إلى الدور الثاني للرئاسية في 2014 لوجدنا أن ربع من صوت للباجي القائد السبسي (%25.6 ) ينوون التصويت لنبيل القروي و%14.7 ممن صوتوا للمنصف المرزوقي .

الخلاصة هنا أننا أمام تصويت قد تحول بصفة غير نسقية وقضم من جهات متناقضة لانه ليس تصويتا حزبيا جديدا بل صنفا جديدا من التصويت يخرق خطوط الاستقطاب القديمة ولا يخضع لمنطق التقسيم الإيديولوجي الذي كان يميزها .

-على عكس نبيل القروي نوايا التصويت لقيس سعيد أكثر انسجاما إيديولوجيا وهي تنتمي في عمقها للمنطق الحزبي المؤدلج حتى وإن غيرت من بعض مناطق تماسها ..

لو عدنا إلى الانتخابات البلدية ومقارنتها بنوايا التصويت الحالية لوجدنا أن ثلث من صوت للنهضة (%30) وللتيار الديمقراطي (%34.8) و%16.1 ممن صوتوا للجبهة الشعبية ينوون اليوم التصويت لقيس سعيد وكذلك ربع من امتنع عن التصويت حينها (%25.4) ولكن %10.2 فقط ممن صوتوا للنداء ينوون اليوم التصويت لقيس سعيد.

عندما نعود إلى تشريعيات 2014 نجد أن %27.2 ممن صوتوا للنهضة يعلنون اليوم تصويتهم لقيس سعيد وتنزل هذه النسبة إلى %16.5 عند الندائيين و%13.2 عند الجبهويين وخاصة %28.6 من الذين امتنعوا عن التصويت آنذاك .

أما بالنسبة للدور الثاني من رئاسية 2014 فنجد أن المخزون الانتخابي لقيس سعيد ينحدر بصفة هامة ممن صوتوا للمنصف المرزوقي (%32.2) ولكنه يأخذ كذلك %16.3 من ناخبي الباجي قائد السبسي .

في الخلاصة نوايا التصويت لقيس سعيد سياسية وعقائدية أكثر من تلك التي يتمتع بها نبيل القروي ولكنها رغم ذلك لا تخضع بالكلية للتقسيمات القديمة.

في التحولات النهضوية والندائية
لو عدنا إلى التصويت الندائي والنهضوي كما تجلى في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 سوف نرى كم التحول الذي حصل للقاعدة الانتخابية لهذين الحزبين اللذين كانا يمثلان ثلثي الأصوات حينها.

• النهضة حافظت على نصف قاعدتها الانتخابية إذ كل من صوتوا للنهضة في تشريعية 2014 %51.8 يصرحون اليوم بأنهم مازالوا متشبثين بنفس هذا التصويت ولكن ربع هؤلاء (%25.2) يذهبون اليوم إلى «حزب» نبيل القروي في حين يتوزع الربع الباقي أساسا على تحيا تونس (%5) والتيار الديمقراطي (%3.4 ) وقائمة «عيش تونسي» (%2.4) وحزب «قيس سعيد» (%2.2)

• الوضع مختلف تماما بالنسبة لنداء تونس الحزب الفائز في 2014 إذ لم يحافظ بالكاد على عشر قاعدته الانتخابية (%9.2) بينما ذهبت غالبيتها الساحقة إلى «حزب» «نبيل القروي» بـ%29.8 والدستوري الحر بـ%23 وتحيا تونس بـ%13.
اليوم هذا هو الفرق الأساسي بين حليفي الأمس ، حزب يتراجع ولكنه يحافظ على نصف قاعدته الانتخابية بما يجعله دوما في المراتب الأولى وحزب يخسر أكثر من %90 من قاعدته الانتخابية وهو اليوم مهدد بالاندثار حزب بصدد فقدان هويته بالتمام لفائدة حزبين شعبويين : الأول قائم على زبوينة جديدة و«قفة الزوالي» والثاني على معاداة الثورة وكل مخرجاتها .

النهضة هي الحزب الأبعد عن قلب التونسيين
سألنا العينة السؤال التالي : لو قامت الانتخابات التشريعية اليوم، ما هو الحزب الذي لن تصوت له ؟ وبالطبع كل مستجوب يقدم إجابة وحيدة..

حوالي نصف التونسيين (%43.5) يصرحون بأنهم لن يصوتوا للنهضة ويأتي النداء في المرتبة الثانية بـ%19.6 فالجبهة الشعبية بـ%9.8 ثم تحيا تونس بـ%6.8 والحزب الدستوري الحر بـ%6.1.

اللافت هنا أن نسبة الابتعاد القصوى نجدها عند الحزبين اللذين ربحا في تشريعية 2014 ، فثلثا أصوات 2014 تحولت إلى ثلثي الكره والابتعاد.

