Print this page

مسرحية «كلم7» إخراج صابر الخنيسي: الدولة ترعرع «الداعشي» والجهاديين يصقلون موهبته

الجهاد باسم الله كذبة، الدفاع عن الله في الارض كذبة، خلافته كذبة، الجهاد أكذوبة صنعها أصحاب النفوذ للتحكم بمصير بسطاء المعرفة الحالمين

بحياة أفضل في الآخرة بعد فقر الدنيا المدقع، الله يصبح المادة فالمادة هي دين الداعين الى الجهاد هي ربّهم الاوحد والنفوذ نبيهمّ و«الواحد الأحد» و«محمّد» و«الجنة» مجرد شعارات يرفعونها علهم يكسبون المزيد من المال ويجنون الكثير من السلطة والنفوذ ومعها اجساد تبحث عن الجنة فتفخّخ انفسها ويقدمونهم قربانا للموت بتعلة «الحياة الاخرى» هكذا تقدم مسرحية «كلم7» العلاقة بين تجار الدين والمواطن الباحث عن سراب امل.

مسرحية «كلم 7 « الحائزة على جائزة أفضل إخراج في الدورة الأولى لمهرجان المسرح التونسي نص وإخراج صابر الخميسي، إنتاج جمعية أنوار المسرح فوشانة، أداء عبد القادر الدريدي ومروى الفرشيشي و محرز المشر وآمنة الشابي ومالك الزايري وأميمة العوني.

باسم الله يستباح الإنسان والوطن
اختلفت الحكايات، الضوء يكون دليل المتفرج لفهم القصص المختلفة التي تحاكيها الشخصيات، الموسيقى طيلة العمل تكون وسيلة لنقل الصراعات النفسية التي يعيشها الانسان، الخوف والظلم والشعور بالوحدة و لحظات السعادة جميعها تكتبها النوتات الموسيقية، قبل انطلاق العمل خيروا الاعتماد على اغنية من التراث الكافي «لا من يجينا، مريض دلالة» اغنية تدل على الوحدة والعزلة وهما صفتان تشترك فيهما كل الشخصيات تقريبا، فكل شخصية تعاني من العزلة بطريقة ما، وهذه العزلة جعلتهم جميعا صيدا سهلا لمن يبيعون صكوك الغفران ويفتحون ابواب الجنة لمن يشاءون.

«كلم7» هو اسم المسرحية ربما هي المسافة الفاصلة بين المدينة التي تعيش صخب الشخصيات ومشاكلها والجبل الذي يعد ملجأهم للهروب من المجتمع وقسوته، من الفقر والبطالة والسقوط في هوّة القتل والجهاد واستباحة الدماء.
«موش منّي» هي الجملة التي ترددها كل الشخصيات تقريبا، فجميعها كانت ضحية المجتمع، لكل شخصية وجع ما ارادت الهروب منه الى من يعرفون «ربي» ليجدوا انفسهم آلات للقتل والاغتصاب وانتهاك الحقوق الشخصية والحقوق المدنية.
في «كلم7» المكان أمكنة فالضوء يقسم الرّكح الى مجموعة من الاروقة وكل رواق يمثل مكانا ما، امكنة حفرت في ذاكرة الشخصية ومع الحركة تصفه وتحدد معالمه للمتفرج، فمرة يكون الفضاء «احد الحانات الرخيصة في برشولة او شارع مرسيليا» ليصبح مرة اخرى منزل «عراف وشيخ» التجأت اليه «لمياء» علها تجد زوجا، ليتحول الى فضاء يلتقي فيه

الاصدقاء للمتعة بعيدا عن صخب المدينة ، جميعهم شخصيات موجودة في الواقع، حكاياتهم يعايشها التونسي ويعايش تفاصيلها، قصص دفعت بالشخصيات الى الجبل للبحث عن الهدوء فوجدت أنفسها في دوامة الدين والجهاد والقتل وجميعه «حلال» ما دام باسم الربّ.
في المسرحية يجتمع المثقف والمومس والأم العزباء و الصغير الغض جميعها سكنها حلم التغيير نحو الافضل والهروب من واقع مدنس الى اخر اشد نقاء لتجد انفسها في دوامة اشدّ حلكة وسواد من واقعهم.

في «كلم7» تسلط المسرحية الضوء على كذب الجهاد وزيف الجهاديين، فهم في النهاية تجار بشر وأموال يبحثون عن السلطة يبيعون الوهم للبسطاء والعجزة، يبيعون السراب لأناس دفعهم ظلم المجتمع للتمسك بسراب الجهاديين الذين احتلوا الجبل وجعلوه وكرا لأفعال لا انسانية، ففي الجبل يستباح القانون المدني ويستباح الانسان والحقوق بتعلة إثقال «ميزان الحسنات».

