Print this page

المخرج أنور الشعافي بعد تكريمه في القاهرة لـ«المغرب»: من عوائق المسرح التونسي الاستسهال والانتهزاية وفقدان أخلاقيات المهنة

سكنه المسرح، احبّ هذا الفن وقدّم له الكثير من النجاحات والاحلام والتحديات، شغلته فكرة التجديد والتمثيل منذ الطفولة فاختار الطريق الاصعب لانجاز فنّ مسرحي

يحترم عقل المتفرج وينتصر للقضايا الكونية، المخرج انور الشعافي وبعد تجربة ابداعية تجاوزت الثلاثين عاما تمّ تكريمه في الدورة الاخيرة لمهرجان مسرح التجريب بالقاهرة.
تكريم فيه اعتراف بقدرة الشعافي على التجريب والتغيير وانجاز مسار فنّي جدّ مميز حسب تعبير أنور الشعافي في حواره مع «المغرب».
• مسرحية «كابوس انشتاين» اخر إبداعاتكم؟ ايّ ثورة سينوغرافية ومسرحية قدمتوها على الركح؟
التجريب هو هاجسي و مساري ومشروعي منذ البدايات و أنا أسعى في كل عمل أن أكون مختلفا عن غيري بل عن نفسي و أن أفتح أبوابا لم تُفتح و المسرح بطبيعته فن منفتح و كما طوّرت تقنية الممثل عن بعد في مسرحية «ترى ما رأيت» و وظفت السرك الفني كّأداة إخراجية في « أو لا تكون» وركّبت بسلاسة بين الصورة المسرحية و الصورة السينمائية في «هوامش على شريط الذاكرة» و مزجت في الحوار بين لغتين في «من ليلى إلى جولييت» و الميم في «بعد حين’ و «قبل حين» و غيرها فقد عملت على توظيف بعض تقنيات الرياضات القصوى في صميم الرؤية الإخراجية بحثا عن إيقاع مختلف لحركة الممثل على الركح و هذا الاستعمال ليس مجرد استعراض مجاني بل هو حلّ إخراجي متناسق مع مسألة الحركة في «الزمكان» حسب نظرية النسبية العامة لآنشتاين.
• كيف يعمل الشعافي في مسرحياته وأي مسرح ينجزه؟
الإختلاف عن السائد و الخيال المجنون و رفض طاحونة المسرح المعتاد و هو منهج الكسالى الذي يجعلهم يسقطون في سلفية جمالية، نحن في عصر الإيقاع السريع والصورة المتحوّلة يجدر بالمسرح أن يتجدد فلا يستكين أبدا فاستعمالي «للهوفربورد» و «السكايتبورد» في «كابوس آنشتاين» هو أيضا مغازلة لِعيْن شباب اليوم المولع بهذه التقنيات و قد عاينت إستحسان هذا لدى من حضر العرض منهم.
• الطرح الفلسفي في اعمالكم المسرحية؟ هل يسهل فهمه للمتلقي؟
تلك هي ماهية المسرح هذا الفن الذي نشأ و تطور في أحضان الفلسفة منذ الإغريق ألم يكن أول من نظّر للدراما في كتابه «فن الشعر» فيلسوفا ؟ والمسرح الذي لا يستند إلى بعد فكري ليس بمسرح وخاصية فلسفته مبثوثة في كامل عناصر العرض من أشكال و ألوان ومساحات و أصوات، المسرح هو فلسفة أو لا يكون و كل مشاهد يمكنه أن يجد فرجته في أي من مفرداته فتختلف قراءاته حسب فهمه و تقبّله و الفن هو احساس وليس درسا يُفهم أو لا يُفهم..
• بالعودة الى البدايات؟ كيف انطلقت تجربتكم مع الفن الرابع؟
بدأت المسرح و أنا طفل صغير في نادي الأطفال عن طريق «عروس القفاز» ثم تكوّنت في المسرح المدرسي ثم في المعهد العالي للفن المسرحي ثم في إقامات فنية بمسارح أوروبية و هو تكويني الحقيقي الذي يفوق أضعاف ما عرفته في هذا المعهد و رجوعا للبدايات فقد بدأت مخرجا حيث كنت أحوّل حكايات كليلة و دمنة إلى مشاهد حوارية و أقدّمها صحبة أصدقاء لجمهور الأطفال، كان هذا في مدينتي مدنين في أول السبعينات.
• بعد تجربة اعوام ماذا كسب الشعافي من المسرح؟ هل اسس لمدرسة مسرحية او افكار تشبهه وتمثله؟
الأولى أن يُطرح السؤال بشكل معكوس : ماذا كسب المسرح مني؟ فهو قد كسب صحتي و حياتي ، المسرح هو فن يقتات ممّن يمارسه بصدق، لكن رغم هذا إكتسبت حب الناس الصادقين و هذا لا يُشترى بثمن لذلك تراني مدافعا شرسا عن المسرح تجاه المستسهلين والمتنازلين والمكررين والإنتهازيين و أما من يمثّولني فهم الصادقون المجدّدون و هم موجودون لكن ساحتنا يغلب عليها الكسالى و المستنسخين وأنصاف الأمّيين.