واللافت للنظر هنا أن جزءا من القاعدة الانتخابية لهذين الحزبين في 2014 يشعر بنفور كبير ممن صوتوا له ويقولون أن الحزب الأقرب لقلوبهم في 2014 أضحى الأبعد عنها اليوم وهذا يهم %16.6 من نهضويين 2014 و%13.8 من ندائيي تلك الفترة كذلك ..

يجب أن نعلم هنا أننا كلما سألنا هذا السؤال لعينة مستجوبة منذ 2013 إلى اليوم نجد نوعا من الاستقرار فيما يخص النهضة إذ يعتبر دوما ما بين %40 و%45 بأن النهضة هي الحزب الأبعد عن قلوبهم .ولكن الجديد هنا هو حصول نداء تونس على هذه النسبة المرتفعة من النفور.

نعود للنهضة فنقول بأن الحركة الإسلامية كانت تتمتع خلال هذه السنوات الأخيرة بحوالي ربع أصوات الناخبين في نوايا التصويت مع وجود حاجز سميك يمنع عنها حوالي نصف الناخبين .. اليوم هذا الحاجز بقي في نفس المستوى ولكن نوايا التصويت بصدد التراجع الكبير والسؤال إلى متى ؟ وماهي القاعدة الصلبة النهضوية وماهو وزنها ؟
إن كان من فضل لهذه العروض «السياسية» الجديدة فهو تعريتها لضعف المنظومة الحزبية عامة وكذلك الهشاشة النسبية للتصويت النهضوي على عكس ما كان يعتقده الجميع .

ثلاثي النفور: الغنوشي وقائد السبسي وموسي
نفس السؤال الفارط طرحناه بالنسبة للرئاسية : لو قامت الانتخابات الرئاسية اليوم
لمن لا تصوت أبدا ؟ وكالعادة جواب وحيد مسموح به للمستجوب وكانت الأجوبة كالتالي راشد الغنوشي بـ%21.5 فالباجي قائد السبسي بـ%17.6 ثم عبير موسي بـ%14.6 ويوسف الشاهد بـ%10.9 فالمنصف المرزوقي بـ%9.9 .

الملاحظة الأبرز في هذه الأجوبة أن الجدية الواضحة في التشريعية تضعف هنا كثيرا فالنفور من النهضة هو ضعف النفور من راشد الغنوشي ولكن هذا لا يعني البتة أن حظوظ الغنوشي في الرئاسية أفضل من حزبه في التشريعية بل العكس هو الصحيح تماما إذ تحرز الحركة الإسلامية على %16.8 من نوايا التصويت بينما لا يحصل زعيمها إلا على %1.6 فقط ، فما تقوله هذه الأرقام لا يفيد تعاطفا مع الغنوشي بل توزيعا «أعدل» للنفور بين شخصيات أضحت اليوم استقطابية بصفة حادة كالباجي قائد السبسي وعبير موسي بالأساس وبدرجة اقل يوسف الشاهد والمنصف المرزوقي ، فهذه الشخصيات الخمس مجتمعة تمثل ثلاثة أرباع النفور عند التونسيين .

لقد حاولنا في هذه الحلقات الثلاث رسم المشهد السياسي والانتخابي والنفسي كما يتجلى من خلال أحدث دراسة لنوايا التصويت في التشريعية والرئاسية.. مشهد زلزالي وفيه ارتدادات مازالت مجهولة القوة مشهد يتسم بوضوح بالنية العقابية للناخب التونسي تجاه منظومة الأحزاب عامة ومنظومة الحكم على وجه الخصوص.

يخطئ من يعتقد بأن أمر الانتخابات قد حسم منذ الآن ، ولكن يخطئ من يعتقد كذلك بأننا أمام ظواهر عرضية ستزول بسرعة إما بالقانون أو بالاحتقار ..

إن من يريد الفوز غدا عليه أن يفهم جيدا ما يحصل اليوم وأن يقيس عمق الغضب عند الناخبين وانتظارهم لعروض أفضل ولحياة سياسية قادرة على تغيير الواقع وتحسينه ..

المعركة الانتخابية لم تبدأ بعد ولكن مناوشاتها الأولى تنبئ بحرب طاحنة قد تغير الكثير في مشهدنا الحالي وقد تدفن والى الابد أحلام وطموحات اثبتت التجربة أن الوهم فيها قد طغى على حقيقة إمكانيات أصحابها .

الجذاذة التقنية للدراسة

العينة : عينة ممثلة للمسجلين في الانتخابات ، مكونة من 2706 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الدائرة الانتخابية ، الجنس والسن بالاعتماد على آخر أرقام الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات .
طريقة جمع البيانات : بالهاتف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Centre)
نسبة الخطأ القصوى : %2
تاريخ الدراسة : من 1 جوان 2019 الى 8 جوان 2019

المشاركة في هذا المقال