Print this page

فيلم «أمينة» لأيمن زيدان ضمن مهرجان أسبوع أفلام المقاومة والتحرّر: يا نساء سوريا ابعثن في الوطن وقود الحياة وشيفرات الأمل

سيدة الأرض والفعل، من رحمها تولد الحياة كما يولد الخصب من رحم الأرض من ثقتها تولد القوة كما تينع زهرات الأمل

من وسط حجارة الجبل من تمسكها بأرضها ووطنها تبعث تفاصيل الحياة تماما كما طائر الفينيق المنبعث من رماده دوما، فالمرأة كائن مقدس هي الأرض والوطن والحياة هي آلهة البعث والولادة هي الام «جايا» في صمودها أمام تجبّر ووزر حرب «بوليموس» ونباله التي أصبحت قذائف في الحرب السورية، هي المرأة باعثة الحب والموت من الخراب، هي «امينة».

و«أمينة» عنوان أوّل فيلم روائي طويل يقوم بإخراجه ايمن زيدان وقد عرض في قاعة عمار الخليفي بالمكتبة السينمائية التونسية في إطار أسبوع أفلام المقاومة، «امينة» فيلم ينتصر لنضالات المرأة السورية وهو عن نص لأيمن زيدان وسماح قتال وبطولة نادين الخوري وقاسم ملحو وجود سعيد ورامز الأسود ولمى بدور وحازم زيدان وعبد اللطيف عبد الحميد ولينا حوارنة وموسيقى لسمير كويفاني وتصوير وائل وعقبة عز الدين.

المرأة باعثة الحياة من الدمار
مناظر طبيعية خلاّبة، غابات السنديان والبلوط مع انعكاس الشمس تصنع لوحة فنية أبدع المصورين في التقاطها، «الكادر» السينمائي مبهر منذ بداية الفيلم، مشاهد ممتدة وعلوية لريف «دريكيش» من مدينة «طرطوس» السورية هناك حيث لازالت الحياة الريفية والعمل الفلاحي سيدا الموقف حيث اختار ايمن زيدان تصوير فيلم «امينة» فالريف لم يعرف تدمير البنايات كما المدن «حمص، ادلب، حلب» وغيرها، فلا وجود لمشاهد القصف او الدمار، في الفيلم فقط أشجار البلوط والسنديان تعانق السماء عنوانا للشموخ، لكن الحرب تركت آثارها النفسية على سكان المكان ومنهم «أمينة» التي ستتبع الكاميرا خطواتها في إعادة بعث الحياة من الدمار.
«أمينة» فيلم ينتصر للمرأة ويؤكد آن المرأة قادرة على إعادة تعمير سوريا، فالمرأة كانت دوما عنوان الولادة، عنوان الأمل والقوة ومن قوتها ستعود الحياة والإعمار إلى كل المناطق السورية التي دمرتها الحرب.

بعيدا عن مشاهد القصف والخراب، امرأة سورية دمرتها الحرب، امرأة وجدت نفسها دون عائل، توفي الزوج تاركا ديونا مرتفعة، ابن عسكري مقعد تماما بعد انفجار قذيفة في الحرب «شب مثل الوردة كان يهدّ الحيط، وبلحظة صار مثل الخشبة المرمية» وابنة لازالت تطلب العلم وتحلم بالنجاح في الدراسة «لا تسرقي فرحتي بنجاحك»، كلّ هذه الظروف وصعوباتها تواجهها أمينة بقوة وصبر ليكون الفيلم عنوانا للمحنة التي تمرّ بها سوريا، محنة ستنفرج إذا عمل أبناؤها بحبّ كما فعلت أمينة في الفيلم.

في «أمينة» تركز الكاميرا على التفاصيل، تغوص في ملامح شخصية «امينة» التي أتقنت تفاصيلها الممثلة نادين خوري، أتقنت جيدا لحظات الخوف والفرح، الرهبة والأمل،شخصية مركبة تسكنها ثنائية الألم والأمل، إجهاد في عمل الفلاحة والشؤون المنزلية والاهتمام بالابن المقعد والتفكير في مستقبل البنت، كلها تفاصيل تبرع الممثلة في تقمصها وإيصالها للمتفرج وكأنها الحقيقة واختيار نادين خوري نقطة قوة تحسب للفيلم وللممثلة المتميزة في أداء الشخصية، وكانت الغاية من التركيز على التفاصيل حمل المتفرج الى عوالم المرأة النفسية وإبراز تأثيرات الحرب على المرأة السورية.
«أمينة» اسم مقصود فمعناه الوفاء والإيمان بقضية ما، وفاء الشخصية لأحلامها، إيمانها بأمل يسكنها يخبرها بقدرة ابنها على المشي مجددا، وفاؤها لحلم نجاح ابنتها وتحقيق السعادة وبعث دفء النجاح في البيت، وفاؤها لنفسها كامرأة تؤمن أنها خلقت لتكون فاعلا لا مفعولا به، وفي النهاية «أمينة» هي كناية عن سوريا فكما قاومت أمينة كل معيقات الحرب ووزرها لتعيد الحياة إلى «البيدر» بعد احتراقه بالكامل كذلك سوريا قادرة أن تعود أجمل وتمحو عنها ثقل الحرب متى اتحدت نساؤها على إعادة الأمل للوطن.

