Print this page

عدد خاص بذكرى غزوة بدر

ارتأينا أن نخصص عدد اليوم من ملحق المغرب إلى التعطر بنفحات

من ذكرى غزوة بدر ..هذه الذكرى وغيرها من الأحداث التي جدت في شهر رمضان لنستلهم منها معاني العزة ونسترجع صور النصر الذي يأتي بالعمل والمجاهدة لا بالتكاسل والجهل والخنوع ...صور وذكريات ..فقد طالَ شوقُ بطاحِ مكّةَ إلى سحابةٍ حانيةٍ تنثُرُ الوَدْقَ المُنعش فترويَ ظمأََ الخزامى، وتندّي النسائمَ المشتاقة ليقظة الفجر الموعود، وسنا الشمس الجديدة، وتسقي الريمَ ذات العطش، وتخفّفَ من لهيبِ الصحراء الحارقِ على السُّراة الذين يبحثون عن مأمنٍ يناجون فيه الله سبحانه وتعالى...

تسامى حنينُ الكعبة، وراحت جدرانُها الجريحة تحلُمُ بصوتٍ دافئٍ يلهجُ بكلمة التوحيد، ويسبّحُ للخالقَ الأحدَ الفردَ الصّمد..
حمائمُ لا تأمَنُ على أعشاشها، وظباءٌ تُفجَعُ بريمها، وضفائرُ تُهان، وحجارةٌ تُعبَد، وقلوبٌ مسكونةٌ بالطّهر والنقاء تُستَعبدُ، وتوثّقُ بتُهَمةِ التوحيد.

هناك، وفي تلك اللحظات الحاسمة كان نهرُ الرحمة المُنتظَر يترقرقُ فوق الرمال، فتنمو على ضفّتيه الأعشابُ الخُضر، وكان صوتُ المحبّة يخترقُ الأسماعَ المشتاقةَ، ويتغلغلُ في الصدورِ المكلومة فيملؤُها أملاً وسعادة..
صوتُ المحبّةِ والرحمةِ المهداة هو محمد -صلى الله عليه وسلّم- الذي آنسَ وحشةَ الأرجاء، وغُربةَ الأرض التي طالما اشتاقت لجباه الساجدين ودموعهم، ووهبَ الدواءَ لأصحابِ الأدواء...

فالتفّ حوله نجومُ الصحابة التفافَ الفراش حول الغصن المزهر، وبدأت رحلةُ النور تشقُّ دياجيرَ الظلام... تلكمُ الرحلةُ المظفّرة، المتوشّحة بالتّضحية والمعاناة والتّضييق من رموز معسكر الباطل ورؤوس الكفر...

فاتحة الفتوحات

وما أروعَ فاتحةَ هذه الغزوات التي نعدها غزوًا لمسيرة التاريخ، فقد غيرت مجراه نحو الخلود غزوة بدر الكبرى وقد سميت بذلك نسبة لمكانها الذي شرفه الله بحدوثها فيه... وشاء الله تبارك وتعالى أن تكون اسمًا على مسمى؛ فهي بالنسبة لبقية الغزوات كالبدر بين بقية الشهب والنجوم والكواكب... وما كانت كبرى بالنسبة لعدد القوتين الضاربتين المتضاربتين فيها، ولا بالنسبة لزمانها الذي استغرقته، ولا بالنسبة للغنائم التي نتجت بعد إحصاء أنفالها... ولكنها كبرى لأنها سجلت صحيفة فاصلة لتحويل العالم أجمع من النقيض إلى النقيض... من الظلام إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الهمجية إلى الحضارة، ومن البهيمية إلى المدنية، ومن الجاهلية إلى الإسلام.
فهي فاتحة الفتوحات، أو هي غزوة الإيمان... هي القتال المشروع والنضال المقدس، والفتح المبين، والإيمان المحصن، والنصر المؤزر، والزحف الغلاب، والبشرى المشجعة، والدفعة الفتية، والنفحة لإنقاذ البشرية من نير الوثنية، فقد صدق الله وعده، ونصر عبده وأعز جنده.
«وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»آل عمران: 123

«وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ»آل عمران: 126.

وقبل أن نتحدث عن بعض تفاصيل المعركة ينبغي أن نَلفت النظر والعقل والقلب إلى بعض عناصر دروس الإنسانية التي تجلت في هذه المعركة في مقدماتها، وفي أثنائها، وفي نهايتها، ونتائجها، لتكون مواضيع دراسة للعالم أجمع ، وكذلك نبراسًا وهديًا لنا

المشاركة في هذا المقال