Print this page

وفاة 11 رضيعا بمركز التوليد وطب الرضيع بالرابطة: كارثة وطنية ... عرفنا الضحية ولـم نعرف الجاني

وفاة 11 رضيعا بالمستشفى الجامعي الرابطة خلال يومين لأسباب لازالت مجهولة، ليس مجرد فاجعة لذويهم بل هو «كارثة وطنية» بما

في العبارة من معنى، وما يعمق جراحها الخطاب الرسمي والشرح الذي قدمته وزارة الصحة، «تعفن» أنهى حياة الرضع وليس الإهمال أو التقصير في تقديم الرعاية الصحية بالمركز.

أعلنت وزارة الصحة يوم امس عن تسجيل 11 حالة وفاة في صفوف رضع مقيمين بمركز التوليد وطب الرضيع بالرابطة خلال يومي 7 و8 مارس الجاري، وبهذا الإعلان اقر رسميا الخبر المتداول منذ يوم الجمعة الفارط بشأن وفاة رضع في ظروف غامضة بمستشفى الرابطة بالعاصمة.

11 رضيعا ماتوا فقررت الوزارة ان تكلف الطاقم الطبي وشبه الطبي بمركز التوليد وطب الرضيع بالرابطة بأخذ التدابير والإجراءات اللازمة، وفق ما أعلن عنه في البيان الذي شدد على أنها إجراءات وقائية وعلاجية لتجنّب حدوث وفيات أخرى ومتابعة الوضع الصحي لبقية المقيمين.

11 رضيعا ماتوا لتتحرك الوزارة وتعلن عن تشكيل لجنة تحقيق عاجلة لمعرفة الأسباب التي كانت وراء مقتلهم وتعلن عن ذهاب الوزير إلى المستشفى لمساندة الاطار الصحي، قبل ان يتحول عشية أمس إلى قصر الرئاسة بقرطاج ليطلع رئيس الجمهورية على تفاصيل الفاجعة.

11 رضيعا ماتوا «بسبب تعفنات» وفق ما أعلنته المديرة العامة للصحّة نبيهة بورصالي التي لم يفتها ان تصف التعفنات بـ»شديدة الخطورة» ولكنها لا تعلم من اين أتت، فالتحاليل ستكشف عن أسباب هذه التعفنات، ولجنة التحقيق ستكشف بدورها عن تفاصيل الفاجعة. وفي انتظار ذلك تم تغيير الأدوية والمواد الغذائية التي تقدم للرضع واستبدالها بأخرى وقع جلبها من مخازن الصيدلية المركزية، بعد يومين من تسجيل أول حالة وفاة.

يومان بأكملهما مرا دون اتخاذ اية إجراءات تعتمد في مثل هذه الأوضاع، او اعلان عن حالة طوارئ صحية بمركز التوليد واتباع قواعد التصرف والاجراءات الطبية في مثل هذه الكوارث، وهي جد بسيطة، عزل كامل القسم وتطهير فضائه ومعداته، وتشخيص حالة الرضع المقيمين فيه قبل تحديد طرق المعالجة.

11 رضيعا ماتوا خلال يومين تحت أنظار الإطار الصحي بمركز التوليد وطب الرضيع بالمستشفى الجامعي الرابطة، وفي اليوم الثالث استفاقت «الدولة» بكل أجهزتها ومنها النيابة العمومية التي أكد المتحدث باسمها سفيان السليطي انها فتحت بدورها تحقيقا قضائيا لتحديد المسؤوليات والوقوف على حيثيات الحادثة، وأعلن أن قاضي التحقيق مصحوبا بممثل عن النيابة العمومية توجها الى المستشفى لمعاينة ظروف وفاة الرضع.

11 رضيعا ماتوا والكل ينتظر التحقيقات لمعرفة الأسباب ومن المسؤول عن هذه الكارثة، هل هو التعفن فقط ام «مجهول»، فلا احد يريد ان يواجه حقيقة المهزلة التي نعيشها، 11 رضيا أزهقت أرواحهم على مدى يومين في مركز طبي سلمت جثامينهم لاحقا إلى ذويهم في صناديق من الكرتون بعد سداد نفقات المستشفى ومن لم يسدد لم يستلم جثمان صغيره.

11 رضيعا ماتوا بسبب الإهمال والتقصير، وهذا لا يحتاج إلى لجنة تحقيق لتكشفه، بل هو يكشف عن تأخر في تصرف الإطار الطبي والوزارة بـ48 ساعة قبل اتخاذ إجراءات وقائية، إهمال يساوى جريمة قتل حينما يتتالى موت رضع على مدى يومين بنفس الأعراض في ذات المكان، ولا احد تساءل ماذا يحدث او تحرك لوقف الطامة.

11 رضيعا ماتوا بسبب التعفن الذي حصد قبلهم 151 رضعيا في مركز الأمومة والرضع بتونس العاصمة، وفق ما تضمنته أطروحة طبية أعدّها ماهر بن لعايبة بعنوان:»وفيات الرضع لسنة 2008: الأسباب وعوامل الخطر» التي نشرت في 2010 وكشفت ان 43 % من حالة وفاة الرضع بالمركز المذكور أعلاه سببها التعفنات الإستشفائية.

11 رضيعا ماتوا بسبب رداءة الخدمات الصحية في المؤسسات العمومية التي نبه اليها تقرير دائرة المحاسبات الأخير، ولكن لا احد اهتم او بحث عن وضع حد لهذا الوضع المزري، فالكل مسؤول السلطة التنفيذية والإطار الطبي والشبه طبي والإدارة والنقابات، الكل مسؤول عن موت رضع ائتمنت أرواحهم بيد هؤلاء.

11 رضيع ماتوا وهذا ليس قضاء وقدرا، بل هي جريمة كبرى وجب محاسبة كل من تسبب فيها، ومحاسبة المسؤول الحقيقي عن العجز والإهمال والتردي والفساد الذي قتل ويقتل وسيقتلنا لكن سيسجل على انه موت ناجم عن تعفنات خطيرة، قد تعلن لجنة التحقيق ان اسبابها ليست مسؤولية احد.

تعفنات حصدت أرواحا ولاتزال في ظل الاستهتار واللامبالاة والعجز والفساد الذي نخر كل شيء ونخرنا،فكلنا فاسدون وشركاء في الجريمة وان بالصمت الذي بات يهدد مستقبل هذه الأرض وأبناءها الرضع منهم والعجائز، الذين تنوعت أشكال قتلهم وظل القاتل واحدا.

المشاركة في هذا المقال