Print this page

هيئة الحقيقة والكرامة تثير الجدل مرة أخرى

يتواصل الجدل حول عمل هيئة الحقيقة والكرامة سواء على مستوى البيانات

التي تصدرها أو عملها، بعد أن أثارت مسألة خزن الارشيف خارج الاراضي التونسية، الى جانب طلب التمديد لمدة سنة، إلى آخر بيان لها بخصوص استغلال المستعمر للثروات الباطنية التونسية .
البيان الاخير لهيئة الحقيقة والكرامة والمتعلق بعرض حقائق حول استغلال المستعمر الفرنسي للثروات الباطنية التونسية اثار جدلا واسعا، حيث اعتبر خالد عبيد المؤرخ الجامعي المختص في التاريخ السياسي المعاصر، انه لا يجب اقحام التاريخ في التجاذبات السياسية وان دور المؤرخين دراسة وتوثيق التاريخ والتصدي ايضا لمحاولات تزييفه التي من شأنها تقسيم التونسيين وتوظيف التاريخ في صراعات جانبية سياسوية.

«لا حياد إذا تعلق الأمر بمصير الوطن»
وأضاف عبيد في تصريح لـ«المغرب» انه ضد توظيف التاريخ مشيرا الى وجود دعوات في الاونة الاخيرة تهدف الى تفتيت وحدة الوطن خاصة في الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد اليوم، وبالتالي وظيفة المؤرخ وفق عبيد ليس تحليل الظواهر التاريخية فقط بل مهمته اساسا تتمثل في الدفاع عن شرف مهنته عندما يحاول أيّ كان توظيفها مشددا على انه «لا حياد اذا كان الامر يتعلق بمصير الوطن»، مشيرا الى أنه عوض الحديث عن الماضي من اجل تصفية حسابات من المهم النظر الى الامام والى المستقبل .

من جهتها اصدرت سفارة فرنسا بتونس بيانا اكدت من خلالها ان الوثائق التى «اعادت» نشرتها هيئة الحقيقة والكرامة والتي تهم الحقبة الإستعمارية، معروفة لدى المؤرخين ومتاحة أمام الجميع منذ وقت طويل وهي تثير الكثير من التعليقات وتفضي إلى قراءة مفيدة دائما وشفافة للتاريخ وبيّنت السفارة في بيانها إنّ فرنسا تضع وبصفة طوعية على ذمة الباحثين الأرشيف الذى بحوزتها من أجل توضيح العلاقات بين البلدين قبل سنة 1956 وانها قامت بذلك سنة 2017 مع هيئة الحقيقة والكرامة لتسهيل أعمالها.

وشدد بيان السفارة انه بعد عقود من الاستقلال التونسي، باتت حقيقة الشراكة الاقتصادية بين فرنسا وتونس اليوم مغايرة تماما ولم تعد تخضع لمنطق الماضي وانه لا توجد أيّة مؤسسة فرنسية تتمتع بشروط تفضيلية أو بحقوق خاصة لاستغلال الموارد الطبيعية في تونس، في قطاعات المياه والفسفاط والنفط.
كما اوضحت السفارة حول ما نشرته هيئة الحقيقة والكرامة بخصوص استغلال الملح ان عدّة شركات ذات رأس مال غير فرنسي تقوم بهذه المهمّة وإنّ شركة كوتيزال COTUSAL ، وهي شركة ذات رأس مال تونسي فرنسي لا تنتج الملح إلاّ على المستنقعات المالحة وتعمل شركة كوتيزال في إطار احترام القانون وتسدد الضرائب والرسوم الجبائية المعمول بها...

قضية استعجالية لدى المحكمة الادارية
من جهة اخرى وحول مسالة التمديد في عمل الهيئة لمدة سنة قال النائب عن الكتلة الديمقراطية بالبرلمان والامين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي، لـ«المغرب» إن 10 نواب من الكتلة الديمقراطية مع امكانية انضمام نواب اخرين سيقدمون يوم الاثنين المقبل قضية استعجالية لدى المحكمة الادارية لايقاف تنفيذ القرار الصادر عن مكتب مجلس نواب الشعب والمتعلق بعقد جلسة عامة للبرلمان يوم السبت 24 مارس الجاري مخصصة للتصويت على قرار التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة.

