Print this page

في ضيافة حديث نبوي: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه (2)

والحديث دل على أن مقام الإحسان له رتبتان:

الأولى: «أن تعبد الله كأنك تراه»، وذلك بأن يستحضر العبد مقام الله في قلبه، بحيث يصل إلى رتبة الشهود التي تساوي الرؤية، كما جاء في سنن ابن ماجة عن حنظلة -رضي الله عنه- «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرنا الجنة، والنار، حتى كأنا رأي العين»، وهذا لا شك يحمل العبد على إتقان عمله، وإصلاح ظاهره وباطنه.
الثانية: بأن لم يقدر العبد على الأولى، فيستحضر رؤية الله له، ومراقبته لجوارحه وسرائره، فيدفعه ذلك لخشيته والخوف منه، فيكون في الرتبة الأولى راغباً طامعاً، وفي الثانية، خائفاً راهباً.
وهو في الحالين محسن لعمله مقبل على ربه، غير أنه في مقام استحضار رؤيته لله أكمل منه في مقام رؤية الله له، فعبادة الراغب أكمل من عبادة الخائف، فقد لا يقدر العبد على تحقيق الاستحضار وكمال المراقبة، فيستعين على نفسه بالإيمان بأن الله يراه ويعلم سره وعلانيته، فيدفعه هذا الإيمان إلى الاستحياء من الله فيكف عن محارمه حياء وخشية.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
قيل: إنه تعليل للأول، فإن العبد إذا أمر بمراقبة الله في العبادة، واستحضار قربه من عبده، حتى كأن العبد يراه، فإنه قد يشق ذلك عليه، فيستعين على ذلك بإيمانه بان الله يراه، ويطلع على سره وعلانيته وباطنه وظاهره، ولا يخفى عليه شيء من أمره، فإذا حقق هذا المقام، سهل عليه الانتقال إلى المقام الثاني، وهو دوام التحديق بالبصيرة إلى قرب الله من عبده ومعيته، حتى كأنه يراه. أ.هـ

المشاركة في هذا المقال