في رحيل الدكتور محمد الطالبي: ... وترجلّ رجل التفكير في زمن التكفير ...

لا نرثي اليوم رجلا عاديا أو اسما عابرا بل نقف اليوم بقلوب ملتاعة وأفئدة حزينة في موقع رثاء مفكر ومؤرخ وعميد من نوع خاص. رحل محمد الطالبي وغاب عن معركة الحياة في صمت، وانطوت صفحة جسده الهرِم، لكن فكره الحرّ والجريء وموقفه المخالف

للسائد ومؤلفاته المثيرة للجدل ستحفظ اسم هذا العلاّمة الذي لم يعرف يوما معنى التردد أو التراجع أو الانسحاب أمام سياط التهديد وعصّي الهجوم ...قد نتّفق مع محمد الطالبي وقد نختلف معه ولكن يبقى رحيل هذا المفكر بحجم الخسارة الكبرى لهذا الوطن.

شاء القدر أن تُبلى تونس برحيل قامتين في الأدب والفكر في زمن قصير، فبعد ترّجل الأديب والناقد الكبير توفيق بكّار هاهو المفكر الشهير محمد الطالبي يغادر الحياة في هدوء بعد أن «ملأ الدنيا وشغل الناس». في ساعة مبكرة من صباح أمس الإثنين غرّة ماي 2017، وافت المنيّة الأستاذ الجامعي والعالم الإسلامي محمد الطالبي، عن عمر يناهز 96 سنة.

الطالبي ولواء تجديد الفكر الإسلامي
بعد عمر قضاه في البحث والدرس والتحليل ... لملم المفكر التونسي محمد الطالبي أفكاره وأوراقه ومسوداته... في حقيبة الرحيل الأبدي بعد أكثر من تسعين سنة قضاها في الدعوة بكل جرأة إلى تنقية تراثنا الفقهي من كل ما يتعارض مع النص القرآني معتبرا أن القرآن هو المدخل الأوحد لفهم الإسلام.

سنة 1921 كانت ولادة محمد الطالبي بتونس العاصمة. درس الفقيد بالمدرسة الصادقية ثم بجامعة السوربون بباريس حيث حصل على شهادة الدكتوراه. وقد التحق بالجامعة التونسية حيث درّس التاريخ الإسلامي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس، قبل أن يشغل منصب عميد لنفس الكلية في السبعينات. وتولى في الثمانينات رئاسة اللجنة الثقافية الوطنية. وانضم إلى المجلس الوطني للحريات في تونس في عام 1995...

وعلى امتداد ستة عقود، ألف الراحل ما يناهز 30 كتابا عكست تفرد منهجه في البحث وثراء تكوينه الفكري ..فنال العديد من الجوائز الثقافية والأوسمة الفخرية في تونس وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا والسويد...

في سنة 2011 توّلى الفقيد رئاسة المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون (بيت الحكمة بقرطاج). وفي عام 2012 أسس الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين.

حمل العلاّمة محمد الطالبي لواء تجديد الفكر الإسلامي وخاض معارك فكرية كبرى مع البسطاء وحتّى مع العارفين... وهو الذي يقول: «أعتبر أن الإسلاميين والدعاة يروّجون لمفهوم خاطئ عن الإسلام يقوم على التشدد والتعصب، لا على دراسة وفهم صحيحين للنص القرآني، كما أن هناك خلطا متعمّدا في المفاهيم يوّظف لأغراض سياسية شوّهت صورة الدين الإسلامي».

«الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين» واستفزاز السواكن...

بعيدا عن التقديس المطلق للشريعة دون تفكير ولا تدبير مقاصد... ارتأى المفكر الراحل الطالبي أن يؤسس «الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين» لتكون منبرا لبحوث تجديد الفكر الإسلامي.

وبالرغم من بعض العراقيل التي واجهته في بعث «الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين» فقد تمسك محمد الطالبي بتأسيس جمعيته ممّا اضطره إلى البعث برسالة احتجاج إلى الرئيس السابق منصف المرزوقي سنة 2013 جاء فيها ما يلي : «دولتكم سمحت بتكوين آلاف الجمعيات، ومنها جمعيات حماية الثورة، التي ارتكبت ما يكاد لا يُحصى من الجرائم، ومنها ماهو باسم الدين، وإن لم يكن صراحة. ودولتكم تمنعني من تكوين جمعية هذا اسمها وأهدافها: الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين. الجمعية تعمل من أجل تجديد الفكر الإسلامي وتحقيق الحداثة والعقلانية والتقدم إلى الأمام، وذلك في اعتقادنا يتفق مع كتاب الله.وتقاوم السلفية التي تدعو إلى العنف والتأخر إلى الوراء وذلك بالمكافحة الفكرية السلمية.الجمعية ملتزمة بما اتفق من سنة رسول الله مع القرآن وغير ملتزمة بالشريعة، وتعمل من أجل إلغائها كعمل بشري غير ملزم نشأ في القرن الثالث هجري. الجمعية علمانية، تعمل من أجل الفصل بين الدين والدولة، فلا دخل للدولة في شؤون المواطنين الدينية.الجمعية تعمل من أجل نشر ثقافة حقوق الإنسان، والقيم الإنسانية العالمية، ومقاومة العنف بكل أصنافه مهما كان مأتاه، والدفاع عن الحريات الأساسية كلها، والمساواة الكاملة وغير المشروطة بين الجنسين.فما تغير؟ فما قولكم؟ مع أجمل ذكرياتي، وخيبة آمالي، وسأبقى مناضلا من أجل الحريات مهما كانت التكاليف.»

وفي الأخير كان للدكتور محمد الطالبي ما أراد وتم الحصول على تأشيرة ورئاسة»الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين». ونظرا لجرأة المواقف المخالفة للموروث السائد والمستفزة للسواكن التي صدحت بها هذه الجمعية كان العالم الإسلامي محمد الطالبي- خصوصا بعد التعبير عن موقفه من الخمر والبغاء- في مرمى سهام النقد والتجريح والتكفير والتشكيك في أهليته العقلية...
واليوم وقد رحل محمد الطالبي لم تستح النفوس المريضة والقلوب الحاقدة من أن تلعن الرجل وهو مسجّى على فراش الممات دون أقل احترام لحرمة الموت وأدنى اعتبار لاجتهاد مفكر قضى عمره بين الكتب طلبا للعلم من المهد إلى اللحد ...

ثلاثون كتابا ..في محراب الفكر الحر

ألّف الفقيد محمد الطالبي ما يناهز الـ 30 كتابا باللغات العربية والفرنسية والانجليزية، من بينها: «ابن خلدون والتاريخ»، و»مرافعة من أجل إسلام معاصر»، و»تأملات في القرآن»، و»الإسلام والحوار»، و»عيال الله»، و»كونية القرآن .... مفكر حر في الإسلام»، و»ليطمئن قلبي» في 3 أجزاء، و»ديني الحريّة»... وكان آخر إصداراته بعنوان «الإسلام ليس حجابا».

من أقوال الطالبي المثيرة للجدل
«لا وجود لخلافة أو دولة إسلامية في الإسلام».
«لا وجود لفقه أو اجتهاد أو رجم أو جهاد نكاح أو تكفير في الإسلام.»
«لا وجود لشريعة أو كهنوت في الإسلام».
«وحده الله يمثّل الإسلام والشريعة ليست القرآن».
«لسوء حظنا أنّنا ندرّس الشريعة وما تُلقّنه من تكفير».
« الرسول محمد كان يشرب الخمر مما يعني بأنها ليست محرمة كما هو متداول بل حلال لا ريب فيه».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115