Print this page

فيديو كليب «وحش السرا» لعفاف سالم: الفن يحفظ الذاكرة ويحرس التراث ...

الفن وسيلة للتخاطب، الموسيقى صوت الروح وحديث خلجات القلب، الموسيقى ذاكرة وحديث الذكريات والأغاني التراثية

عنوان لذاكرة جماعية تجمع التونسيين، ذاكرة الحب و الترحال والغربة، والأغاني التراثية وعاء يوحد الكثير من التونسيين الذين يأخذهم الحنين الى الماضي.
في رحلة الحنين تعود الفنانة عفاف سالم الى التراث الكافي وتعيد اغنية «وحش السرا» في فيديو كليب تتوفر فيه كل الوسائل التقنية ليكون فيلم، الكليب من اخراج علي ضيف الله وتمثيل دليلة المفتاحي وابراهيم فزاني واماني عبد اللاوي وتوزيع الاغنية لحمدي مهيري.
الكليب - الفيلم: تماهي الصورة مع الاغنية
الصورة مبهرة الكاميرا تنقل التفاصيل وتكبرها لتبدو واضحة للمشاهد، تفاصيل الوجه وحركة رموش العين تفاصيل النظرات والابتسامة كذلك تفاصيل المكان وجزئياته، خمس دقائق من المتعة ابدع في تصويرها المخرج علي ضيف الله، فالكليب يبدو وكأنه فيلم توثيقي لحدث ما، الكليب توثيق لقصة حب ومحاولة لإعادة تجسيدها بطريقة سينمائية مميزة تشد انتباه المشاهد ليكمل الفيديو كليب الى نهاية الجينيريك.
«وحش السرا» اغنية من التراث الكافي، اعادت غناءها الفنانة الشابة عفاف سالم، الاغنية تنقل قصة حب رجل من «سيدي بوزيد» او قمودة كما كانت تسمى سابقا بامرأة كافية «وحش السرا وبرودة، على من عزم شرّف على قمودة»، قصة حب نمت في حضن البيدر والسنابل فصل الصيف وقبل الرحيل والعودة الى الديار بعد بداية تهاطل امطار «غسالة النوادر» نظم قصيدا غزليا الى معشوقته، كلمات وصف فيها لوعة البعد والخوف من الفراق، القصيد تداولته النسوة ليصبح اهزوجة للحب والفراق وتصبح الاغنية من التراث الكافي تحضر في الاعراس والمناسبات.
«وحش السرا» الاغنية التي عادت للظهور بقوة بعد مسلسل النوبة2020 (اتقنت اداءها الممثلة منى التلمودي وأصبحت الاغنية تتردد في مواقع التواصل الاجتماعي)، هي قصيد للحب وللحياة اغنية لها بعدها التاريخي والاجتماعي اغنية تنقل قصص الترحال بين الشمال والوسط والجنوب، الاغنية تبين ان «فريقا» اي «الكاف جندوبة سليانة» كانت نقطة تجمّع صيفا للحصاد قبل ان يعود الناس الى مواطنهم في فصل الشتاء:

