Print this page

الصناديق الاجتماعية بين حتمية الإصلاح وإكراهات التوافق: «صفر احتياطات» والعجز كاد يتجاوز 1700 مليون دينار لو لا ضخ الدولة لـ800 مليون دينار

• الاتفاق مبدئيا على إحداث مساهمة اجتماعية تضامنية لتمويل أنظمة الضمان الاجتماعي

لم يعد يخفى على أحد أن ملف إصلاح أنظمة الضمان الاجتماعي بصوره عامة وأنظمة التقاعد بصفة خاصة يعتبر من أوكد الملفات الوطنية بالنظر إلى الوضعية الحرجة للصناديق الاجتماعية الثلاثة، صندوق الضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية وصندوق التأمين على المرض، حتى أنها أصبحت غير قادرة على الاستمرار، حسب تأكيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال جلسة منج ثقة مجلس النواب لأعضاء الحكومة المقترحين، مشددا على أن إصلاح الصناديق يتطلب الترفيع في نسبة المساهمات الاجتماعية والترفيع في سن التقاعد ومراجعة الأجر المرجعي ومردودية سنوات العمل وصيغ التعديل في الجراية.

في عملية إنقاذ الصناديق الاجتماعية يتعين الأخذ بعين الاعتبار عامل الزمن وتأثيره الأساسي على النتائج المرتقبة للإصلاح، فكلما تأخر الشروع في تطبيق الإصلاح، كلما زاد حجم الجهود اللازمة لاستعادة توازن الأنظمة وصعبت التدابير الناجمة عنها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، واليوم وأمام الوضعية المالية الحرجة لها أصبح من الضروري استحثاث مجهودات جميع الأطراف لتجسيم مختلف مكونات الإصلاح مع مطلع السنة القادمة.

عجز الصناديق الاجتماعية في أرقام
حسب آخر المؤشرات المسجلة في عجز الصناديق الاجتماعية الثلاثة فقد بلغ العجز 903.6 مليون دينار سنتي 2016 و2017 باعتبار الاعتمادات المرصودة من ميزانية الدولة للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والبالغة 300 مليون دينار سنة 2016 و500 مليون دينار سنة 2017 ولو لا ضخّ الدولة لهذه الأموال لكان العجز سيصل إلى 1703.6 مليون دينار، علما وأنه حسب التقديرات الأولية من المتوقع أن يتجاوز العجز في صندوق الضمان الاجتماعي خلال السنة الجارية 600 مليون دينار وأكثر من 1000 مليون دينار لأنظمة الجرايات، أما بالنسبة لصندوق التقاعد وبفضل دعم الدولة فإنه من المتوقع أن يصل إلى 145 مليون دينار و172 مليون دينار لأنظمة الجرايات وفي المقابل فإن صندوق التأمين على المرض سجل فائضا بـ 170 مليون دينار لكن مع تسجيل عجز على مستوى نظام التأمين على المرض بـ 108 مليون دينار.
كمال المدوري مدير الإدارة العامة للضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية أكد لـ«المغرب» أن الوعي بخطورة الاختلال الذي تشهده التوازنات المالية للصناديق الاجتماعية وضرورة القيام بمراجعة شاملة لمنظومة الضمان الاجتماعي هي قناعة مشتركة بين كل الأطراف الوطنية المسؤولة بالنظر إلى تواصل تدهور مختلف المؤشرات ذات العلاقة بالتوازنات المالية لأنظمة الضمان الاجتماعي بسبب تصاعد الضغوطات المالية لهذه الأنظمة ولا سيما أنظمة التقاعد خاصة في القطاع العمومي نتيجة التحولات الديمغرافية وتدهور المؤشر الديمغرافي الذي بلغ 2.5 ناشط لكل منتفع بجراية بالقطاع العمومي و3.8 بالقطاع الخاص سنة 2016، مقابل 4.98 و6.2 سنة 1990 إلى جانب عدم كفاية الاحتياطيات المالية المتوفرة لدى الصناديق الاجتماعية التي لا تتطابق مع المعايير الدولية المعتمدة من قبل منظمة العمل الدولية التي تفرض أن تكون الاحتياطيات المتوفرة لدى هياكل الضمان الاجتماعي كافية لتغطية نفقات 36 شهرا من منافع الجرايات و3 أشهر من المنافع قصيرة المدى، مشددا على أن كل الاحتياطات المالية للصناديق قد تآكلت لتصبح «صفر احتياطات».