هناك أمل مادامت هناك نساء
كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة نبتت الإرادة بين ضلوع امرأة قررت مواجهة قسوة الحياة والحرب لتصنع ذاتها وتعيد إعمار خرابها الداخلي،هكذا يمكن وصف فيلم أمينة لأيمن زيدان.
حاول أيمن زيدان الابتعاد عن صور الحرب وآثارها في البنايات والعمارات وتوجه إلى أثارها القاسية على المواطنين السوريين وخاصة النساء، جعلت الحرب من أمينة أمّا مجبرة على رعاية ابن شلّ بالكامل بسبب قذيفة، امّ تؤمن بعودة ابنها إلى حياته الطبيعية «أنا أم وقلب الام دليلها، سهيل راح يرجع يمشي».
الحرب دفعت بالبنت سهيلة «لمى بدور» إلى التفكير في التضحية بدراستها وحبيبها والزواج من رجل يكبرها فقط لضمان دواء أخيها وحماية امّها من الوهن «كل شي حوالي عم يدمّر، ديون وأخ ميئوس من حالتو وأم عم تفني حالها بوهم، ومثل ما أخي ضحّى وأمي عم تضحي أنا كمان لازم ضحّي».
ولم تؤثر الحرب على الفقراء فقط إنما للأغنياء أيضا نصيبهم من الوجع فالحرب في سوريا لم تميز بين الفقير والغني والقذائف كانت من نصيب الجميع ومن الشخصيات النسائية الأخرى شخصية المرأة المقعدة التي أدتها لينا حوارنة «مستحيل غادر البلد وأنا على كرسي متحرك» في رسالة لثقتها بقدراتها يوما على المشي تماما كما سيقوم الوطن من خرابه.
موسيقى الفيلم تحمل المتفرج بين خبايا الفرح والترح، أبدع سمير كويفاني في كتابة موسيقى تلامس القلب وتدغدغ الروح فتبكيها حينا وتدفعها إلى تحدي مصاعب الحرب والحياة أحيانا أخرى، موسيقى الفيلم كانت بمثابة الشخصية ترافق الشخصيات الاخرى وتنقل وجعها النفسي وأحلامها أيضا.
«أمينة» فيلم ينتصر للمرأة للأرض وللأمل، فالشخصيات النسائية جميعها رغم الوجع تشترك في نشر ثقافة الأمل، فسهيلة تواصل دراستها وتتحدى المجتمع وإشاعاته (مشهد محاولة اغتصابها ومشهد تركها بمفردها تواجه ابو زهير وقسوته) لتحقق ذاتها وتنجح في دراستها و المقعدة تتمسك بالأمل وتستطيع تدريجيا الوقوف على قدميها قبل ان تعود إلى المشي مجددا.
امّا امينة فتعود لتحرث البيدر بعد احتراقه، وعوض اللون الرمادي الداكن لون النيران وبقايا الدمار يعود اللون الذهبي إلى الصورة، هو لون الولادة وانبعاث الحياة من وسط الخراب والموت فالمرأة في الفيلم تكون بمثابة الأم «جايا» تعاند النار والحرب لتلد الأمل.

السينما ذاكرة وعنوان مقاومة
السينما ذاكرة الشعوب، السينما وعاء للتعريف بأوجاع الأوطان وقصصها، السينما كانت الوسيلة للقرب من الحرب السورية ومعايشة آثارها على المدن والناس، بالسينما تعرّف الجمهور على خراب الحرب وقسوتها وبالسينما ستعرف الأجيال القادمة ما عانته الأرض بسبب الحرب.
السينما فعل مقاومة، وفيلم امينة وسيلة ايمن زيدان ليسلط الضوء على معاناة المرأة السورية وينحت تفاصيلها ويكشف قدرتها على الصمود ومقاومة البلاء وقدرتها على اعادة الحياة في وطن عاش الحرب والخوف.
في «امينة» هناك تكريم للمخرجين باعتبار أنهم جزء من المقاومة فالثقافة مقاومة والسينما التي تقرب الواقع جزء من المقاومة أيضا لذلك ربما اختار المخرج جود سعيد لأداء شخصية «سهيل» العسكري المصاب بالشلل الكامل بسبب قذيفة واختار المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في دور بائع الأفلام.
الشخصية الأولى «سهيل» أتقنها جود صعيب، شخصية لا تتكلم ولا تتحرك مطلقا فقط عين واحدة يمكن «ترميشها» أما الشخصية الثانية فهي عبارة عن ذاكرة المكان والزمن فرغم الحرب لازالت تحافظ على مهنة بيع الأفلام وعرضها في متجرها الصغير، لازال يؤمن أن السينما «هيك تأكدت انو حبي للسينما مو من فراغ فالسينما يا بنتي كانت ولازالت وسيلة للمقاومة».

في الفيلم وعبر مشاهدة الأفلام تجد «سهيلة» طريقة لتفهم أخاها وتعرف ما الذي يريد قوله بعد مشاهدة الحل في فيلم ما، تبحث عن الفيلم وتجده لتكسر الحاجز بينها وبين شقيقها، فالسينما في الفيلم كانت وسيلة لإعادة الفرحة لسهيل الذي لا يستطيع الكلام وجدت معه طريقة للتواصل والتفاهم.
«امينة» فيلم روائي اجتماعي وانساني، فيلم ينتصر للمرأة لقدرتها على التعمير وبعث الحياة من الخراب، فيلم يؤكد انّ المرأة كائن مقدس وحدها القادرة على بعث الحياة في الوطن ومواجهة وزر الحرب وثقلها وشعارها دائما «في امل».

المشاركة في هذا المقال