Print this page

عرض «للرجال بركة» لنجوى ميلاد من مركز الفنون الركحية والدرامية في المهدية: إلى كلّ النساء: كنّ قويات وتشبثن بتلابيب الحلم

نشترك في الوجع، نشترك في الفكرة المتاججة والروح المتشوقة الى الحياة، نشترك في ألم الذات وألم المحيط وألم المجموعة،

من قصص شخصية انطلقت حكاية مسرحية للرجال بركة لنجوى ميلاد، من ذاتها ابتدأ مشوار المسرحية لينتشر الى الانا والنحن والهنّ والانتنّ وجميع النساء على البسيطة: ففي كل شبر من هذه الرقعة الجغرافية الشاسعة هناك امرأة قوية تحاول اخفاء وجع يخفت من بريق عزيمتها هكذا أهدت نجوى ميلاد عملها الى كل النساء الحالمات.

وفي مركز الفنون الركحية والدرامية بالمهدية وبمناسبة المهرجان الوطني للمسرح التونسي كان لقاء جمهور الفن الرابع في المهدية مع مسرحية للرجال برك عن نص لنور الدين الهمامي واخراج توفيق العايب وتمثيل نجوى ميلاد.

المرأة وطن مصغّر فأجلّوه
المسرح فعل نقدي، المسرح حياة، المسرح نقد المسرح سؤال عن الوجع وتعرية لبؤس المحيط وضياع وتمزق الوطن امام تكالبات الباحثين عن السلطة، هكذا تضعنا نجوى ميلاد مباشرة امام قبحنا رغم موسيقى الفرح المنتشرة في القاعة وبين صخب الموسيقى ووجيعة الوطن ولد عمل يرشح الما واملا.

من حكايات عاشت الفنانة بعضها واخرى من خيال الكاتب، من قصص اغلبها واقعية انطلقت المسرحية لتتجول ذهنيا عبر الموسيقى والضوء وتخرج من رحاب الركح والقاعة المغلقة الى الشارع ثم الدائرة الجغرافية الأكثر اتساعا حدّ ان تضع إصبعها على داء الوطن الذي تعاني نسائه الضيم والوجع خاصة الفنانات منهنّ.

في العمل تبدئ القصة بالموسيقى والفرحة الحكايات هي الاخرى مضحكة واستعملت الفنانة الكوميديا السوداء لتضحك المتفرج وفي الوقت ذاته يسأل هل حقا احترم النساء في وطني؟ هل حقا تتمتع المرأة بكامل حقوقها كما تقول مجلة الاحوال الشخصية ام ان المجلة مجرد قوانين كتبت لا يطبق اغلبها؟ هل أن نظرة المجتمع تغيرت الى المطلقة؟ وهل اصبحت الفنانة في مرتبة عليا كالمرأة العادية في نظر مجتمعات ترى أن الفن عيب؟ اسئلة عديدة تطرحها الفنانة في عملها، تنطلق من وجعها لتضعنا أمام حقائق موجعة تعاني منها المرأة الفنانة في كل اصقاع الارض، اسئلة تطرحها الممثلة بطريقة تجمع بين الضحك والجدّ، ممثلة اتقنت جيدا شخصية رفيقة القرقوري ولبست كل تفاصيلها، بكت على الرّكح حين تتحدث عن الوجع والطلاق والفن، وضحكت كلما استحضرت قصة مثيرة، غازلت الجمهور وشاكست المتفرج لتصنع عالمها و«هبلتها» في مونودرام جمع نصا ساخرا ونقديا واداء لممثلة محترفة تعشق الرّكح والمسرح.

المونودرام وسؤال متجدّد عن وضع الفنان
المونودرام فن مسرحي له خصوصياته العلمية والفنية، المونودرام ليس التهريج ولا البوز بل فن يقدمه فنان واحد ومن خلال نصه وادائه يقدم مجموعة من الرسائل ويعالج مواضيع متعددة بعيدا عن التهريج والكليشيات التي باتت تميز «الوان ما نشو» او «المونودرام» في تونس، وانطلاقا من قدسية الموندرام - لانه يفسح المجال للممثل الواحد ليبرز ويبدع- انطلقت نجوى ميلاد في عملها لتقدم للجمهور نصا جريئا وأداء اكثر جرأة ناقش العديد من المواضيع دون السقوط في خانة المباشراتية او التهريج، وبالتلميح حينا والاشارة احيانا تساءلت عن وضع الفنان وعن القوانين التي تحمي المرأة الفنانة وعن المخرجين والشركات الكبرى التي تحتكر الفنان في أعمالها ثمّ تقسط حقه المادي قطرات لا تروي ظمأ طفل صغير، تساءلت عن وضعية الفنان وكشفت عن صعوبة حياة الفنان في وطننا، نوّهت بمن يحصلون على الدعم من جل الصناديق «الدعم» و«التشجيع على الابداع» و«مدن الفنون» وكل الصناديق التي تقدم منحا باسم الثقافة ليقدم المتحصل على منحة هذه الصناديق «اللاشيء» ويسرق عرق الفنان وحلمه.

مونودرام «للرجال بركة» لم ينطلق من الخيال بل انطلق من حكايات واقعية، وجيعة فنانة مسرحية نقلت ماعانته ويعانيه زملاؤها المسرحيون من ضيم على الركحّ ، تساءلت عن الادارة وعلاقتها بالفنان ووضعت الجميع في خانة السؤال فالمسرح عندها سؤال حيّ لا يموت.

المشاركة في هذا المقال