الوطن يجور على ابنائه
المسرح ينحاز للمهمشين هو صوتهم وصرخاتهم، المسرح تعبيرة حرة تنحاز الى الطبقة الشغيلة وتنتصر الى احلام الضعفاء، من رحم الهواية ولدت مسرحية تصب في خانة الاحتراف، بتقنيات محترفة وأداء مقنع تقمص الممثلين شخصياتهم وجسدوها، شخصيات منهكة واهنة ومتعبة نقلوا تفاصيل وجعها بكل دقة.
في المسرحية نقد مباشر للدولة والمجتمع فالدولة فقّرت ابناءها وزرعت فيهم الخوف إلى حدّ انهم بحثوا عن قانون اخر يحميهم غير قوانينها المدنية، الدولة عمّقت الهوة بين الشرائح فلجأ بعضهم الى الدين والتدين علّه يجد الراحة النفسية، المجتمع زرع في أبنائه ترهات «العنوسة» و«الانجاب» و«الشرف» فهربت «لمياء» بجنينها الى تجار الدين واختارتهم ليليا

ملجأها لحمايتها من «العار» و«الفضيحة» بعد ان اكتشف زوجها انها ليست عذراء، التشوهات المجتمعية جميعها تنقدها المسرحية بأسلوب ساخر وموجع، فداخل الشخصيات وتركيباتها النفسية المختلفة جزء من الانا والهو والهم، فالمتفرج والممثلون يشتركون في الكثير من الوجع النفسي الذي نقل على خشبة المسرح.

مجتمع مشوّه وقوانين جائرة، دولة تستبيح الحريات الشخصية لمواطنيها وتريد ان يكونوا قالبا واحدا وفكرا أوحد مجتمع يرفض المختلف، وقانون لا يميز بين الجاني والضحية، ودولة تفتح سجونها وتغلق مسارحها، هكذا هي الدولة التي تنقدها المسرحية التي انحازت للإنسان وشجنه ووجعه لحمايته من الصعود الى الجبل والارتماء في احضان من ينادون بالعدالة والقصاص وهم يصطادون البسطاء ليكونوا قنابلهم الموقوتة.

في «كلم7» ينقد الممثلون وضعية المثقف ذلك الذي «ماعنديش دينار» استاذ فلسفة دفع سنوات عمره في التعلم ودراسة الفلسفة والكتابة، يحاول منافسة ديكارت واكتشاف تفاصيل فلسفة «فرويد»، يحلل الوضعيات الاجتماعية انطلاقا من منظور فلسفي، ونتيجة لـسيجارة «قنب هندي» وجد نفسه خلف القضبان ووجد نفسه بعدها في الجبل، ومن خلال شخصية انور ينقدون القانون عدد 52 الخاص بمستهلكي مادة القنب الهندي ودعوة لإعادة صياغة هذا القانون، في المسرحية نقد لظلم المجتمع تجاه معاناة «لمياء» (الام العزباء) التي رحلت الى الجبل لمداراة الفضيحة فسقطت في هوة اكبر ودعوة مباشرة لتفعيل القوانين التي تحمي الامهات العزباوات واحترام الحقوق والحريات الشخصية.
في «كلم7» اسئلة موجعة عن المجتمع والقانون والدولة، سؤال عن التناقض بين جبروت الدولة وجبروت الجهاديين، فكلاهما من خلال قوانين ظالمة وانفعالات مشوّهة يطمسان انسانية الانسان ويزرعان داخله إنسانا مجرما ينمو تدريجيا وقابل للانفجار لتكون المسرحية صرخة انتصار للمواطن الحالم ودفاع عن حقوق الاقليات وانتصار للانسان والانسانية.

لطفي الناجح:
الملتقى فرصة لتقاسم الفكرة والحلم
اختتم ملتقى مسرح الهواية في دورته الأولى دورة شهدت إقبالا جماهيريا محترما فاغلب العروض كانت القاعة فيها ممتلئة بالكامل، وعن هذه الدورة يقول المسرحي لطفي الناجح عن قطب المسرح والفنون الركحية الذي نظم المهرجان «اختتمنا ملتقى هواة المسرح في دورته التأسيسية تحت شعار هواة - نواة والذي انتظمت فعالياته من 12 الى 16جانفي 2020 بحضور جماهيري رفيع المستوى، و كرمنا من خلاله الجمعيات المسرحية المشاركة بقاعة المبدعين الشبان بمدينة الثقافة، المسرح الذي يحتفي بأصله و بدايته لهذا الفعل الحساس» ويضيف الناجح «كلنا كذلك بشغف و صدق الهواة تقاسمنا معهم حلمهم و إصرارهم على التأسيس، هي جمعيات مسرحية من جهات هذا الوطن العزيز كان لها الفضل الكبير والحرص على التكوين والتأطير فكانت أعمالها ترتقي بتجربة هواة المسرح ورفع التباس اشكالاته الفنية، كل الحب والشكر لكل المشاركين وللجمهور العزيز الذي زار مدينة الثقافة طيلة ايام الملتقى، كل الوفاء للذين باركوا هذا المقترح التأسيسي لفعل صادق، هنا لا يفوتني ان اتوجه بالشكر لإدارة مسرح الأوبرا التي دعمت المشروع وراهنت على نجاحه، كذلك الإدارة التقنية

التي جعلت من الملتقى فضاء للنور ضد العتمة ثم الخلية اللوجيستية بمسرح الأوبرا تنظيما واصرارا على النجاح شكرا كذلك لوحدة الإعلام والاتصال على الدعم و المركز الوطني لفن العرائس والمحبة كذلك لعاملات النظافة على جعل الفضاء انيقا.»
ويختم بالقول «الملتقى اردناه جسر عبور لدورات أخرى تعنى بهواة المسرح واعترافا منا بمجهودهم و صدقهم في الفعل سنلتقي في الدورة القادمة مع مقترحات اخرى جمعياتية لنتقاسم نفس الحلم او أكثر».

المشاركة في هذا المقال