Print this page

العرض الأول لمسرحية «نيرفانا» إخراج محمد شوقي خوجة في قاعة الريو: التونسي انتشى بالوجع حدّ الوصل إلى مرحلة «النيرفانا»

صراع الأنا والآخر صراع الذات مع ذاتها، صراع الوجع والابتسامة، صراعات النفسي والجسدي والمجتمع والعادات،

الأمل والألم، صراعات عديدة يعيشها الإنسان ويعايشها المبدع حاول شوقي خوجة كتابتها وملامستها لنقلها على الركح بعد وقت طويل من الانخراط في رحلة بحث واكتشاف للروح ولتأملاتها جميعها كتبت في «نيرفانا».

نيرفانا مسرحية جديدة إنتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بالقيروان، نص واخراج محمد شوقي خوجة وتمثيل كل من شيماء بلحاج وسنية السعيدي ونبيل شهاد ومحمد السايح عويشاوي وإضاءة وموسيقى لغسان جا وحده، هي مسرحية صاخبة بالوجع والحب والامل.

المسرح نصير المرأة وصوتها
المسرح تعبيرة متمردة هي صرخة الحياة وصرخة الحق ضدّ الظلم والهنات الاجتماعية التي يعيشها الانسان، المسرح صوت الحالمين، وبأجسادهم كتبوا الياذة الحياة والحقوق التي يحلمون بتحقيقها.

المسرح صرخة ضدّ النسيان والتجاهل وظلم المجتمع وقسوته، المسرح صوتهنّ وسيلتهنّ للتعبير فعلى الركح تصبح حكايات النساء واوجاعهنّ مفتوحة للمتفرج ليلامسها ويلامس الجراح النفسية النازفة، في «نيرفانا» تحضر شخصيتان نسائيتان، من خلال لغة الجسد وتعبيرات مسرحية مختلفة يتماهى من خلالها الضوء والموسيقى مع قصص المرأة وحكاياها.

تغوص المسرحية في معايشة حكايتين مختلفتين، الأولى ممثلة تخرجت من معهد الفن المسرحي حلمت بالأضواء بشخصيات تتقمصها بانتصارات النجاح على الركح وشبق معانقة الحلم بعد كل عرض، ممثلة درست وحلمت لتصطدم بواقع بائس «المسرح ما يوكلش الخبز» واضطرت للعمل في «مركز اتصالات» علها تستطيع كسب بعض الدنانير لسد الرمق، من خلال الشخصية نقد مباشر لوضع الفنان في تونس، من خلال النص وأداء الممثلة سنية السعيدي التي تحاكي الوجع ينقدون قوانين الفنان في هذا الوطن، وطن يموت فيه الفنان بؤسا وخوفا وجوعا فقط لأنه اختار مهنة لا تعترف بها الدولة ولا تضمن فيها ابسط الحقوق وأدناها وعلى الركح أتقنت الممثلة تفاصيل الشخصية لبست تفاصيلها النفسية وتماهت مع وجعها وكأنها تتقمص حقيقتها وصورة وواقع الممثل في تونس أداء يشبه الوقوف أمام المرآة ونقل الصورة المعكوسة.

الشخصية الثانية هي الاخرى تعيش وجع النفي والرفض، شخصية دفعت ثمن الحبّ والمشاعر فطردتها العائلة بعد أن عشقت احدهم واكتشفت انّها حامل دون زواج، ردة فعل العائلة والمجتمع الرافض للام العزباء دفع بزهرة الى منفى الوحدة والخوف والضياع والوجع، جميعها اتحدت لتصبح بائعة هوى، تبيع جسدها علّها تسدّ الرمق وتحقق القليل من الذات، ضعف زهرة أمام قسوة المجتمع هو جزء من ضعف المرأة عموما أمام ضغط العادات وقسوة التقاليد التي لاتزال تضع المرأة في خانة الجسد وتقيس الشرف بمحرار الزواج وعدمه.

في المسرحية تلتقي الشخصيتان صدفة قبالة البحر كل تريد مناجاته وبثّ شكواها، الصدفة جمعت امرأتين يعتبرهما المجتمع «نشازا» فالتمثيل مهنة يرى فيها المجتمع عيبا وحمل زهرة خارج إطار الزواج هو الحرام بعينه، كلتاهما هربت من حقائق وإشاعات قاتلة، تحادثتا وكل كشفت أسرار قلبها، وفي الحديث انتصار للمرأة في البوح دعوة لثورة المرأة على العادات والتقاليد واختيار حريتها وان تكون أنثى شامخة معتدة بذاتها وعلمها ومطالبة بافتكاك جميع حقوقها وأولها احترامها وعقلها وقدرتها على التفوق وحرياتها الشخصية.

