Print this page

هويتنا الدينيّة: قصيد الشيخ إبراهيم الرياحي في التضرّع من الطاعون

هذا القصيد نظمه الشيخ الزيتوني إبراهيم الرياحي في التضرّع إلى الله والاستغاثة به من الوباء :

ففي شهر أوت من سنة 1818 م وقع بالبلاد التونسية وباء الطاعون و مات به أعيان من أهل العلم ووصل عدد من مات به في الحاضرة أكثر من الألف في بعض الأيام .. وافترق الناس إلى قسمين ؛ قسم يرى الاحتفاظ و عدم الخلطة بالعمل المسمّى بالكرنتينة وفي مقدمتهم شيخ الإسلام محمد بيرم و قسم لا يرى الاحتفاظ و يرى التسليم إلى مجاري القدر ..
و فيه أنشأ الشيخ العلامة إبراهيم الرياحي إمام جامع الزيتونة المعمور استغاثة رضي الله عنه فيما اختاره من خزائن الدعاء و التضرّع إلى الله تعالى قال فيها :

يا إلاهي وأنت نِعْمَ اللّجاءُ --- عَافِنَا واشفِنا فمنك الشّفاءُ
إنّ هذا الطاعون نارٌ تَلَظَّى --- لقلوب التوحيد منها اصْطِلاَءُ

كم جموعٍ تمزّقت وقلوبٍ --- وسرورٍ طارت به العنقاء

ودموعٍ كالدرّ تُنْثَرُ نثراً --- في خدودٍ تَوْرِيدُهنّ دِماء

ووجوهٍ مثلِ الشّموس توارت --- لو تراها إذا أُزيل الغطاء

أُكرمت بالتراب فرشا وكانت --- ربّما ضرّها الهوا والماء

 

ذاك من ذَنْبِنَا العظيمِ كما قد --- جاءنا عن نبيّنا الأنباءُ
يغضب الله بالذنوب فتسطو --- حين تطغى بوخزها الأعداء

هو لا شكّ رحمةٌ غيرَ أنّا --- يا قويّ عن حملها ضعفاء
كم وكم رحمةٍ لديك وتعطي --- ها بلا محنة إذا ما تشاء

رَبَّنَا رَبَّنَا إليك التجَأْنا --- ما لنا ربَّنا سواك الْتِجَاءُ
بافْتقارٍ منّا وذُلٍّ أَتَيْنَا --- ما لنا عِزَّةٌ ولا استغناء

نَقْرَعُ البابَ بالدّعاء ونرجو --- فَلَنِعْمَ الدُّعَا ونِعْمَ الرّجاءُ
أَبْقِ يا ربَّنا علينا وَدَارِكْ --- باقياً قَبْلَ أن يَعُمَّ الفناء

لم نكن دون قَوْمِ يونُسَ لمّا --- آمنوا حين بالتمتّع باؤوا
قد كشفتَ العذاب عنهمَ لِحينٍ --- ثمّ ماتوا وما لِخَلْقٍ بقاء

ولنا سيّدُ الأنام رسولٌ --- دُونَه الأنْبِياءُ والشُفَعَاء
ولنا عند ربّنا قِدَم الصّد --- قِ ونحن الْخِيَارُ والشّهداء

والكتابُ العزيزُ نورٌ مُبِينٌ --- بيننا تنجلي به الظّلْمَاء
وَلَوَ أنّ العُصاةَ فينا فمنّا --- مَنْ إذا ما دَعَوْا أُجِيبَ الدّعاء

ربَّنا جاء من نبيّك وَعْدٌ --- في حديثٍ رُوَاتُه أُمَنَاءُ
ارْحَمُوا مَنْ في الأرضَ يَرْحَمْكُمُ ---اللّهَ تعالى وتُرْحَمِ الرُّحَماءُ

فَلأَنْتَ الأَوْلَى بذلك فَارْحَمْ --- رَحْمَةً تنتفي بها البَلْوَاءُ
فلقد زاغت البصائر منه --- وعيون الورى به عَمْيَاءُ

ما لذي الحلم عنده من ثَبَاتٍ --- لاَ وَلاَ صَابِرٌ لَدَيْهِ عزاء
ضاق أَمْرُ الورى وأنت الْمُرَجَّى --- وسطا ذا الوبا وعَزَّ الدّواء

والكتاب العزيز بشّر باليُسْ --- رَيْنِ في عسرنا ومنك الوفاء
وكَفَانَا سَيَجْعَلُ اللُّه يُسْراً --- بعد عُسْرٍ والوعد منك لقاء

فَجَدِيرٌ أن يأتِيَ اليُسْرُ فَوْر --- وحقيقٌ أن تذهب البأساء
وصَلاَةُ الإلاه ثمّ سلامٌ --- للإمام الذي به الاقتداء

أحمدَ المصطفى الشّفيعِ إذا ما --- قال كل نَفْسِي وإنّي براء
إِذْ يقول الرّسولُ والحمد شغل --- فيُنَّادى لك الْهَنَا والرّخاء

يَا لَهُ مَوْقِفاً عزيزاً تجلّت --- عن جميع الورى به الضرّاء
ورضاه الأتمُّ يُهْدَى لِصَحْبٍ --- بعد آلٍ ومن حواه الْعَبَاءُ

ولكلّ الأتباع في كلّ قَرْنٍ --- مَا لَهُ بانْقِضا الزمان انقضاء
أيّها المؤمنون تُوبُوا جميعا --- أيّها النّاس أنتمُ الفقراء.

المشاركة في هذا المقال