يقول المثل الايطالي «تعلن الحرب عندما نريد وتنتهي عندما نستطيع»، في إقرار بان إعلان الحرب يرتبط بالرغبة والإرادة وان نهايتها تفرض على الجميع للخروج بأخف الإضرار إن تعذر النصر، وهذا ما ينطبق على أزمة قطاع الصحة، التي يبدو أنها وجدت طريقها للحلّ.
هذا الحلّ الذي أعلن عن نفسه في بيان صادر عن النقابة الأساسية لأعوان الصحة يوم أمس، حيث تم التوصل لاتفاق بين النقابة ووزارة الصحة بشأن حزمة من المطالب المهنية وشبه اتفاق بشأن أزمة المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس.
فالطرف النقابي وبعد أن خيّر ترك الملف بيد المركزية النقابية، وقبل بمبدأ «التحكيم»، قبل بما يتفق عليه رئيس الحكومة الحبيب الصيد والأمين العام للاتحاد حسين العباسي، وهما ابرما اتفاقا يبدو انه تضمن ما يسمح للوزير سعيد العايدي أن يغادر الأزمة منتصرا دون أن يعني ذلك «هزيمة» للطرف النقابي.
فعقد الخلافات بين النقابة والوزير تتمثل في وضعية المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس، ولم يكن تأخر تنفيذ الالتزامات السابقة إلا تفصيلا في الأزمة. فنقاط الخلاف المتعلقة بالمطالب المهنية عمليا مرتبطة بقرارات رئاسة الحكومة وليس وزير الصحة، ومنها إعادة تصنيف أعوان قطاع الصحة وصرف المنح، وهو ما يفسر وصول كل من رئيس الحكومة والأمين العام للمنظمة الشغيلة لحلّ لها دون يوم أمس في محضر الجلسة الصلحية وقبلت به كل الأطراف لتظلّ مسألة المستشفى الجامعي بصفاقس هي محلّ الخلاف بين النقابة والوزير، وهنا يبدو ان موقف النقابة قد عدّل وباتت المطالب تتعلق بسحب القضية والإقرار بان أي خلاف بين النقابيين ومدير المستشفى يحلّ بعيدا عن القضاء العسكري، باعتبار أن المدير هو طبيب عسكري، اي انه منتسب للمؤسسة العسكرية ويخضع لقانونها.
هذا التغيير من الرفض المطلق الى القبول سببه الأساسي ان الوزير المتمسك بسلطته في تعيين الإطار الإداري وجد دعما من حكومته في هذه النقطة، وقد اعلن عن ذلك رئيس الحكومة الحبيب الصيد للعباسي، واكّده الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد شوكات لـ«المغرب» بقوله ان الحكومة حريصة على ان يكون الوزير وزيرا وان يمارس سلطته على القطاع الذي يشرف عليه.
هذا الحرص يشمل أيضا التزام الحكومة وفق ناطقها الرسمي بان «لا تضعف وزراءها
الحكومة وان تسندهم»، فهي ووزراؤها المسؤولون عن إدارة المرفق العام ولن تقبل في ان يتنازع احد معها هذه الصلاحية، حتى وان كان الاتحاد العام التونسي للشغل.
فالحكومة كما شدّد شوكات تحترم الاتحاد والعمل النقابي لكن في إطاره وحدوده، التي قال أن البعض تجاوزها وبات يريد ان تتنازل له الحكومة عن سلطتها وهو ما لا تقبل به الحكومة لصالح أي طرف كان.
وما للحكومة هو لوزرائها، حيث أكد خالد شوكات ان صلاحية تعيين مدير المستشفيات هي من اختصاص الوزير، وهنا تعلن الحكومة، بعد ان تأخرت عن تضامنها مع وزيرها رفضها لما تعرض له من شتم وإهانة من قبل نقابيين، اعتبرهم شوكات حادوا عن العمل النقابي وابتدعوا مفهوما جديدا له.
دعم الحكومة لوزيرها يقابله دعم الأمانة العامة للاتحاد للنقابة الأساسية في خلافها مع الوزير، ونقل الملف للتحكيم بينها وبين رئاسة الحكومة ليقع الاتفاق على جملة من النقاط ألزم بها الأمين العام قطاع الصحة، وهو ما يقرّ به عثمان الجلولي الكاتب العام للنقابة الأساسية لأعوان الصحة.
حيث أكد الجلولي أنهم ملتزمون بما تقرّه المركزية النقابية، مع تشديده على أنهم لا ينفون عن الوزير سلطته في التعيين، لكن يريدونه ان يتجنب الوقوع في التضييق على العمل النقابي والمسّ من حق دستوري.
في انتظار الاعلان الرسمي عن حزمة التوافقات بين العباسي والصيد، يمكن القول ان الوزير سعيد العايدي نجح في الخروج سليما من معركته وحقق بعض المكاسب، لكن «الحرب» سجال، يوم لك ويوم عليك.
توافقات الجلسة الصلحية
انعقدت يوم أمس جلسة صلحيّة بين وزارة الصحة والنقابة الأساسية لأعوان الصحة بمقرّ وزارة الشؤون الاجتماعيّة، وقد تمّ الاتفاق خلالها على حل عدد من الملفات ومنها إصدار النّصوص التّرتيبيّة القاضية بإعــــادة تصنيف الإجازة التّطبيقيّة للتّمريض والفنّيين السامين للصحّة العمومية في الصنف الفرعي «أ2»، وإحالة مسألة النّصوص الترتيبيّة المتعلّقة بمجانيّة العلاج وتأجير أيّام الأعياد الوطنيّة والدينيّة ومنحة التنقّل لفائدة بعض أعوان الصحّة إلى مصالح رئاسة الحكومة للمصادقة على صيغتها النهائيّة،بالإضافة إلى الالتزام بسحب الفصل الثّاني من النّظام العام للوظيفة العموميّة على أعوان الأسلاك الصحّية.