Print this page

الفنان رؤوف بن يغلان: صوت المثقف سلاحه وصمته ذنب لا يغتفر !

إنّ المسرح عند رؤوف بن يغلان ليس نصّا وركحا وشخصية يكتبها في خلوة أو يخترعها في لحظة إلهام،

بل هو اختمار عجين من الأفكار بعد سنوات من البحث وتعقّب الأخبار. فهو ذلك الفنان الذي يلبس قبّعة «المحقق» فتراه يجوب المقاهي ومجالس المثقفين والبسطاء ويرتحل بين المدن في محادثات ولقاءات ويزور مكاتب الخبراء والمختصين... بحثا عن خيوط «اللعبة» المسرحية.
لا يصعد رؤوف بن يغلان إلى الركح إلاّ وقد تشبّع بموضوع مسرحيته واحتوى جزئياته وتمكّن من تفاصيله... وهكذا كانت مسرحيته الأخيرة «إرهابي غير ربع» مقاربة فنية لظاهرة الإرهاب بكلّ أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية...

«إرهابي غير ربع» تستدعي الأئمّة للسؤال والمساءلة
لم يراهن رؤوف بن يغلان على الأركاح التقليدية لتقديم مسرحيته «إرهابي غير ربع» بل اختار أن يستهل أولى عروض مسرحيته الجديدة «إرهابي غير ربع» في الثكنات العسكرية. وبعد أن قدّم فيها 14 عرضا في شمال تونس وجنوبها، حظي الفنان بتكريم وزارة الدفاع الوطني. واليوم، يطرق الفنان رؤوف بن يغلان أبواب وزارة الشؤون الدينية ليطوّع منبرها لبث التوعية الثقافية. وقد صرّح صاحب «نعبّر وإلاّ ما نعبّرش» لـ «المغرب» بالقول:» هي تجربة فريدة من نوعها تهاجر فيها مسرحيتي الأخيرة «إرهابي غير ربع» المركز لتحطّ الرحال في الضواحي والمدن الداخلية والمناطق الحدودية التي يطوقها الإرهاب في عروض مجانية برعاية وزارة الشؤون الدينية بالتعاون مع جمعية التنمية المستديمة والتعاون الدولي. وهذه العروض تتبعها لقاءات حوارية تشاركيّة أستضيف فيها أئمة وعلماء الدّين وأدعوهم إلى الصعود فوق الرّكح للتحاور مع الجمهور من خلال المسرحية ودفعهم إلى الإجابة عن أسئلة «الشهادة» التي يتعلّل بها الإرهابيون في إعلان الموت عقيدة لهم. هي مناسبة لتذكير رجل الدّين بواجبه في التصدي للفكر الظلامي ونشر قيم الدين الحنيف من محبة وسلام وتسامح... «إرهابي غير ربع» يتحدّى الأئمة ويطالبهم بتقديم الخطاب المقنع لإسقاط مشروع الاستقطاب».

تحالف بين الطرح الثقافي والخطاب الديني لدحر الإرهاب
في برمجة تهدف إلى تمتين الصلة بين القيم المدنية والقيم الدينية، بين الطرح الثقافي والخطاب الديني، انطلقت سلسلة عروض «إرهابي غير ربع» يوم السبت 5 جانفي الجاري بسيدي على بن عون من ولاية سيدي بوزيد ليكون الموعد يوم 10 جانفي في غار الدماء بجندوبة، ويوم 12 جانفي بسجنان من ولاية بنزرت، ويوم 17 جانفي بالوسلاتية في ولاية القيروان، لتختتم جولتها يوم 19 جانفي في بن قردان المدينة الملحمة التي تصدّت لجحافل الإرهاب بشجاعة وشراسة.
وعن صدى أول عروض برمجة «إرهابي غير ربع» في الجهات التي استهلت جولتها في معتمدية سيدي علي بن عون التي لوّث الإرهابيون ترابها بدنس جرائمهم لكنهم لم يرهبوا أهلها ولم يمنعوهم من الإقبال على المسرح وعلى الحياة، كان تعليق الفنان رؤوف بن يغلان كما يلي: «سعدت بحضور جمهور غفير، جاء من مدن و أرياف مجاورة، جمهور متنوّع مكثف من كل الفئات عبّر لي الكثير منهم عن تعطشهم للحضور في فعاليات ثقافية استعصى قدومها إليهم في معتمدياتهم الداخلية. وقد اغتنم بعض الشباب هذه الفرصة لتحميلي مسؤولية إبلاغ مطالبهم للإعلام وللسّلط في شـأن حقّهم المشروع في الثقافة مؤكّدين أنها ضرورة حياتية وغيابها حرمان وإجحاف لحقوقهم سيّما أمام انعدام المشاريع التنموية وانسداد الأفق أمامهم. وقد سرّني هذا الإلحاح وهذا الوعي بأهميّة الثقافة لديهم مما جعلني ألتزم بتبليغ صوتهم للمعنيين بالأمر».

واجب الفنان أن يكون في ساحة المعركة
عن فلسفة هذا المشروع الثقافي الذي رفع شعار «القرب من الجمهور والالتزام
بقضايا المجتمع»، يقول رؤوف بن يغلان: «اقتناعا بأن مكافحة الإرهاب لا تقتصر على الطرح الأمني فقط، أردت التأكيد بأنّ العمل الثقافي والإبداعي هو أيضا طرف فاعل في التصدّى للفكر الاحتوائي المتطرّف وأنّ إشراك الفنان والمثقف ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها. ولذلك أصرّ على وجودي في ساحة المعركة ضد كل أشكال التطرّف والإرهاب ولا أسمح لنفسي ولا لغيري أن أعزل عن أداء الواجب الذي أستطيع القيام به كفنّان».

ويلخص رؤوف بن يغلان رسالة الفنان الآن وهنا، كما يلي: «نحن معشر الفنّانين والناشطين في الساحة الثقافيّة ليس لنا خيار إلاّ أن نكون سندا لحماة الوطن، الفن والثقافة سلاحنا، الفكر والعقل حجّتنا، وطنيّتنا عتادنا والإصرار ضماننا».
في «إرهابي غير ربع» يصعد رؤوف بن يغلان إلى الركح ليدخل في حوار حجاجي وجدلي مع شخصيته المحبطة واليائسة والتي هي قاب قوسين أو أدنى من صفة الإرهابي فلم يتبّق إلا الرُبُع وتنسحب من الحياة لتلتحق بصفوف الظلام.

وفي ترجمة لحال الكثيرين من الشباب المعدم والمفقر والمهمش، تشي هذه الشخصية بآلامها وتصرخ بضعفها وقهرها وفقرها في تبرير لنيّتها الانضمام إلى الجماعات الإرهابية التي وفرّت لها ما عجزت عنه الدولة بعد أن أوصدت في وجهها كل الأبواب واسوّد في عينيها الحاضر والمستقبل. ليكون السؤال المزعزع على لسانها بمثابة الزلزال:» كيف تنجح مجموعة صغيرة في استقطابي وتعجز الدولة بطّم طميمها من وزارات ومؤسسات ومنظمات...عن احتوائي؟».

المشاركة في هذا المقال