واعتبر الشواشي ان القرار الذي اتخذه امس مكتب المجلس يعد «تجاوزا للقانون وتعديا على احدى صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة» مشيرا الى ان «قرار عقد الجلسة العامة هو قرار صادر عن هيكل اداري وهو بالتالي قابل للطعن فيه لدى القضاء الاداري» ، مذكرا أن الفصل 18 من القانون الأساسي المتعلق بارساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، ينص على أن «مدة عمل الهيئة حددت بأربع سنوات بداية من تاريخ تسمية أعضائها، قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة سنة بقرار معلل من الهيئة، يرفع إلى المجلس المكلف بالتشريع قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها». وأضاف الشواشي ان قضية اصلية لإلغاء قرار المكتب بعقد هذه الجلسة العامة سترفع ايضا لدى المحكمة الادارية. وشدد على ان مسالة العدالة الانتقالية هي ملزمة لمؤسسات الدولة وبما ان الهيئة لم تستكمل بعد مهمتها ولم تقدم تقريرها وتوصياتها لن يكون هناك اي افادة وبالتالي من المفيد تركها استكمال عملها. ودعا الاطراف الرافضة للتمديد لعمل الهيئة بان تقدم البديل.
وكانت الهيئة قد اعلنت يوم 27 فيفري الماضي ان مجلسها اقر التمديد في مدة عمل الهيئة بسنة إضافية، حسب ما يخوّله لها الفصل 18 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية، على أن تنهي الهيئة أعمالها يوم 31 ديسمبر 2018 ، وفق رزنامة محدّدة في الغرض.

عضو هيئة الحقيقة والكرامة عادل المعيزي لـ«المغرب»
« لا يمكن أن تُبنى شراكة متوازنة دون تصفية تركة الماضي من الاستغلال»
من جهته أوضح عادل المعيزي عضو هيئة الحقيقة والكرامة في تصريح لـ»المغرب» بان ردّ السفارة الفرنسية لم ينف الاستغلال الفاحش للثروات الوطنية خلال العقود السابقة، مشيرا الى انّ الهيئة لم تنشر كل الوثائق التي بحوزتها باعتبار أنّ ذلك يدخل في إطار أعمالها المتعلقة بكشف الحقيقة.
وشدد على انّ الهيئة، وباعتبارها سلطة عمومية تونسية تتمتع بصلاحيات السلطة العامة في إطار إنفاذها للقانون الأساسي للعدالة الانتقالية عدد 53 لسنة 2013 والدستور استعملت كل ماهو متاح للجميع.
كما أكد انّ ما تمّ طرحه حول الاستغلال الفاحش للثروات الباطنية التونسية من قبل فرنسا يمتدّ على مرحلة تاريخية مشمولة بقانون العدالة الانتقالية، مشددا على أنّه لا يمكن أن تُبنى شراكة متوازنة دون تصفية تركة الماضي من الاستغلال.
من جهة أخرى اعتبرالمعيزي انه تمّ الاطلاع على الوثائق التي وقع نشرها في إطار أعمال الهيئة المتعلقة بكشف الحقيقة عن طريق جملة الوسائل والإجراءات والأبحاث المعتمدة لفك منظومة الاستبداد والفساد من خلال تحديد كل الانتهاكات ومنها انتهاكات الفساد المالي والاعتداء على المال العام وضبطها ومعرفة أسبابها وظروفها ومصدرها والملابسات المحيطة بها والنتائج المترتبة عليها وذلك في الفترة من 1955 إلى 2013.

كما نبه بأن العمل الذي تقوم به الهيئة ليس عملا تاريخيّا وإنّما هو عمل العدالة الانتقالية الذي يتداخل فيه القانون مع بقية الاختصاصات وينتج آثارا قانونية ومالية وقضائية وإدارية وحتّى ديبلوماسية لأنّ القانون منح للهيئة صلاحيات تتمثّل في النفاذ إلى الأرشيف العمومي والخاص الوطني والأجنبي بقطع النظر عن كل التحاجير الواردة بالتشريع الجاري به العمل، وهو عمل لا علاقة له بأبحاث المؤرّخين لأنّه يتعلق بالتحقيق وبكل الوسائل القضائية وغيرها في كل الانتهاكات المشمولة بأحكام قانون العدالة الانتقالية من بينها ما ورد في الفصل 8 كالفساد المالي والاعتداء على المال العام... مشيرا الى أنّ التحقيق في ذلك يتم بجميع الوسائل والآليات التي تراها الهيئة ضرورية. وإذا ثبتت الإدانة تحيلها إلى القضاء المتخصّص.
وفيما يتعلق بتحديد جلسة عامة الأسبوع المقبل من أجل التصويت على قرار التمديد أكد المعيزي انه عمل غير قانوني وغير دستوري، وهو محاولة للتدخل في استقلالية الهيئة والانقلاب على الدستور وعلى مبادئ ثورة الحرية والكرامة، و إخلال بالتزامات تونس أمام الهيئات الأممية.
كما اكد المعيزي انه «ومن غرائب الأمور أنّ مجلس نواب الشعب سيجتمع دون سند قانوني وفي مخالفة للدستور في جلسة عامة لمناقشة قرار تمّ اتخاذه بإرادة مستقلة رأت من خلاله الهيئة أنها تحتاج لبعض الأشهر لاستكمال الأهداف التي أنشئت من أجلها ، وإنّني أستغرب صمت رئيس الجمهورية الضامن لاحترام الدستور عن هذه المسألة».

المشاركة في هذا المقال