«نيرفانا» من رمزية المعنى إلى رمزية المبنى
أربعتهم يعانون الوجع والوحدة، كلّ شخصية تماهت مع وجعها وذابت في آلامها حتى نسيت وجود آخرين يشاركونها الفعل والمكان، بالضوء والموسيقى وأداء الممثلين تنقل الشخصيات وحدتها وحالة «النيرفانا التي عاشتها وتماهت فيها مع اللاشيء.

«نيرفانا» هو اسم المسرحية ومن رمزية معنى هذه الكلمة أخذت الشخصيات ملامحها وتفاصيلها فنيرفانا هي حالة الانطفاء الكامل التي يصل إليها الإنسان بعد فترة طويلة من التأمل العميق، فلا يشعر بالمؤثرات الخارجية المحيطة به على الإطلاق، أي أنه يصبح منفصلا تماما بذهنه وجسده عن العالم الخارجي،وفي المسرحية لا تأخذ الشخصيات حالة الخلو من المعاناة أو الانطفاء الكامل للوصول إلى النشوة بعد شحن الروح وإنما انطفاء بعد معانقة الوجع حدّ التماهي معه.

فالممثلة (سنية السعيدي) نسيت ذاتها نسيت إبداعاتها وأحلامها تناست تصفيق الجمهور فقط تأقلمت مع وضعية زوجة تعمل في مركز اتصالات لتوفر قوتها و»حق الكراء والماء والضوء» نسيت أنها أنثى وتناست أنها امرأة ودخلت في خانة نسيان الذات.

الشخصية الثانية «زهرة» (شيماء بلحاج) تناست أنها أنثى لها الحق أن تحبّ وتعشق وتخطط لحياتها كما تريد لا كما يرغب المجتمع، احبّت فدخلت باب «الخطيئة» حسب العادات والمجتمع وبعدها انطفأت روحها وأصبحت تعمل بائعة هوى وتناست أنها امرأة لروحها عليها حقّ ولجسدها أيضا حقه.

نيرفانا حالة الانطفاء الكلي وصل إليها «ربيع» الكاتب الثائر الحالم (محمد السايح عويشاوي)، ذلك الذي يعود في أحد المشاهد إلى شغب الطفولة والشباب يسترجع بطولاته وأترابه وهم يوزعون المناشير ويدعون إلى الثورة والانتفاض، كاتب ثائر عشق الكتابة واختارها مهنة، تماهى مع الكتابة للادب والمسرح والرواية حدّ أن تماهى مع وجع البطالة والخصاصة ودخل هوّة انتظار انّ يساعده الناشر ببضعة دنانير لاحتساء القليل من النبيذ علّ شغف الكتابة يستيقظ داخل قلبه.

المسرح ترميز هي شيفرات تكتبها أجساد الممثلين للتعبير عن حالات قلق وجودي مشترك، تتواصل حالات «النيرفانا» التي تعيشها الشخصيات لتصل إلى الشخصية الرابعة شخصية الناشر (نبيل شهاد) ذلك الهادئ الوقور صاحب دار نشر كان في الماضي مناضلا مدافعا عن الصادقين والكتاب الحقيقيين وفجأة تماهت روحه مع حالات جماعية وانخرط في مسار مهني لا يمثله مسار يجني معه الكثير من الأموال قبالة خسران روحه وقيمه، ومع تقدم الأحداث تنطفئ روحه ويعايش حالة لنيرفانا بفعل تمكن مرض السرطان من جسده فيتخلى عن المبدأ مقابل الأموال للحصول على العلاج.

نيرفانا مسرحية مشاكسة، هي أقصى حالات الانطفاء الروحي الذي عاشته الشخصيات، انطفاء لحدث بعد فترات طويلة جدا من مقاومة الألم والوجع قبل التشبع به والاستسلام له كما فعلت «زهرة» التي اختارت الانتحار بعد ان وصلت أقصى درجات عشق الحياة.

المشاركة في هذا المقال