Print this page

لبؤات جبل سمامة يتحدّين الألغام في عرس الإكليل: الشهيدة خيرة الهلالي أهدت الإكليل لمسيرة الزهور في شارع بورقيبة

كان يوم الاثنين الفارط حزينا جدا في جبل سمّامة حيث انفجر لغم مضاد للمدرعات على مقتطفات الإكليل فأردى الشهيدتين شريفة وخيرة أشلاء استعصى على أهل ريف الوسّاعية جمعها كلها، هذه الحادثة الأليمة تمت تغطيتها بطريقة سطحية حسب محدثنا عدنان الهلالي الذي عرفناه هناك مرابطا مع فريقه الديناميكي منذ سنوات..

«خيرة رحمها الله أهدت الإكليل لمسيرة الزهور التي نظمناها يوم 26 مارس الفارط ورفضت أن تقبض ثمنه رغم فاقتها وهي التي كانت تجنيه من بين الألغام». رسالة خيرة وصلت إلى الشارع الكبير أشهرا قبل استشهادها ولكنّ القرّاء قلّة فالشعارات المناسباتية تغلب على الرسائل العميقة التي تأتينا من عمق الوطن، وأي عمق، هو عمقه الجبليّ الشامخ، عمقه الصنوبري العطر ذو الأنفة والعزّة والكرامة.

«ترددت قبل أن اكتب هذه الجمل عن قلب شهيدة الجبل شريفة الهلالي إكبارا لابنة عمّي وابنة همّي وفصلي ومفصلي وجبلي...فعندما انفجر اللغم المضاد للدبابات...طار قلبها..نعم طار..طار ككل العصافير..وحطّ فوق غصن صنوبرة..حطّ كقبّرة... الصورة أكبر من آلات التصوير ومن كلّ تحبير، فقلب الشهيدة شريفة وجدته قريبتها محبوبة فوق غصن شجرة صنوبر هناك حيث طاب له أن يعشّش...حبّا في الجبل وعشقا للوطن الذي لم تر منه حتى وعدا كاذبا حتى يوم رحيلها فهذه الجبال التي لا تصنع الثقل الانتخابي وتغيب فيها الانتهازية بالفطرة لذلك لا تضيّع فيها الأحزاب وقتها. لكن لهذه الجبال ثقل ثقافي إنساني سيذكره التاريخ».. هكذا حدّثنا الشاعر عدنان الهلالي ابن جبل سمامة الشامخ..

الرسالة الثانية من خيرة الهلالي ولبؤات هذا الجبل الحامل لأكثر من رمزية تاريخية وصلتنا صبيحة الاثنين الفارط، وصلتنا عند الفجر ونحن نيام عندما وصلت هي إلى عمق الجبل على الساعة الخامسة صباحا لحظة انفجار اللغم المضاد للدبابات ما يعني أنها انطلقت من بيتها الصغير على سفح الجبل عند الثالثة فجرا على الأقل...انفجر اللغم على جسدي شريفة وخيرة اللتين استشهدتا على عين المكان وتم نقل مالية الهلالي على متن هيليكبتر إلى مستشفى القصرين ثم إلى المستشفى العسكري بتونس العاصمة حيث تقيم الآن. لكن اللغم انفجر أيضا في وجه الضمير التونسي الغائب أو المستتر أو المتستّر وهو في كل الحالات غير موجود في زمن تاريخي مفصلي تحتلّ فيه جبالنا احتلالا حقيقيا بينما تقام الندوات وترفع الشعارات دون حد أدني من الحس والوعي بالخطر الداهم..

كل شعب يصعد هيمالاياه
أبرق رئيس الحكومة إلى الشابّ التونسي الذي صعد أعلى قمة في العالم ووضع عليها العلم التونسي...هنأه على هذا «الانجاز العظيم» هكذا أيضا حدّثنا الشاعر عدنان هلالي، قريب الشهيدتين، في الحقيقة هو أمر جميل فقط.. شاب يتسلق ايفرست التي تغطيها زربية ثلج رائعة..يجد متسعا من الوقت للسلفيات..أما الشهيدتان خيرة وشريفة الهلالي فتسلقتا سمّامة الملغّمة ووضعتا عليها دما حقيقيا لا مجازيا..ايفريست ليست أعلى قمّة في العالم وإّنما سمّامة هي الأعلى..

هي إحالة على حالة الخبل التونسي التي استفحلت حتى صارت التصريحات ....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال