Print this page

يا ليتني كنتُ..غيابًا

يا ليتني كنت يومَهَا من النّيامٍ

يا ليتني لم أصحَ من التجاهل ومن نسيان أي نداء..
ولم أشعِلْ نار قهوتي، ولم أجلس على طرف مقعدي، ولم أتصفح جريدة علاقاتي: من كلمني ومن شاركني صورة أو كلمة تستفزني أو تضحكني أو تبكيني..
فأنا كل مزاجاتي صباحيّةٌ..
الصباح أجمل لحظاتي.. وأكثرها استيقاظا لمتاعبي وهواجسي وأسراري التي أسافر بها أينما رحت.
فيا ليتني لم أصْحَ في ذاك الصباح ولم أعِرْ انتباها لرسالته الباكرة..
لو لم أرها على فنجان قهوتي لكانت تبخرت في سماء المشاغل اليومية..
ولَكُنتُ بدأت بالقول: «ماذا يريد هذا الأبله مني؟ أما كنتُ قد تجاهلتُه؟» قبل أن تختطفني من بداية التفكير فكرة أخرى ويقاطعني طالب أو زميل أو طريق....
ولكن سمائي كانت عاليةً يومَها ..
ودفَعَتهُ الشمس في طريقي مثلما تدفع هٌدب الرحم حيوانات منوية تبحث عن ضالتها .
منذ ذلك اليوم صرت أنا الأبلهَ
الذي يضحك ويبكي ويهاجر ويعود.. ولم ينته اليوم بعدُ.
منذ ذلك اليوم صارت كل التأوهات مشروعةً
تأوهات اللذة من عشق جسده الحار..
وتأوهات ألم هذا الحب الصعب النائي كالجبال وكالبحار
كلما اقتربتَ اُبتُلِعتَ وغرقتَ ولم تَصِلِ
يا ليتني كنت جمادا
يا ليتني كنت حجرا لا يسمع
طينا لا تحركه الريح ولا يهزّه صفير العشق
ولكن الوقت تأخر على الندم «الكاذب».
أتى حبيبي
وكان الوقت متأخرا لكلينا
ولكننا أبَيْنَا الانسحاب من الزمن ومن الحدود ومن .. ذواتنا
منذ ذلك اليوم صار كل واحد منا يعلن نفسه والآخر وتلك الساعة الصباحية العجيبة
ولكننا مازلنا هنا.. أنا وهو
لا يسكتُ الحزن فينَا.. ولا يُغادِرنَا العشق
ولا نار الأمل تأبى أن تنطفأ بعد أن تخمد لساعات.
تلك الساعات التي نغضب فيها ونصمت
ونأخذ قرارات عظيمة.. «اغرب عن وجهي.. لتذهب الى الجحيم» يقولها كلانا..
لكننا.. انا وحبيبي.. لا نؤمن بالجنة ولا بالجحيم
سعادتنا وشقاؤنا فينا.. في التصاقنا وفي تجافينا
الى أين اذن تسافر هذه الحمامة المخبولة؟
على أي أرض ستستقرّ
هل نُطلِقُها..هل نذبحها... من سينقذها إذا كانت تأبى الإنقاذ؟

بقلم: روضة القادري

المشاركة في هذا المقال