Print this page

بعد «لفت نظر» الحوار التونسي من طرف الهايكا: «أولاد مفيدة»: قليل من الفنّ ...كثير من العنف...صفر من الأمل

في جزئه الأوّل صدم المشاهد بلقطة طفلة تغمد السّكين في جسد والدها فترديه قتيلا ... وفي جزئه الثاني، تتالت اللقطات التي كان عنوانها الأبرز العنف المرضي والمجتمع المريض... وهكذا كان مسلسل «أولاد مفيدة» مدعاة للجدل ومحل سخط وحنق فئات مختلفة من المشاهدين

لمغالاته في تقديم صورة سلبية وقاتمة وأحادية للواقع التونسي.

قد يعود توظيف جرعة العنف الزائدة عن حدّها بكثير في مسلسل «أولاد مفيدة» إلى الافتتان بمشاهد السلسلات الأجنبية أو الرغبة في جذب أكبر عدد من المشاهدين أو اللهث وراء الإعلانات التجارية... إلاّ أن هذا العنف المرضي الذي أدى إلى تواتر مشاهد الجريمة في هذا العمل الرمضاني وساهم في إبراز صورة مجتمع مشتت ومتخبط ما بين انسداد الأفق وانغلاق أبواب الأمل.

إضفاء «الشرعية» على ممارسات «غير مثالية»
من النقيض إلى النقيض، عدّل المخرج و«صاحب الفكرة» سامي الفهري بوصلته فبعد مسلسلات المجتمع المخملي والطبقات المترفة عدّل عدسة الكاميرا على الأحياء الشعبية والطبقات الفقيرة والمهمشة لكنه لم ينقل صراعها مع الحياة في سبيل الخبز اليومي ولا استماتتها في تغيير أوضاعها القاسية بالعلم والعمل بل اكتفى بانتقاء النماذج «السيئة» أو الفاشلة ليحرّك من خلالها أحداث مسلسله بل والخطير في ذلك هو منح هذه الشخصيات «غير المثالية» نوعا من الشرعيّة والقبول في كل ما تأتيه من سلوك وممارسات مهما كانت خطيرة وكأن بها أمرا عاديا وواقعا لابد من التسليم به ...

الهايكا ... و»الطبطبة» على الكتف
بعد أن أوشكت حلقات مسلسل «أولاد مفيدة» على الانتهاء وبعد مرور 18 حلقة على بث الجزء الثاني من هذا العمل، أصدرت «الهايكا» لفت نظر إلى قناة الحوار التونسي نظرا لأن هذا المسلسل «يحتوي على مضامين من شانها أن تكون صادمة لبعض الفئات الاجتماعية، كما أن بعض هذه المضامين من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على فئة الأطفال والمراهقين خاصة وأن المسلسل يعرض في وقت الذروة».

كما دعت «الهايكا» قناة الحوار التونسي إلى ضرورة الالتزام بكتابة عبارة « هذا البرنامج غير مناسب للأطفال دون سن 12»، لمدة 10 ثوان، و ذلك قبل عرض حلقة المسلسل على كامل الشاشة وبخطّ واضح إضافة إلى وضع علامة أسفل الشاشة، طيلة عرض الحلقة، تفيد أن البرنامج ممنوع على من سنّهم أقل من 12 سنة.كما نبّهت الهايكا إلى ضرورة ألاّ يعرض المسلسل قبل الساعة العاشرة ليلا.

وفي عودة بالذاكرة إلى رمضان 2015، فقد وجهت «الهايكا» إلى قناة الحوار التونسي تنبيها بسبب مسلسل «حكايات تونسية» استنادا للأسباب ذاتها التي تم بمقتضاها لفت نظر القناة المذكورة في رمضان 2016 بسبب مسلسل «أولاد مفيدة2». وقد ذهب البعض إلى أن موقف الهيئة العليا المستقلة لاتصال السمعي البصري «الهايكا» جاء هزيلا وبلا معنى مقابل طبيعة الدور المنوط بعهدتها كهيئة تعديلية للقطاع حيث لا يعدو أن يكون بلاغ «الهايكا» مجرّد رفع للحرج أو إبراء للذمة من خلال الوقوف في المنتصف ومسك العصا من الوسط ... كما شذب البعض الآخر تساهل «الهايكا» أمام خطورة ما يبث من مضامين على شاشة الحوار التونسي معتبرين أن قرار «الهايكا» بخصوص مسلسل أولاد مفيدة لا يتجاوز مجرد «الطبطبة» على الكتف ...

«الحوار التونسي» تمتثل ولكن ...
امتثلت قناة الحوار التونسي إلى قرار الهايكا واستجابت إلى «شروطها» فقامت بتأجيل بث مسلسل أولاد مفيدة إلى الساعة العاشرة ليلا أي بتأخير حوالي ساعة من الزمن عن موعده السابق إضافة إلى وضع علامة البرنامج ممنوع على من عمرهم أقل من 12 سنة ...

إلاّ أن محامي قناة الحوار التونسي عبد العزيز الصيد اعتبر في تصريح إعلامي أن قرار الهايكا «غير سليم وبمثابة الصنصرة» .
وصرّح محامي القناة أن التوقيت الجديد لعرض المسلسل موضوع الجدل من شأنه إلحاق الضرر بمصلحة الحوار التونسي لارتباطها المسبق بعقود مع المستشهرين.

كما أشار «الصيد» إلى أن قرار الهايكا عديم النجاعة خاصّة أنّ الإحصائيات تشير إلى نصف مليون تونسي يشاهدون مسلسل أولاد مفيدة على الانترنت.

أمام اللخبطة التي تعبث بالمشهد الدرامي التونسي من الواجب على صنّاع الدراما في بلادنا الالتزام بميثاق شرف أخلاقي وفنّي قبل التفكير في إنتاج أي عمل مهما كان بسيطا احتراما للجمهور وتقديرا لهوية المجتمع التونسي وخصوصيته...
الخطير هو منح هذه الشخصيات «غير المثالية» نوعا من الشرعيّة والقبول في كل ما تأتيه من سلوك وممارسات مهما كانت خطيرة وكأن ذلك أمر عادي وواقع لابد من التسليم به ...

المشاركة في هذا المقال