Print this page

مسرح الحرية - السجن المدني بقفصة: مسرحية «ضياع» إخراج الأسعد حمدة

تتداخل الافكار وتتشابك في علاقة بالوطن وابنائه، صراع وتناحر من أجل السيادة، بيع للذمم وانتخاب للفاسدين وسرقة للافكار،

فرقة بسبب انتماء، مثقفون موغليون في عزلتهم و»زواولة» يصنعون ديكتاتورا بانفسهم: عينة من المواضيع التي تقدمها مسرحية «ضياع» انتاج نادي المسرح بسجن قفصة، اخراج لسعد حمدة وقد قدمت ضمن فقرة مسرح الحرية في الدورة الثانية والعشرين لايام قرطاج المسرحية.
«ضياع» هو اسم المسرحية، ضياع هي نحن، فجميعنا مسؤول عما آل إليه الوطن من تشتت أبنائه ونفورهم من الوحدة، كلنا شريك في الجريمة التي يتناحر بموجبها أبناء البلد الواحد بسبب الانتماءات الحزبية والآراء المتباينة،
«ضياع» هو عنوان المسرحية، خمسة أجساد تدخل الركح محملة بالأثقال، أجساد موهنة، وجوه شاحبة وملابس مهلهلة وكأن أصحابها ناجون من حرب ما، يرتمون على القاعة وتخرج الكلمات شحيحة لنفهم أنهم تائهون في الصحراء بسبب البحث عن مخرج ما، رحلة التائهين الخمس هي رحلة العديد من التونسيين، فالصحراء في العمل هي رمز لصحراء الجهل و التهميش وانتشار ثقافة العنف بدل الحوار، والشخصيات الخمس رمز لشرائح المجتمع التونسي، في العمل اعتمدوا الترميز وابتعدوا عن المباشرتية فوفّروا الفرصة للمتفرج ليكون شريكا في العملية الإبداعية لحلّ تلك الشيفرات والرسائل العديدة المقدمّة كامل العرض.
أجساد الممثلين تصنع ديكور العرض، حشرجة الأصوات وحركات الجسد تنقل حكاياتهم، يستطيعون التحول من حالة نفسية إلى أخرى بكل سلاسة وكأنهم ممثلين محترفين، على الركح تميز خمستهم في أداء ادوارهم وتقديم «خرافة» تشبهنا، بل هي نابعة من قصص أبناء هذا الوطن، في المسرحية ينقدون الفرقة بين ابناء البلد ويعبرون عن التأثير السلبي للشقاق بالمسرح، خمس شخصيات تائهة تبحث عن منفذ وحل، لكل كلّ يريد ان يكون صاحب طريق الخلاص، فالفاهم ابن الكتب عينة عن المثقفين الذين يحكمون اغلاق ابوابهم الزجاجية فلا يفهمون المواطن ولا يقتربون منه وتظلّ كلماته صعبة ومفاهيمه رنانة فلا يستفيد ابناء شعبه بعلمه وثقافته.
جوهر «النبار» شخصية لمن يرفضون كل المسلمات، يرفضون الموجود ويبحثون عن العلل في كل المسائل لكنهم لا يطرحون البديل ولا يشاركون في التغيير فقط يكتفون بالمشاهدة والنقد، اما البقية فهم الاغلبية الصامتة، هي من صنعت الديكتاتورية «نحنا صنعنا لمين وأمثاله»، هم من يلتزمون الصمت أمام كل الهزات ويكتفون بالأحاديث الخافتة والتعبير عن الرفض بطريقة غير مسموعة، الأغلبية الساكنة لا تستطيع التغيير متى واصلت خنوعها وتفكيرها السلبي، يجب أن نغير أفكارنا لنقدّم ونجد طريق الخلاص كما يقول في المسرحية.
«ضياع» تكشف قبح الشتات والفرقة، نقد للمجتمع التونسي وسياسييه هي صرخة ضد التهميش، ضدّ من «همشونا وحتى من الكلام حرمونا، سرقونا، فسدنا ونحبوا نحاسبوا الفاسدين، بعنا أنفسنا، ماتت قلوبنا، طريقنا واحد لكن مفرتين» فالعمل كما الصفعة ضد كل من يبحث عن الفرقة بدل الوحدة، صفعة علنا نستفيق ونعرف ان طريق الخلاص في وحدة التونسيين لا في تشتتهم بين الأحزاب.
«ضياع» مسرحية صنعها مودعي سجن قفصة، نص جريء واداء يجمع الضحكة والسخرية، تجربة جديدة لنادي المسرح داخل السجن، فرصة للانعتاق من القيود على الركح، مسرحية موغلة في النقد تشرح ظاهرة الفرقة والاختلاف، مسرحية كتبت وانجزت خلف القضبان لكنها تجسد الحرية في ابهى تجلياتها فالمسرح حرية.

المشاركة في هذا المقال