Print this page

حديثا في كتاب «العين بصيرة»: المشهد التلفزي تحت مجهر خميّس الخياطي

صدرقيل عن العيون وفي سحر العيون شعر وزجل وكلام جميل، وبلغة العيون يهيم العشاق ويهتم علماء النفس، وكثيرا ما تفصح العين عن عمق الروح وتفضح حقيقة اللاوعي...

أما العين عند خميّس الخيّاطي فهي عين بصيرة تتمّعن جيدا في برامج القنوات التلفزية وتنفذ إلى ما وراء الشاشة والظاهر لتضع الشكل والمضمون على طاولة النقد مفككة للخطاب وكاشفة للثغرات والزّلات... وتحت عنوان «العين بصيرة...» جمع الكاتب والناقد خميّس الخيّاطي باقة من المقالات في المشهد التلفزي التونسي كان قد نثر حبرها وخط سطرها على صفحات صحف «الطريق الجديد» و«آخر خبر» و«المغرب»... ما بين سنوات 2008 و2014.

على امتداد أكثر من 270 صفحة صدر كتاب «العين بصيرة...» لصاحبه خميّس الخيّاطي عن دار «نحن» للإبداع والنشر والتوزيع. وقد جاء تقديم الكتاب في صياغة مشوّقة وجميلة بقلم هشام السّنوسي، كما وردت في خاتمة الكتاب قراءة بإمضاء كلثوم السّعفي عنونها كما يلي: «عينه بصيرة ويده قصيرة ولكن...لسانه طويل».

عين البصيرة في «العين البصيرة...»
على بياض ناصع لغلاف كتاب «العين بصيرة...»، كان لون الحروف أسود باستثناء العنوان الكبير الذي جاء بالخط العريض وباللون الأحمر... وقد احتلت واجهة غلاف الكتاب صورة كبيرة لعين واسعة النظرة تحتضن في حدقتها خارطة البلاد التونسية ومن حولها تناثرت شعارات مختلف القنوات التلفزية التي تشي بمضمون الكتاب بما هو مقالات في المشهد التلفزي التونسي.

ولئن كانت عين الناقد والإعلامي خميس الخياطي بصيرة لبانوراما من القنوات التلفزية بتعدد عناوينها واختلاف خطها التحريري، فإنها لم تكتف بحاسة البصر بل أرفقتها بقوة البصيرة لتبحث في عين الشيء وجوهره وكنهه.... وطالما كانت البصيرة سلاح هوميروس والمعري وطه حسين وغيرهم كثر لمسك خيوط الصواب والوعي حتى في حالة خيانة البصر وعجز النظر.

أمام شاشات عمومية وخاصة وقنوات عريقة وأخرى حديثة الولادة، يجلس خميّس الخياطي على مقعده لا لفرجة عابرة فحسب بل وعلى عينيه نظارة التمعن والتفحص وفي يده منظار التشخيص والتحليل...فإذا هو يرى بغير عين المشاهد العادي تنافر الشكل والمضمون وتناقض الأزياء والأضواء ويرصد العلل والأخطاء ويصطاد وحوش الكلمات والتصريحات المتربصة بتونس التقدم والحرية والحداثة....

ولعل ّ من نقاط قوّة هذه القراءة الناقدة والمختصة لنماذج من صناعة المشهد التلفزي التونسي عدم إيغالها في المفردات التقنية والعلمية وغرقها في المصطلحات المعقدة والتراكيب العسيرة... فقد انسابت المقالات في سلاســـــة وبساطة يفهمها المختصون وغير المختصين، بل إنها غازلت المواطن البسيط واقتربت من لغة التونسي اليومية في عنونتها وأمثلتها على غرار مقالات حملت العناوين التالية: «حينما تتجاهل الهجالة جهود الرجالة...» و«عن الهايكا: مشينا مشينا ، ورجعنا للصوارد» و«يا ما تحت «مكتوب من... ملعوب!«....

تحقيق وتوثيق
عن الصورة الفن والرمز والرسالة... طالما سال حبر خميّس الخيّاطي الذي يعدّ من أبزر النقاد السينمائيين في تونس والعالم العربي. وفي كتابه الجديد «العين بصيرة...» انتقل الخيّاطي من تحليل المشهد السينمائي إلى تفكيك المنتوج التلفزي طالما أن معطى الصورة القابل للنقد والتحليل لا يتغير من الشاشة الصغيرة (التلفزة ) إلى الشاشة الكبيرة (السينما).

لم تكن مقالات خميّس الخياطي المنثورة على بياض ورقات «العين بصيرة...» مجرد قراءات وارتسامات عن المشهد التلفزي في تونس بل جاءت غنية بشواهد سينمائية واستدلالات تاريخية وحكايات من الأسطورة والحضارات القديمة... فإذا بالقارئ أمام سرد مشوّق وأسلوب كتابة جذاب يستدرجه لإتمام المقال بل ويغريه بالتهام المزيد.

يمكن اعتبار كتاب «العين بصيرة...» بمثابة الوثيقة المرجعية عن تحوّلات المشهد التلفزي في فترة مخضرمة، ما قبل ثورة 2011 وما بعدها من سنة 2008 إلى عام 2014. وقد واكب الكتاب هذا الانتقال من وضع احتكار الإعلام العمومي للمشهد التلفزي إلى مرحلة الانفجار الإعلامي وتكاثر القنوات الخاصة.

كما كانت «العين بصيرة...» شاهدة عيان على سياقات البلاد التونسية السياسية ومناخاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعكسها برامج التلفزات العمومية والخاصة من زوايا مختلفة باختلاف خطها التحريري وهوية أصحابها ومصادر تمويلها...

في كتاب «العين بصيرة...» قد يجد الباحث ضالته، وقد يعثر الصحفي على دروس في الإعلام وفنون الصورة والخطاب، وقد تصطدم التلفازات بمطبات عثراتها وزلاتها... ولكن لاشك أن هذا الكتاب سيحفظ شيئا من الذاكرة التلفزية ويوثق لبعض من أثر الإعلام المرئي ضد النسيان والاندثار حتى لا يخمد نور البصيرة الواعية عن العين البصيرة.

المشاركة في هذا المقال