Print this page

حديث الأنا: تعسّف الدولة أبقى وأفضل...

أصبحت الحياة في تونس عسيرة. في ما مضى، كانت الحياة أيسر. منذ الثورة، استفحل العسر. حيث أمشي، ألقى العسر. في الادارة، في الطرقات، في الأسواق، في المقبرة. أنظر في البشر كيف يمشي، في السيّاق كيف يسوقون، في المارّة كيف يسيرون، في الموظفين، في أعوان الشرطة، في الباعة، في المعلّمين، في الصبية. أنظر في المصلّين يوم الجمعة...

لماذا أصبح العيش عسيرا، منهكا؟ في الشارع، كلّما لقيت بشرا، يضيق صدري. يشدّني إرهاق. أتعب. أنا اليوم أخاف الشارع وفي الشارع معاناة وشدّة. في بيتي، أتحاشى الإعلام ويحبطني ما يأتيه الإعلام من هراء وبؤس. هجرت القنوات التلفزيّة جميعا. في القنوات التونسيّة جهالة وصخب. هجرت الإذاعات. في الإذاعات التونسيّة سقط فكر ورداءة متّصلة...
في الإعلام اليوم إنفلات مفزع. هو أصل الفوضى وما انتشر من شقاوة وبؤس. يقول الإعلاميون ما شاؤوا من القول. دون إدراك. دون تبيّن. الكثير من الإعلاميين جهلة. همّهم كسب السبق وإن أشعلوا الأرض... ترتجف الحكومات لما يقوله الجهلة. يخاف الوزراء لما ينشر من حقّ وزيف...
أنا غريب في هذا الوطن. أفضّل العيش لوحدي حتى لا أرى ولا أسمع. أتجنّب الناس ما استطعت. أختفي. أهرب. أنا لست بمتصوّف. أنا أكره الهيج وأخاف الفوضى...

نحن شعب همجيّ. الكلّ يعلم ما نحن فيه من رداءة ومنكر. الكلّ يعلم ما نحن فيه من بؤس. نحن نحمل رياء وجهلا. صمّ. عمي. لا نعي. لا نتبيّن. نعتقد أنّنا المركز، أنّنا الأفضل ونحن في التعاسة نغرق. ننعم... لا أحد يقول لهذا الشعب أن يكفّ. الكثير يرى فيه ذكاء وقّادا ومناقب متعدّدة.
يبقى السؤال: كيف إصلاح ما فسد وكيف ردع الهمّج؟ فشلت المدارس في تربيّة النشء. فشل المدرّسون في تحقيق الغاية. تعليمنا اليوم في الدرك الأسفل. فشلت المساجد في تهذيب الخلق. في المساجد، يقول الأيمّة خرافات. يدعون الى الجهاد، الى خنق المرأة، الى قتل تاركي الصلاة والكفرة. لا يهم الأيمّة ما يجري في البلاد من جهل ومن صعلكة. مع الجهل، تعلو أيديهم ويزدادون رزقا. أمّا الدولة وكانت في ما مضى هي الرادعة فهي اليوم في ضعف. لا تقدر...

تفشّت الهمجيّة مع تفكّك الدولة. عمّت الصعلكة. حتى يستقيم الوضع، يجب دعم الدولة. يجب أن يقوى عودها وتستبدّ. لا أرى سبيلا غير الدولة. هي وحدها القادرة على تحديد الحقّ والباطل، على التأسيس، على قطع اليد والرقبة. مع بن عليّ ومع بورقيبة خاصّة، كان للدولة شوكة وكان الكلّ على الصراط يمشي وإن في الصراط عنف وتجبّر...
في البلاد المتخلّفة، حماية للعيش المشترك، يجب أن يخاف الناس الدولة، أن يهابوا عنفها ويرتضوا بما كان من تجاوز وعنف. عنف الدولة أفضل من عنف الأفراد. تسلّط الدولة أبقى من تسلّط العصابات والفسدة...
ما نرى اليوم من تطاول، من تسيّب، من فوضى، سببه ما أصاب الدولة من عجز. لمّا تضعف الدولة ينهار النظام والمجتمع وتزداد الخروق ويفسد العيش. فليدرك الاعلام أوّلا والناس أنّنا اليوم في حاجة الى حكم قويّ، متجبّر، قادر على رسم الحدود، على إقرار القانون، على الضرب بلا رحمة.

المشاركة في هذا المقال