Print this page

هدم معلم أثري بـ«غار الملح»: ضرورة ملحة أم قصور في الرؤية؟

كان صرحا تاريخيا فهوى بعد أن هوت عليها آلة جارفة في لحظة خاطفة لتتساقط حجارته ركاما وخرابا

وتتناثر رمزيته غبارا وعدما... هكذا كان مصير القوس الشرقي بالميناء القديم بمدينة «غار الملح» من ولاية بنزرت المعروف باسم «القشلة» ممّا أثار الاستنكار والتنديد بهذه الطريقة المهينة في التعامل مع معلم أثري والتي جاءت على شاكلة هدم المباني الفوضوية والخارجة عن القانون!
في إساءة للتراث والتاريخ، تم تداول صورة القوس الأثري بغار الملح وهو يحتضر بين براثن آلة جارفة تعبث بمعلم شاهد على سالف العصر والآوان. مما آثار الحيرة والاستغراب وحرقة السؤال...

اعتداء أوّل... فهل هناك اعتداء ثان؟
في حادثة اعتداء أولى اصطدمت آلة رافعة بالقوس الشرقي بالميناء القديم بمدينة غار الملح المعروف بـ»القشلة» في تسميته العثمانية في إحالة على مكان إيواء الجند. وبعد أن أحدث به ضررا يشكلا خطرا على سلامة مستعملي الطريق فرّ السائق ليتم إعلام بلدية غار الملح بالحادثة. وكان قرار السلطة المحلية بهدم جزء من القوس وإعادة ترميمه... وقد جنى عليها هذا القرار بالتعرض لوابل من الشجب والإدانة والاستياء سيما أمام الطريقة المخجلة والمهينة لعملية الهدم .

أمام هذا الاستنكار الذي وصل حد الاتهام المباشر لرئيس البلدية مصطفى بوبكر بمعاداة التراث والثقافة على خلفية انتمائه إلى حركة النهضة، أصدرت بلدية غار الملح بلاغا جاء فيه ما يلي: «على عكس ما تمّ تداوله حول تحطيم جزء من القوس الأثري بالقشّلة، فإنّ حالة القوس في جزء منه أصبحت تنبئ بالخطر وتمّ على إثر جلسة انعقدت بالمعهد الوطني للتراث، التّدخل لإزالة جزء خطير منه للحفاظ على سلامة المواطنين والمارة بالاتفاق مع جميع المصالح التّي أبدت رأيها في الموضوع».

ما مدى وجود خطأ في التقدير؟
لم تتخذ بلدية غار الملح قرار هدم جزء من قوس «القشلة» كما لم تنفذه بمفردها بل بالتنسيق مع التفقدية الجهوية للتراث وقد حضر على عين المكان المهندس الأثري عدنان بن نجمة... وهو ما أثار الاستغراب من الطريقة العنيفة للهدم التي قد يكون بالإمكان التعامل فيها مع معلم أثري بأكثر حرفية واحترام.

وللبحث في حيثيات الواقعة اتصلت «المغرب» بالباحث بالمعهد الوطني للتراث عماد صولة نظرا لأن ولاية بنزرت تعود إليه بالنظر فصرّح أن كل الجهود تبذل من أجل الحفاظ على هذه المعالم التي ترجع إلى القرن 17 لرمزيتها الحضارية وقيمتها التاريخية إلا أن اصطدام الآلة الجارفة بسقف القوس الشرقي للميناء القديم ألزم التدخل للحيلولة دون وقع الخطر.

وبخصوص سرعة اتخاذ قرار الهدم وطريقة التدخل وآلياتها استبعد الباحث عماد صولة أن يكون المهندس الأثري عدنان بن نجمة الذي كان حاضرا على عين المكان ممثلا عن المعهد الوطني للتراث قد أخطأ التقدير خصوصا وهو يتمتع بخبرة 20 سنة في المجال. ومن المفروض أن لجنة مختصة انتقلت عشية أمس إلى مكان الحادثة للمعاينة والوقوف على مواطن الخطأ إن وجدت حسب تصريح محدثنا الذي أكد أنه سيتم اتخاذ كل الإجراءات اللازمة إن ثبت وجود أي تقصير.

وأشار أستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية عماد صولة إلى أن عملية الترميم لقوس القشلة بغار الملح ستتم في نطاق المهنية واحترام المواصفات الفنية لكي يعود المعلم كما كان.

ولعلّ هذه الحادثة من شأنها أن تدير الرقاب وتستقطب الاهتمام للالتفات إلى المخزون التراثي الخصب لغار الملح من «برج باب تونس» و«برج سيدي على المكي» و«ميناء الصيد البحري القديم» و«مقام الولي الصالح سيدي على المكي».. الذي يلفّه التهميش والإهمال شأنه شأن العديد من الدرر التاريخية المنسية في كل ربوع الجمهورية.

المشاركة في هذا المقال