Print this page

«الكورونا» وآثارها على الصحة النفسية: أكثر ضحاياها من النساء... ومختصون متطوّعون في عيادة «أحكيلي»

«إن الخروج من شيء إلى شيء، يجد الإنسان فيه دائما معاناة ورهبة، إنه لهذا يهاب الموت.

ويهاب كذلك تغيير عقائده وأزيائه النفسية...» فلم يكن من اليسير على العالم بأسره الانتقال من حالة الحياة الطبيعية إلى وضع الذعر من خطر وباء»كورونا» والضجر من البقاء في المنزل سيما وأن وقت انفراج الأزمة غير معلوم، وقد تطول المحنة إلى أجل مجهول!

قد يكون الحجر الصحي خيارا ضروريا لا مفر منه للحفاظ على سلامة المواطنين والأمن الصحي للشعوب، لكن من الصعب أن يمر هذا الطارئ والظرف الصعب دون أن يخلّف تبعات سلبية محتملة على الصحة النفسية للأفراد !

«أحكيلي» عيادة نفسية مجانية عبر الهاتف
إن قال سيغموند فرويد إن «الضغوط النفسية تغيّر الشخص من مرح إلى كتلة من الصمت»، فقد تدّخل عدد من الأخصائيين في الوقت المناسب للتخفيف من وطأة الأزمات النفسية على المواطنين وهم في الحجر الصحي. وحتى لا يتحوّل الصمت إلى تراكمات من المخاوف والآلام والأحزان... تمّ بعث المنصة الرقمية «احكيلي» تحت شعار «برشة وجيعة ما تتشافش، أما تتحكى».

كيف نشأت فكرة «احكيلي» وهي عبارة عن عيادة نفسية تقدّم خدماتها عن بعد؟ كيف يمكن الاستفادة من خدماتها في الصحة النفسية؟ وأي دور لها في ظل أزمة الكورونا؟

إشترك في النسخة الرقمية للمغرب

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د


عن هذه الأسئلة، أجاب الأخصائي النفسي غيث السويسي في تصريح لـ»المغرب» بالقول:» جاء بعث المنصة الرقمية «احكيلي» نتيجة فكرة مشتركة بيني وبين الصديقة لمياء الشوك، لتكون بذلك هذه المبادرة هي الأولى من نوعها في تونس وإفريقيا والعالم العربي. وتعمل منصة «احكيلي»على توفير الإحاطة النفسية بمختلف اختصاصاتها عن طريق الاتصالات الهاتفية...وذلك من أجل تسهيل الوصول والحصول على خدمات الصحة النفسية. وكان هدفنا وضع أخصائيين نفسيين عبر الهاتف على ذمة سكان المناطق المحرومة من وجود عيادات الصحة النفسية، وأيضا أصحاب الحاجيات الخاصة على وجه الخصوص مناطق خدمات صحية نفسية أصحاب الحاجيات الخصوصية الذين يتعذر عليهم التنقل إلى مقر العيادة، وكذلك كل المواطنين الذين لا يجدون الوقت الكافي لزيارة العيادة وانتظار الدور إلى آخره... ولا يجب أن نغفل أن إطلاق مبادرة «احكيلي» يهدف إلى سدّ النقص إزاء الأرقام المفزعة لعدد عيادات الأخصائيين النفسيين في تونس بالرغم من تزايد حالات الانتحار ومعدلات العنف والجريمة... حيث لا يتجاوز العدد 33 عيادة، أي بمعدل أخصائي نفسي واحد لكل 350 ألف ساكن! «

وإن كانت المنصة الرقمية «احكيلي» باعتبارها شركة خاصة، تقدّم خدماتها في الصحة النفسية بمقابل لا يتجاوز ثمن 650 مليم للدقيقة الواحدة، فقد انخرط أصحابها في موجة المدّ التضامني للمجتمع التونسي للتقليص من مخلفات أزمة الكورنا. وذلك بإعلان الأخصائيين النفسيين عن تقديم خدماتهم تطوّعا مجانا. ولا يتحمّل المتصل سوى كلفة الاتصال التي تختلف من مشغل هاتف إلى آخر وحسب عرض المكالمات الذي يختاره الحريف. وفي كل الحالات لا يتجاوز الثمن الأقصى للاتصال 40 مليما للدقيقة الواحدة.

نصائح المختصين للتغلب على القلق النفسي
لم تعد الحاجة إلى المرافقة النفسية ترفا أو أمرا يستدعي الخجل كما يروّج لذلك البعض إذ تزداد الحاجة إلى الأخصائي النفسي في عصر السرعة والروتين ... فما بالنا بزمن الكورونا والعالم كله في قلق وذعر !؟ وفي هذا السياق أعلن المشرفون على المنصة الرقمية «احكيلي» وضع كامل الطاقم المتكوّن من أخصائيين نفسيين بشكل تطوعي على ذمة وزارة الصحة ووسائل الإعلام في كل الحملات التحسيسيّة والإرشادية الموجّهة للمواطنين بهدف طمأنتهم والحدّ من حالة الهلع الجماعيّة المتعلّقة بفيروس الكورونا.

هم 8 من الأخصائيين النفسيين في اختصاصات مختلفة (علم النفس الإكلينيكي، الطفولة، المراهقة، الشغل، الإدمان...) تجنّدوا ليلا نهارا للاستماع إلى هواجس المواطنين و تطوّعوا ليكونوا آذان صاغية ومصدر إرشاد ونصيحة للمتصلين على الرقم 73 79 60 70 ضمن منصة «احكيلي».
وعن عدد الاتصالات التي يتلقاها المختصون في منصة «احكيلي» وشرائحهم العمرية ومستواهم التعليمي، أفاد مؤسس هذه المبادرة غيث السويسي أنه تم تسجيل 2278 اتصال هاتفي منذ يوم 20 مارس الجاري إلى حدود الأمس، أي بمعدل ما يقارب عن 148 ساعة إنصات للمرافقة والمساعدة النفسية.

تحتل النساء نصيب الأسد من معدل الاتصال بمنصة «احكيلي» بنسبة 77.71 % . كما يتصدر أصحاب التعليم العالي معدل الاتصالات بالأخصائيين النفسيين بنسبة تفوق58 %.

وحتى يكون التونسيون في صحة نفسية جيدة والخروج من أزمة الكورونا بأخف الأضرار، ينصح خبير التنمية الذاتية غيث السويسي بعدم المبالغة في متابعة نشرات أخبار الكورونا والاكتفاء بنشرة واحدة يوميا. وأيضا بمنح الثقة لمؤسسات الدولة على غرار وزارة الصحة وعدم الانجراف وراء صفحات الإشاعات والأخبار المغلوطة على صفحات التواصل الاجتماعي. وأيضا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع الآخرين فقط لا كمصدر للمعلومة والأرقام ... للتخلص من سيطرة مشاعر القلق والخوف والرعب بسبب أزمة الكورونا التي لا تهدد الجسد فقط بل وكذلك الصحة النفسية.

المشاركة في هذا المقال