Print this page

من القرآن .. النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ

بالعودة إلى كتاب «تفسير التحرير والتنوير» للعلامة الشيخ ابن عاشور في تفسير الآية 6 من سورة الأحزاب ...{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} نجده يذكر أن هذه الآية هي استئناف بياني لما سبق في قوله تعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم . ادعوهم لآبائهم} الآيات 4و5 من سورة الأحزاب

ويضيف انه كان قد شمل في أول ما شمله إبطال بنوّة زيد بن حارثة للنبيء صلى الله عليه وسلم فكان يثير سؤالاً في نفوس الناس عن مدى صلة المؤمنين بنبيئهم صلى الله عليه وسلم وهل هي علاقة الأجانب من المؤمنين بعضهم ببعض سواء فلأجل تعليم المؤمنين حقوق النبي وحرمته جاءت هذه الآية مبينة أن النبي أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم. والمعنى: أنه أولى بكل مؤمن من أنفس المؤمنين. و»مِنْ « تفضيلية.ثم الظاهر أن الأنفس مراد بها جمع النفس وهي اللطيفة الإنسانية كقوله
{تعلم ما في نفسي} المائدة: 116، وأن الجمع للتوزيع على كل مؤمن آيل إلى كل فرد من الأنفس، أي: أن النبي أولى بكل مؤمن من نفس ذلك المؤمن، أي: هو أشد ولاية، أي: قرباً لكل مؤمن من قرب نفسه إليه، وهو قرب معنوي يراد به آثار القرب من محبة ونصرة. فــــ { أوْلَى} اسم تفضيل من الوَلْي وهو القرب، أي: أشد قرباً. وهذا الاسم يتضمن معنى الأحقية بالشيء فيتعلق به متعلِّقه ببناء المصاحبة والملابسة. والكلام على تقدير مضاف، أي: أولى بمنافع المؤمنين أو بمصالح المؤمنين، فهذا المضاف حذف لقصد تعميم كل شأن من شؤون المؤمنين الصالحة.

والأنفس: الذوات، أي: هو أحق بالتصرف في شؤونهم من أنفسهم في تصرفهم في شؤونهم. ومن هذا المعنى ما في الحديث الصحيح من « قول عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم «لأنتَ أحبّ إليّ من كل شيء إلاّ من نفسي التي بين جنبَيّ» فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه». فقال عمر: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحبّ إليّ من نفسي» « ويجوز أن يكون المراد بالأنفس مجموع نوعهم كقوله: {إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم} آل عمران: 164، ويجوز أن يكون المراد بالأنفس الناس. والمعنى: أنه أولى بالمؤمنين من ولاية بعضهم لبعض، أي: من ولاية جميعهم لبعضهم على نحو قوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} البقرة: 85، أي: يقتل بعضكم بعضاً، وقوله {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} النساء: 29.
والوجه الأول أقوى وأعمّ في اعتبار حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يفيد أولويته بمن عدا الأنفس من المؤمنين بدلالة فحوى الخطاب. وأما الاحتمال الثاني فإنه لا يفيد أنه أولى بكل مؤمن بنفس ذلك المؤمن إلا بدلالة قياس الأدْوَن، ولذلك استثنى عمر بن الخطاب بادئ الأمر نفسه فقال: لأنت أحب إليّ إلا مِن نفسي التي بين جنبيّ. وعلى كلا الوجهين فالنبي عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من آبائهم وأبنائهم، وعلى الاحتمال الأول أولى بكل مؤمن من نفسه.

المشاركة في هذا المقال