خصائص أنظمة التقاعد من بين أسباب اختلال التوازن
من بين أسباب اختلال توازنات الصناديق أيضا وفق المدوري تراجع نسق التشغيل في القطاع الخاص المنظم وتنامي الاقتصاد غير المنظم وتفاقم ظاهرة عدم التصريح بالأجور أو ضعفها بالقطاع الخاص إلى جانب عوامل موضوعية مرتبطة بخصائص أنظمة التقاعد (الأجر المرجعي، التنفيل، التعديل الآلي للجرايات، التقاعد المبكر، مردودية السنوات،...) هذا إضافة إلى صعوبات على مستوى المراقبة واستخلاص المساهمات والديون الراجعة للصناديق الاجتماعية وارتفاع تكاليف العلاج وتطور كلفة الأمراض المزمنة والأدوية الخصوصية وغياب مقاربة للحوكمة الرشيدة والممارسات الفضلى على مستوى الصناديق الاجتماعية.
أمام هذه الوضعية الصعبة تمّ اتخاذ جملة من الإجراءات لمجابهة احتياجات السيولة لصناديق الضمان الاجتماعي في انتظار استكمال اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية لأعمالها المتعلقة بالإصلاح الهيكلي لأنظمة التقاعد في القطاعين العمومي والخاص، حيث بادرت الحكومة باتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة في الغرض من بينها تخصيص اعتمادات مالية في

حدود 300 مليون دينار على مستوى قانون المالية التكميلي لسنة 2016 واعتمادات مالية بـ 500 مليون دينار على مستوى قانون المالية لسنة 2017 لفائدة الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية بما يمكنه من تحسين سيولته المالية والإيفاء بتعهداته في الآجال القانونية.

اللجنة تعقد 16 اجتماعا خلال سنتين
ولئن مكنت هذه الإجراءات من مواصلة إيفاء الصناديق الاجتماعية بتعهداتها تجاه منظوريها إلا أن أفق هذه الإجراءات سيكون محدودا باعتبار أن العجز الذي تعرفه صناديق الضمان الاجتماعي يعتبر عجزا هيكليا بامتياز مرتبط بالأساس بجملة من الأسباب الموضوعية سواء منها المتصلة بطبيعة الأنظمة التوزيعية التي تتأثر بالعوامل الديمغرافية أو المتصلة بالظرف الاقتصادي وهو ما أدى إلى اختلال التوازنات بين نسق المصاريف (مختلف المنافع المسداة) والمداخيل( المتأتية أساسا من المساهمات).
من ناحية أخرى، تولت الوزارة تفعيل عمل اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية التي توفقت إلى تبني نظام داخلي يحدد منهجية عملها ويضبط دورية اجتماعاتها بخصوص مختلف محاور المراجعة الشاملة لمنظومة الضمان الاجتماعي وعقد16 اجتماعا خلال سنتي 2016 و2017، وفق المدوري.

