Print this page

الشمائل المحمّدية: العرق الشّريف

كانت الرّائحةُ الفائحةُ صِفةً لِسيّدِنا محمّد لا تُفارقُهُ أبدًا وإنْ لمْ يَمسّ الطّيبَ، يقولُ سيّدُنا أنس بن مالك رضي الله عنه:

«ما شَمَـمتُ ريحًا قطُّ ولاَ مسْكًا ولا عَنْبَرًا أطْيَبَ منْ ريحِ رسول الله». وكذلكَ عَرقُهُ عليه الصّلاة والسّلامُ أطْيَب مِن المِسكِ، فَلقَدْ كان الصّحابةُ يُطيّبُون طِيبَهُم بِالعَرَقِ الشّريفِ , يقول سيّدُنا أنس رضي الله عنه:»دَخلَ علَيْنا رسولُ الله فَقَالَ عِنْدَنَا -يعْنِي نَامَ نَوْمةَ القَيْلولة عِنْد أمِّ سيّدِنا أنس- يقول القاضي عياض كانت مَحْرمًا للنّبيءِ عليه الصّلاة والسّلامُ مِن الرَّضاعِ- فَلَمّا

عَرقَ جاءَتْ أمُّ سيّدنا أنس بِقارُورةٍ فَجَعلَتْ تَسْلُتُ العَرَقَ، فَاسْتَيْقظَ النّبيءُ عليه الصّلاة والسّلامُ فقال: يَا أمّ سَليم مَا هذا الّذِي تَصْنعِينَ؟ قالت:هَذا عَـرَقٌ نَجْعلُه لِطِيـبِنا وَهو أطْيبُ الطّيبِ», وجاء من وَجْهٍ آخرَ عن أنس:»أنَّ النّبيء كان يَأتِي أمّ سَليم - واسمُها الأصْليّ سَهْلَة- فَيَقِيلُ عِنْدَها فتَبْسُطُ لهُ نَطْعًا فَينَامُ عليْهِ وكانَ كثِيرَ العَرَقِ فكانَتْ تَجْمعُ عرَقَهُ فتَجْعَلُهُ في الطّيبِ والقَوَارِيرِ،فقال:ياأمَّ سَليم مَاهذا؟ قالت:عَرَقُكَ أَدُوفُ بهِ طِيبي» -يعني أخْلِطُ بهِ طِيبِي لِيفُوحَ أكْثَر-.ومعلومٌ أنّ رائِحَةَ المُصطفَى وعَرَقـهُ تَــفـوحُ بِكـــلِّ طريـقٍ يَسلُـكُهُ. يقـــول أبو نُعيم عن جَابِر: «كان في رسولِ الله خِصالٌ: لمْ يَكُنْ في طرِيقٍ فيَتْبعُه أحَدٌ إلاّ عَرَفَ أنّهُ قَدْ سَلكهُ مِن طِيبِ عَرقِهِ أَوْعَرْفِهِ , وَلمْ يَكُنْ يَمُرّ بِحَجَرٍ ولا شَجَرٍ إلاّ سَجدَ لهُ».

وعن أنس قال: «كُنَّا نَعْرفُ رسول الله إذا أَقْبَلَ بِطيبِ رِيحِه» وفِي الحديثِ أيضا: «كانَ عليه الصّلاة والسّلامُ إذا مَرَّ في طرِيقٍ من طُرُقِ المَدينة وجَدُوا مِنْه رَائحَةَ الطِّيبِ وقالُوا مَرَّ رسولُ الله عليه الصّلاة والسّلامُ مِنْ هَذَا الطَّرِيق». مَعَ العِلْمِ أنّ عَرَقَ المُصطفَى لا يَنْزِلُ في الأرْضِ مُطْلَقًا لأنّهُ جزءٌ من الجِسْمِ الشّريفِ بَلْ يَرْجعُ نورًا إلى السّماءِ.
رُوِيَ عن السّيدة عائشة رضي الله عنها قالت:«كنتُ أغْزلُ والنّبئ يخْصِفُ نَعلَهُ، فَجَعلَ جَبينُهُ يَعْرقُ، وجَعلَ عَرقُهُ يَتولّدُ نورًا فَبَهَتُّ، فقال: مَا لكِ بَهِتِّ؟ قلت:جَعلَ جبِينُكَ يَعْرقُ وَجعَلَ عَرقُكَ يَتوَلّدُ نُورًا ولَوْ رَآكَ أبُو كثير الهُذَلِي لَعَلِمَ أنّكَ أحقُّ بِشعْرِه حيْثُ يقول :

و فَسَـادِ مُرْضِعَةٍ و دَاءِ مُغْيِلِ و مُبَرّأٌ من كلّ غُــــبَرِ حَيْضَةٍ
بَرَقَتْ بُرُوقَ العَــارِضِ المُتَهَلِّلِ و إذا نَظَرْتَ إلى أسرة وجْهِهِ

فوضَعَ رسولُ الله مَا كان في يَدِهِ وقامَ إَليَّ وقَبَّلَ مَا بيْنَ عَيْنيَّ وقال: «جَزاكِ اللهُ ياعائشة خيْرًا فمَا أذكُرُ أنِّي سُرِرْتُ كسُرورِي بِكَلامكِ».

وتقــولُ السّيـدةُ عائشة: «كانَ رسـولُ الله أحسَــنَ النّاسِ وَجْـهًا وأَنْـورَهم لَـوْنًا، لـمْ يصِـفْهُ واصفٌ قــطُّ إلاّ شَبَّهَ وجْــهَهُ بِالقَمـرِ ليْلَةَ البـدْرِ، وكـان عَـرَقُه فـي وَجْهِهِ مثل اللُّؤْلُؤ أطْيَب مِن المِسْكِ الأذْفَرِ».

وأخْـرجَ أبُـو يَعْلَى عن أبي هُـرَيْرة رضي الله عـنـه قـال: «جَـاءَ رجُـلٌ إلـى النّـبئِ فـقــال:يَـا رسول الله إنّي زَوَّجْتُ إبْنَتِي وَأُحِبُّ أنْ تُعينَني، قال: مَا عِنْدِي شيءٌ ولَكِن ائْتِنِي بِقارُورَة وَاسِعَةَ الرَّأسِ وعُود شَجرةٍ، فأتاهُ بهمَا فجَعلَ النّبئُ يَسلُتُ العَرَقَ مِن ذِراعَيْهِ حتّى امْتَلأت القارورةُ قال:خُذْهَا ومُرْ ابْنَتكَ أنْ تَغْمِسَ هذا العُود في القَارُورةِ وتَتَطَيَّب بِهِ، فكانتْ إِذَا تَطيّبَت يَشمُّ أهْلُ المَدِينة رَائحَةَ ذلك الطِّيبِ فَسُمُّوا بَيْتَ المُطَّيِّبِينَ».

المشاركة في هذا المقال