Print this page

ثورة الألوان في أعمال الفنان سليمان الكامل: خلف كل الألوان الزاهية صرخة للحب والحياة

الفن التشكيلي بحر من التجديد ولكل فنان أسلوبه في التعبير ولكل لوحة خفايا وأسرار يعرف الرسام وحده كنهها وجماليتها، الفن التشكيلي شباك

مفتوح على مصراعيه يلوح عبره الفنان لقيم الحرية والحياة ويتصيّد ثنايا الامل ليتشبع بها ثم يعيد صياغتها في أشكال وألوان مختلفة.
وسليمان الكامل من الرساميين التونسيين الذي يسكنه شغف بالألوان فجل أعماله ناطقة بثورة لونية تصنع فرجة بصرية مختلفة، الفنان ابن المزونة من ولاية سيدي بوزيد فيها تشبّع بألوان الطبيعة التي اثرت في ذاكرته البصرية ليقدم اليوم لمحبي الفن التشكيلي لوحات تجمع الذاتي والموضوعي والألوان وسيلته للقفز من قصة الى اخرى ومن محور نقدي الى محور نقدي آخر.

الفن اسلوب للمقاومة
الفن اسلوب حياة، الابداع طريقة لتماهى الروح مع العقل والرسم وسيلته لينحت كل جديد، مطيته للنقد والحلم معا، من مدينة المزونة من ولاية سيدي بوزيد ولد الحلم، تحديدا في قرية «الفرح» بعيدة عن المدينة هناك بدأت الافكار الاولى تتوالد واتضحت خيوط الجمال عند الطفل سليمان الكامل فاختار قلم الرصاص وبدأت قصة حبه وشغفه بالرسم وأصبح اليوم الفنان التشكيلي الذي تجوب لوحاته كل دول العالم لتنقل اسلوب حياة فنان عشق الرسم واختاره دينا للحياة فكانت اعماله تعبر عن قوة كتلك التي اكتسبها الطفل من شموخ جبال بوهدمة وقساوتها.

أعماله تعكس قوة داخلية وصراع ازلي بين الذاتي والاجتماعي والوطني، اعمال سليمان الكامل ليست بمعزل عما يعيشه وطنه، في لوحاته تكون الالوان الحارة عنوان لثورة داخلية عايشها الفنان لتصبح ثورة اجتماعية عرفتها سيدي بوزيد قبل ان تصبح عنوان لتونس الحرة.

لوحاته عبارة عن صرخات داخلية تطلقها روحه ضدّ الفقر والجهل والتهميش التي عايشها في قرى فراج وفرفار وتابوع وواد الدم والمزونة والفرح والعواينية والغرساية، فنان كلما تأملت في احدى اعماله ستجد لتونس صداها في العمل فالرسام يؤمن انّ الفن رسالة ورسالة سليمان الكامل تعرية كل اشكال القبح السلطوي والسياسي ونقد التهميش الاجتماعي والتميز بالألوان، و بحركة الريشة التي تتحرك على اللوحة البيضاء بحدة كأنها الاخرى تعبر عن رفضها للموجود وتراقص الالوان الاحمر والأسود والأصفر لتصنع ثورتها الخاصة.

الرسم والفن التشكيلي ليس للهواية او لمجرد التعبير بل هو سلاح الكامل لنقد الواقع، حركات الريشة تكتب الصراع الذي يعيشه ابناء المزونة في مطالبتهم الدائمة بالحق في الثقافة وفي عدالة اجتماعية، اعماله عند جمهور الفن التشكيلي في دول العالم باتت صورة للتونسيين المتمسكين بحقوقهم والمطالبين بالعدالة ونظام سياسي يضمن الديمقراطية في هذا البلد الصغير جغرافيا، وبالألوان الداكنة الحارة يطرح الكامل اسئلته عن الوطن وعن الحرية وعن الثورة، فالرسم حياة هو توليد للأفكار وصرخة للحب للجمال والفن حبّ.

الذاكرة مخزن للإبداع
تتمازج الألوان وتتماهى الافكار تختلف التقنيات لكن الهدف واحد وهو تقديم أعمال تمثل صاحبها أعمال تعكس ولعه بالألوان وحبّه للتجديد ولمشهد ابداعي مختلف، صور القرية البعيدة لازالت محفورة في ذاكرة الرسام، لو تأملت لوحاته لوجدت القليل من اخضرار الاشجار المقاومة للجفاف، الاصفر الطاغي احيانا هو لون البؤس لون الوحشة في القرى الريفية المتشوقة للماء ومن بؤس الاصفر وقسوته تولد الالوان الزاهية كأنّ بالفنان يحيل الى ولادة الحلم والأمل من الالم دوما.

يجمع الكامل في لوحاته بين تقنية «الكولاج» والرسم، لوحاته ميزتها كثرة الالوان المتراكمة والمتكاتفة في لوحة واحدة، الالوان قد تكون انعكاسا لما يعيشه الفنان من تناقضات في تونس فالألوان الزاهية التي تحيل الى الهدوء والأمل والجمال تتحد مع الالوان الحادة التي تثير الذاكرة البصرية وتحفزّ الحواس وكأننا بالرسام يخبر المهتمين بالفن التشكيلي أنّ الفنان خليط من كل تلك الأحاسيس فالرسام نجده أحيانا هادئ كما اللون الازرق الممتع وفي الوقت ذاته يسكنه بركان ذاتي يتماهى مع اللون البرتقالي القاني ومن كل تلك الاحاسيس المتناقضة يصنع الرسام لنفسه طقوسه الفنية وعوالمه السيميائية التي يحاول ان يبدع فيها.

الابداع في لوحات سليمان الكامل ينطلق من رغبة ذاتية في التجديد، فالرسام ينقل ما تخزنه ذاكرته من مشاهد ليعيد تركيبها وتوزيعها وتجديدها بألوان اخرى وطرق مختلفة في الرسم، ما خبّأته الذاكرة يلطّخه على الورق الابيض فتحدث الثورة البصرية والجمالية في لوحاته وأعمال سليمان الكامل ينطبق عليها تعريف الابداع بما هو الايتيان بجديد او اعادة تقديم القديم بصورة جديدة او القدرة على تكوين وإنشاء شيء جديد او دمج الاراء القديمة والجديدة في صور جديدة باستعمال الخيال وتطوير الموجود وفي لوحاته يطبق الكامل هذا التعريف فيمزج الواقعي بالخيالي وينطلق من مشاهد وصور ذاتية لإنشاء اعمال جمالية ذات بعد رمزي ونقدي.

يقولون انّ الفنان ابن بيئته وأعمال سليمان الكامل تنحاز لبيئته وتنطلق منها، كل عمل فني هو نصّ نقدي مكتوب ربما لو تحوّل الى كلمات لكان في شكل مجلدات تنقد مواضيع اجتماعية مثل البطالة والفقر والتهميش وأخرى ذات بعد وطني مثل الصراع على الكرسي والتكالب على المناصب دون مراعاة المصلحة الوطنية، اللوحات التشكيلية تشد الناظر اولا من خلال كثرة الالوان ثمّ يمكن تقسيم اللوحة الى جزيئات صغيرة ليصبح كل حزء لوحة مستقلة بذاته وموضوع نقدي يصبح مادة للبحث والمتابعة، وفي جميع لوحاته ينحاز الفنان تقريبا للوطن وللمرأة ولحقوقها ويرسمها بكل الحبّ ليقدمها شامخة موشاة بألوان ممتعة مثل شامة الحرية.

المشاركة في هذا المقال