Print this page

منبــــر: في تقديم كتاب هشام سكيك: « كتابـــات على الطـــريق ... »

بقلم: المنصف باني

أستاذ باحث بالمعهد الأعلى لتاريخ تونس المعاصر-جامعة منوبة 

أتوجه بالشكر إلى الزميلين الحبيب القزدغلي أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة وهشام سكيك أستاذ اللسانيات واللغة الفرنسية بنفس المؤسسة الجامعية لإتاحتهما إليّ فرصة تقديم هذا الكتاب الجديد الذي صدر في طبعة أنيقة ضمن سلسلة «منتدى التجديد» لمنشورات نيرفانا في مارس 2021 للمناضل الشيوعي الأستاذ هشام سكيك الذي اختار عنوانا طريفا لكتابه الموسوم «كتابات على الطريق... طريق إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة في تونس أفضل». وقد تزامن صدور الكتاب مع افتتاح الندوة التاريخية الدولية التي احتضنتها مدينة الثقافة من 23 الى 26 مارس الماضي والتي نظمها مخبر التراث بكلية منوبة في اطار الذكرى المئوية لبعث أول نواة شيوعية بالبلاد التونسية في مدينة فري فير (منزل بورقيبة حاليا) يوم 27 مارس 1921.
 

وقد ورد الكتاب في 327 صفحة وخصّه كل من الدكتور حكيم بن حمودة الأستاذ الجامعي ووزير الاقتصاد والمالية السابق والحبيب رمضان الأستاذ والكاتب والمراسل الجهوي لجريدة «الطريق الجديد» سابقا بتصدير بيّنا من خلاله بصفة مستقلة أهمية الكتاب من منظور فكري وثقافي وسياسي وتاريخي. فقد أتى الأستاذ حكيم بن حمودة على أهمية جريدة «الطريق الجديد» التي صدر عددها الأول يوم 3 نوفمبر 1981 إثر عودة الحزب الشيوعي التونسي للنشاط في 18 جويلية 1981  بعد سنوات من المنع والتحجير منذ 1963 وقد كان سبق الاعلان عن هذا القرار الترخيص للجريدة يوم 05 جويلية 1981. كما بين الأستاذ الحبيب رمضان في قراءة لمضمون الكتاب الدور التاريخي للمناضل الأستاذ هشام سكيك في النضالات السياسية من أجل الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وكذلك النضالات النقابية والإعلامية والثقافية على مدى عقود وأشار إلى تميزه الفكري ضمن فريق «الطريق الجديد» عبر إنتاجاته الغزيرة والمنظمة المتجسدة في مئات المقالات المنشورة على صفحات هذه الجريدة العريقة باللغتين العربية والفرنسية وذلك على امتداد حوالي أربعة عقود بداية من سنة 1981. 

فلا غرابة أن يكون  المناضل هشام كسيك قد أصدر هذا العدد الكبير من المقالات لأنه ينحدر من ذلك الجيل الذي كان فاعلا على مختلف الواجهات السياسية والثقافية والفكرية منذ سنوات الدراسة الجامعية بفرنسا في بداية الستينات الى يوم الناس هذا . وهو يمثل أحد عناصر النخبة التونسية التقدمية التي تميزت بحبها وتعلقها بالوطن وبرؤيتها النقدية للاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لدولة الاستقلال ونضالها داخل أطر تنظيمية مختلفة في الاتحاد العام لطلبة تونس والحزب الشيوعي التونسي ثم في حركة التجديد وحزب المسار الاجتماعي الديمقراطي من أجل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة وهي القيم التي ناضلت من أجلها قوى اليسار التقدمية بصفة عامة على امتداد عقود وعانت مآسي السجون – حيث كان الأستاذ سكيك من ضمن الشيوعيين والبرسبكتيفيين والبعثيين الذين حوكموا في سبتمبر 1968-  والإبعاد زمن الاستبداد السياسي والحكم الفردي وظلت وفية لمبادئها وأفكارها ولا زالت فاعلة على الساحات السياسية والفكرية والثقافية. 

وأما الكتاب الذي يتزامن صدروه مع الذكرى الأربعين لتأسيس صحيفة «الطريق الجديد»، فله رمزيّته الخاصة لما لهذه الجريدة من أهمية في موضوع حرية التعبير والفكر والصحافة وهي قضايا محورية وجوهرية في فكر النخب التقدمية العصرية من ناحية وهو يوفر من ناحية أخرى مادة معرفية ثرية في مجالات عديدة ومتنوعة على امتداد زمني طويل في حياة الفرد وهي مجالات هدفها الإنسان والمجتمع بتركيبته المعقدة والمتفاعلة عبر الزمن ضمن تاريخ البشر والنخب الاجتماعية الفاعلة والمتفاعلة مع واقعها الاجتماعي والسياسي والفكري والثقافي المتغير والمتحرك حسب سيرورة تاريخية معينة. 