في انتظار تحديد قاعدة احتساب المساهمة الاجتماعية التضامنية
وقد قطعت اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية مراحل متقدمة في مناقشة مختلف فرضيات الإصلاح المقياسي لأنظمة التقاعد بالقطاعين العمومي والخاص إلى جانب تنويع مصادر التمويل. ومن المنتظر الحسم في خيارات الإصلاح خلال الاجتماعات المقبلة للجنة لتتم مناقشة بقية الإجراءات المرافقة لإصلاح أنظمة التقاعد من ذلك توسيع التغطية الاجتماعية نحو القطاع غير المهيكل. أما بخصوص تجسيم البند المتعلق بتنويع مصادر تمويل الضمان الاجتماعي فقد تم على مستوى اللجنة الاتفاق مبدئيا على إحداث مساهمة اجتماعية تضامنية لتمويل أنظمة الضمان الاجتماعي وتم في الغرض تكوين فريق عمل فني على مستوى رئاسة الحكومة يضم الهياكل الفنية المعنية والأطراف الاجتماعية لدراسة الجوانب الفنية لهذه المسألة المتعلقة أساسا بقاعدة احتساب هذه المساهمة (قائمة المداخيل التي سيتم إخضاعها) ونسبها. هذا وينتظر إحداث مجلس أعلى لتمويل الحماية الاجتماعية يتولى السهر على تجسيم متطلبات تنويع مصادر تمويلها وخاصة ضبط حاجيات التمويل لمنظومة الحماية الاجتماعية واتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة سنويا بضمان التوازنات المالية لأنظمة الضمان الاجتماعي.

التحكم في النفقات الصحية والحد من التجاوزات
بالنسبة إلى الإستراتيجية الكبرى لإصلاح المنظومة، قال مدير الإدارة العامة للضمان الاجتماعي إن أبرز التوجهات التي تعمل مختلف الأطراف على بلورة وفاق حولها وتنزيلها في شكل قوانين وبرامج وسياسات تتمثل في المراجعة الشاملة لأنظمة الضمان الاجتماعي بمختلف فروعها بما في ذلك نظام التأمين على المرض من خلال القيام بإصلاح هيكلي ومقياسي لأنظمة التقاعد في القطاعين العمومي والخاص والقيام بعملية تقييم شامل لمنظومة التأمين على المرض في اتجاه التحكم في النفقات الصحية والحد من التجاوزات وإحكام التصرف في المنظومات العلاجية فضلا عن تنويع مصادر تمويل أنظمة الضمان الاجتماعي وتحسين استخلاص ديون الصناديق من خلال تأهيل المنظومة التشريعية في مجال الضمان الاجتماعي ووضع خطة وطنية لمقاومة التهرب الاجتماعي وتحسين التغطية الاجتماعية الفعلية لمختلف أنظمة الضمان الاجتماعي والعمل على استقطاب القطاع الموازي من خلال وضع إطار قانوني ملائم مع تطوير أساليب التصرف وحوكمة إدارة صناديق الضمان الاجتماعي.

من بين التوجهات أيضا تقييم ومراجعة شاملة لمنظومة التأمين على المرض بما يساهم في تحسين الخدمات وتبسيط المنظومات العلاجية وبناء علاقات تعاقدية متوازنة مع مسديي الخدمات الصحية إلى جانب تجسيم البند الوارد بالعقد الاجتماعي والمتعلق بإحداث صندوق للتأمين على فقدان مواطن الشغل وفق صيغة تمويل ثلاثي بين الدولة والطرفين الاجتماعيين وإرساء أرضية وطنية للحماية الاجتماعية كهدف أسمى لهذه الإصلاحات والرامية إلى توفير الضمانات الأساسية للعيش الكريم من تغطية صحية لكل مواطن وتوفير حد أدنى من الدخل لكل عائلة. هذا وشدد كمال المدوري على أن عملية إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي بصورة عامة وأنظمة التقاعد بصورة خاصة تتطلب العمل على تطوير رؤية منسجمة لإشكالية التقاعد في البلاد وتنزيل الإصلاحات الضرورية لهذه المنظومة حيث تكون قابلة للتطبيق وواقعية وعادلة ومتوازنة، مع مراعاة إكراهات ورهانات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتضامن والعدالة الاجتماعيين، والحفاظ على حقوق ومصالح الأجيال القادمة.

المشاركة في هذا المقال