• ما الذي بقي من تجربتكم في المسرح الوطني التونسي؟ وما هو تقييمكم للواقع الراهن؟
لقد حاول البعض طمس ما أنجزناه فنحن من رسّم أعوان المسرح الوطني و بعضهم ظل متعاقدا لثلاثين سنة و نحن من تعامل بشفافية و ديمدقراطية فلم نقدّم عملا من إخراجنا طوال إدارتنا له رغم ان القانون يسمح بذلك بل فضلنا غيرنا في إنتاجات قطعت أيضا مع دكتاتورية النوع و جعلنا لجنة اختيار المشاريع إقرارية رغم أن القانون ينص على أنها استشارية و أحدثنا جائزة النص تأسيسا لمسار اندثر أو يكاد ،و أما وضعه الحالي فإني أرى المتربصين بإمتيازات المنصب أكثر من حاملي المشروع مع التأكيد على وجود من يستحق التكليف.
• سبق وان خضتم تجربة ادارة مركز الفنون الركحية والدرامية بمدنين؟ واليوم تعيش تونس تجربة تعميم هذه المراكز؟ هل تراه قرار صائب؟ ام هناك بدائل؟
لا بد من القول أن «وزير الاسبق محمد زين العابدين عمّم المراكز دون دراسة وحالتها اليوم مثيرة للشفقة فلم يقع تنزيل مليم واحد في ميزانياتها لسنة 2022 ونحن في الشهر التاسع و أغلبها مراكز في شقق ضيقة و بعض من كُلّف بإدارتها لا يحمل مشروعا و لا تجربة، وادارة مركز للفنون للركحية في الأصل تتويجا لمسار وليس فضاء للتدرّب على المهنة و الحل في تنظيمها هيكليا وتشريعيا.
• تتابعون نقدا وفرجة الاعمال التونسية، وتحضرون في أغلب التظاهرات؟ تقييمكم للمشهد المسرحي التونسي في العشرة اعوام الاخيرة؟
كثرت «الشعوذة المسرحية» والإستنساخ من الأنترنات و المطلبية والمثير أن من يطالب هو فاقد لأخلاقيات المهنة و لم نر من يطالب بسبل الإرتقاء فنيا بالمسرح التونسي لكن نقاط الضوء موجودة و بعض شباب هم فاعلون ولي فيهم ثقة.
• كيف تشرّحون واقع المشهد المسرحي المشاكل الابرز والحلول المقترحة؟
كما قلت داء مسرحنا فقدان أخلاقيات المهنة و إختلاط حابل الرداءة بنابل الجودة و لا بد من مشروع يقلب مسرحنا عقبا على رأس لأنه الآن قد تدحرج
لابد أن تتغير منظومة الإنتاج في دعمه وترويجه و كذلك برامج التكوين في المعاهد العليا خاصة.
• كثرت في تونس المهرجانات المسرحية واغلبها تقدم نفس العروض والبرمجة؟ رأيكم في هذه المناسبات؟ هل تساهم في كسب جمهور؟ ام العكس؟
كل تظاهرة هي فعل مطلوب و محمود لكن لابد من إحداثها إستنادا إلى مشروع لأن أغلبها هو تجميع لعروض مدعومة لا غير و تقام غالبا في ظروف عرض سيئة فننتهي إلى نفور للجمهور عوض إستقطابه والإشكال سببه بعض المسرحيبن أيضا حيث أن غايتهم هو الحصول على شهادة العرض لخلاص مستحقاتهم دون هاجس فني.
• كلما انجز الشعافي مسرحية قوبلت بالكثير من الجدل؟ هل التجديد يزعج ممارسي هذه المهنة؟ ام طرحكم الفني مختلف وصعب؟
الكسالى والسلفيون والذين لا يعرفون يسحب من تحت أركاحهم كل من يجدّد ويجتهد لأنهم يقتاتون من معارفهم القديمة وكما يتبع الشعراء الغاوون يتبع المشاهدون بعيونهم التقليدية هؤلاء ، وهي إذن بضاعتهم تُردّ إليهم.
• بم تفسرون اقبال التونسي على «الوان مان شو» وعزفه على المسرح الجماعي؟
لا بد من الإشارة أولا إلى الخلط بين الوان مان شو و المونودرام و الستاند آب والسبب في إنحدار الذوق العام و سببه قنوات تلفزية تروّج لذائقة رديئة حتى أصبح المسرح مرادفا للإضحاك فتراجع المسرح الراقي.
• الا تفكرون في تخليد تجربتكم وكتاباتكم في كتاب؟
العرض زائل و كذلك الرقمي ، وحده الورقي باق ، أعتزم التفرغ للإبداع و لي فعلا مشروع كتاب علّنا نُضيف خاصة و أن العديد من أصحاب التجارب الراسخة لم يفعلوا.
• هل تعملون على انتاج مسرحي جديد؟
يأخذ مني كل مشروع زمنا طويلا في الإعداد النظري و أنا بصدد الإشتغال على مشروعين الأول مونودراما سيمثل مفاجأة والثاني عمل دولي كبير سيكون رحيق تجربتي و سيصاحبه كتاب بلغات عديدة.

المشاركة في هذا المقال