وقد قسم الأستاذ هشام سكيك مؤلفه إلى جزءين كبيرين، عنوان الجزء الأول: «من أجل الديمقراطية والحريات 1981 - 2010» (ص.ص. 21 - 193)  حيث أورد فيه المقالات التي تناوات مواضيع   ذات أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وتضمنت دراسات ذات رؤى نقدية لعديد القضايا الوطنية والدولية. أما الجزء الثاني من الكتاب وعنوانه: «من أجل إنجاح الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة 2011-2014»، (ص.ص. 195 - 327)، فقد أورد فيه المؤلف   مقالاته  التي تعرضت إلى مسائل تتعلق بالتاريخ الآني في علاقة بالأحداث التي شهدتها البلاد التونسية منذ سنة 2011 وهي ذات أبعاد سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية. 

وفي ذات السياق، يمكن تقسيم البحوث المتنوعة والشاملة من حيث طبيعة المواضيع المطروحة في ظرفيات مختلفة والمتواترة التي تناولها الأستاذ هشام سكيك على امتداد عقود في مؤلفه بعمق عبر منهجية تحليلية وبأسلوب نقدي، وقد وردت مرتبة بصفة منتظمة زمنيا حسب تواريخ نشرها والتي يبلغ عددها 77 مقالا على صفحات جريدة «الطريق الجديد» بين سنة 1981 و2014 إلى المحاور التالية:

( المسألة النقابية ومنعرج 26 جانفي 1978 / الحريات العامة ومسألة الديمقراطية/ القضايا الاجتماعية في تونس في التاريخ القريب والراهن/ الإصلاح السياسي في تونس ضرورة لتطوير المجتمع /الحاجة إلى توحيد القوى التقديمة في تونس /مرحلة ما بعد 2011: تونس والانتقال الديمقراطي الصعب /تونس في مفترق الطرقات بين القوى التقدمية والقوى الماضوية..

      ضمن هذه المحاور المتنوعة التي تلخص مجالات اهتمام المناضل الأستاذ هشام سكيك يختزل الكتاب ذكريات الماضي القريب بما يتضمنه من جراحات أحيانا ومن أمل وتفاؤل يعود بالقارئ إلى حقبة مهمة من تاريخ البلاد التونسية مثّل خلالها المؤلف أحد أبناء ذلك الجيل الذي كان ولا يزال فاعلا في الحياة السياسية والفكرية والثقافية منذ ستينات القرن الماضي وهو الجيل التقدمي الذي خاض معارك كبرى بطرق سلمية حضارية عبر الكتابة والتعبير الحر من أجل الديمقراطية والحريات بما يعنيه هذا المفهوم من معان ومن قيم إنسانية في النضال الحزبي السياسي والنقابي والثقافي. ومساهمة منه في حفظ الذاكرة الفردية والجماعية دوّن الأستاذ هشام سكيك مقالاته الصحفية التي تتضمن تحاليل معمقة ورؤى وأفكارا ووجهات نظر وقراءات نقدية لواقع متغير ومتحرك سياسيا واجتماعيا وثقافيا على المستويين الوطني والدولي وهي تعكس جانبا من تاريخ المجتمع التونسي ونخبه الحاكمة أو المعارضة وطبيعة العلاقة المتغيرة بين الصنفين من تلك النخب. 

 ولذلك، تنوعت اهتمامات البحوث التي تناولها الأستاذ هشام سكيك بأسلوب نقدي وتحليلي فأتى الكتاب دسم المحتوى وغنيا بالتفاصيل. ولا شك أن هذا الكتاب يمثل إضافة معتبرة لرصيد المكتبة التاريخية في الزمنين القريب والراهن ويساهم في إثراء المعرفة بتطور الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري بالبلاد التونسية وبمحيطها الجغراسياسي على مدى عقود خاصة أن محتويات الكتاب تطرح إشكاليات مهمة جدا في تاريخ تونس وموقع نخبها المثقفة والتقدمية ومدى فاعليتها في تطور المجتمع التونسي في التاريخ القريب والراهن وكلها مواضيع يمكن أن تفتح مجال الاهتمام في البحث الأكاديمي على الهواجس الاجتماعية والسياسية والثقافية وتدعو إلى مزيد التأمل والتعمق في قضايا ومسائل معقدة لا تزال مطروحة بكل جدية في التاريخ الآني وهي موجودة في الذاكرة والثقافة والواقع المعاش في علاقة بالوعي بأهمية الماضي القريب من ناحية وباستشراف المستقبل من ناحية أخرى ضمن مقاربات بحثية متنوعة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية. ولكل ذلك أنوه بما قدمه المناضل الأستاذ هشام سكيك في هذا الكتاب من تجميع لمباحث قيمة ومهمة جدا موجهة

لعموم الناس في لغة متينة وسهلة وواضحة اصطبغت بأسلوب سلس. والمحصلة، يعد هذا الكتاب مرجعا لا مندوحة منه لعدد من المسائل التي يمكن إدراجها ضمن المفاتيح التالية: الديمقراطية الاجتماعية، الحريات، اليسار التونسي، حقوق الإنسان، المعارضات، العنف السياسي، السلفية الدعوية والجهادية، النخب، السلطة، الانتقال الديمقراطي، وكلها محاور اهتمام للبحث ويمكن أن تساهم في فتح الآفاق لمواضيع تسمح بمزيد التوسع والتعمق في دراسة تاريخ البلاد التونسية الاجتماعي والسياسي في الزمنين القريب والراهن. 

المشاركة في هذا المقال