لوكان جاء الغريب يوطـّن
يا ولفتي
لوكان جاء الغريب يوطـّن
لوكان جاء الغريب يوطـّن
صدري عل صدرك بالحرير مبطـّن
الاغنية تنقل ثنائيتي الغربة والترحال، تنقل معنى الغربة والاغتراب وكيف يهوّن الحب وجع البعد ليزرع في القلوب وجعا آخر هو الفراق بعد اللقاء، «وحش السرا» التي اخرجها علي ضيف الله بدت الكلمات متماهية مع المكان و اداء المغنية والممثلين فبدت وكأنها فيلم وثائقي قصير.
في الكليب - الفيلم تتدرج الكاميرا من الصورة الشاسعة لتضيق تدريجيا وتقوم بالزوم على التفاصيل، «الكادر» الكبير ينقل جمال المكان وكلما صغر حجمه واقترب من احساس الممثلة او المغنية التي جسدت دور الفارس، في «وحش السرا» اعاد توزيع الاغنية حمدي مهيري وايقاع ميدو بوعزيز وقصبة محمد بن صالحة وإضاءة لياسين قادرة وحمزة الغربي وتصوير محمد فوزي الحباشي وعلي ضيف الله مع الحفاظ على كلمات الاغنية ولحنها الاصليين دون ّتهذيب» او تعسّف، في الاغنية يخترق صوت عفاف سالم القلب بلباسها التقليدي ووشام يزين الجبين مع زي الفرسان وسحر المكان تكتمل الصورة لتصبح كما «العروس» يوم زفافها بهية وجميلة.
عبق التاريخ والذاكرة وسحر الاداء
تماهى الجمال مع القوة، اتحد سحر المكان مع اتقان الممثلة للدور، في كليب «وحش السرا» تدغدغ النغمات الذاكرة وتحاول ان تخرج عنوة صور مخزنة ربما منذ سنين، صور ستتدافع لتخرج امامك بهية وجلية بهاء الممثلة دليلة المفتاحي التي جسدت دور الام في «الكليب» وواضحة وضوح القرية البربرية «تكرونة» المتربعة فوق الجبل منذ مئات الاعوام تخبر من يمرون من الطريق الوطنية رقم1ان تلك القرية الصغيرة شامة في جبين البلاد، شامة عزة وجمال.
«تكرونة» الهادئة كانت فضاء لتصوير الكليب، «تكرونة» المعشوقة الازلية المحافظة على منازلها التقليدية ولونها الابيض المميز مع القباب الخضراء كانت فضاء ليكتشفها متابعو الكليب لان الكاميرا نقلت تفاصيل المكان تجولت في ازقتها ونقلت للمتفرج لون الابواب والحجارة المميزة المتراصة كحبات اللؤلؤ بكل دقة، صورت بقايا الحصاد والجبل الشامخ هناك يحرس القرية كأنه يحرس الذاكرة ويحمي التراث.
بالتخليلية التقليدية حمراء اللون و «البخنوق» الموشى بالألوان مع الوشم الازرق على الجبين والوجنتين جسدت دليلة المفتاحي الدور بدت شامخة كالارض دليلة المفتاحي في الفيديو كليب كانت عنوانا لتونس الاصيلة تونس الريف والاعماق، عنوان للمرأة القوية والصامدة تلك التي تجلس لساعات خلف الرحى فقط لتنسى الوجع.
«وارحي الرحى وارتاحي
يا ولفتي
وارحي الرحى وارتاحي
غقب الليل اسلهبي وارَّاحي»
في الكليب بدت المفتاحي مثالا للمرأة المحبة للحياة رغم الوجع في الدور تشبه كثيرا تونس هذا الوطن المنهك والمثقل بالمحن لكنه صابر صبر الحبيب على فراق حبيبته، في الكليب اتقنت دليلة المفتاحي الدور وأبدعت في تقمص الشخصية بدت صادقة وكأنها تنقل وجعها الحقيقي، دليلة المفتاحي ممثلة محترفة وصادقة كانت كما الام التي تنتظر ابنتها الفارسة لتخرجها من الوهن، شان تونس التي تنظر أبناءها الصادقين لينقذوها من شبح التمزق والفساد والفتنة.

تراثنا جميل لا يحتاج إلى تهذيب
«وحش السرا» اغنية من التراث الكافي، قصة حب وفراق غنتها عفاف سالم كما هي، غنت كلمات دون تحريف او «تهذيب» وحافظت على الصور الشعرية الغزلية التي كتبها عاشق ما لمحبوبته، الاغنية جميلة وصورها الشعرية جريئة اذا تمّ تحصيل الكلمات وتفكيك المشاهد سيميائيا ولكن الفنانة خيّرت ان تحافظ عليها وتغنيها كما هي على عكس الكثيرين ممن يعيدون اغاني التراث ويغيرون الكلمات بتعلة التهذيب، فهل أن تراثنا يحتاج تهذيبا؟ هل جرأة الاجداد اصبحت «عيب» يخجل منه الاحفاد اليوم؟ وهل أن الصور الشعرية العفوية أصبحت تزعج نجوم اليوم؟.
أماني عبد اللاوي: الفارسة الفاتنة
تونسية الهوى والانتماء، فارسة شامخة شموخ هذه الأرض نجمة المهرجانات ونجمة مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الاخيرة لقدرتها الرهيبة على ركوب الخيل والسباق، الفارسة اماني عبد اللاوي التي ورثت حبّ الفروسية عن والدها في اولاد حفوز من ولاية القيروان ، اماني عبد اللاوي الفارسة المميزة شاركت في التمثيل في الكليب الجديد، اماني التونسية الحرة والشامخة لازالت تحافظ على الهوية التونسية وتحافظ على ممارسة الفروسية رغم صعوبتها، تونسية متمسكة بما ورثته عن اجدادها ومع جيل الانترنات لازالت تقاوم وتركب الخيل، والفروسية من الموروث المادي التونسي، جزء من الذاكرة والتراث يحب صيانته والحفاظ عليه من الاندثار.

المشاركة في هذا المقال