في الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات: عندما توّحد راية الفن شعوب العالـم ...

تحت سماء الفن وراية الإبداع كان اللقاء على عقيدة الخلق والجمال والالتقاء على مذهب الأمل والحياة بعيدا عن حدود الجغرافيا وأجندات السياسة وحسابات الاقتصاد... إذ كان الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات قبلة أهل الألوان والأشكال الذين توافدوا

على تونس من مختلف القارات والبلدان والعواصم زادهم في رحلتهم السحر والعطر والخيال... طالما أن الفن هو جواز سفر مفتوح إلى مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف المكان والزمان.

كثيرا ما يكون مرسم الفنان عالما خاصا وسريا وحميما يقفل أبوابه عن الأعين والزوار في لحظة الاختلاء اللذيذ ما بين الرسام ولوحته، الفنان ومنحوته ... إلا أن الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات كان عبارة عن ورشات فنيّة مفتوحة بلا أقفال ولا أبواب...

نحت ورسم وحفر... وحوار فني مفتوح
تتنوع الأعراق وتتعدد الديانات وتختلف اللغات ويبقى الفن لغة موحدة لكل شعوب العالم. وتحت راية الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات
التقى 30 فنانا من 15 دولة على غرار تونس والعراق والمغرب والأردن ومصر وأذربيجان واليابان والمكسيك وإسبانيا والصين وفرنسا وكندا وبلغاريا ... وقد انطلقت فعاليات هذا الملتقى يوم 5 أفريل الجاري لتتواصل إلى غاية يوم 30 من الشهر نفسه. ومن جديد الدورة الثالثة للملتقى المتوسطي للفن المعاصر الانفتاح على ثلاث ورشات في فنون الرسم والنحت والحفر بعد أن اقتصرت الدورتان السابقتان على فنّ الرسم منفردا. وعن فلسفة تنظيم هذا الملتقى قال الفنان العراقي المقيم بالسويد «على رشيد» إن»جمع الملتقيات الفنيّة لمبدعين من مختلف الجغرافيات والتيّارات والمدارس... أخرج الفنان من إطار الفردية والوحدة المعزولة إلى نطاق العمل الجماعي. فلم يعد هذا الفنان يشتغل بمعزل عن الآخر بل أصبح يمارس الفن أمام العيون مما من شأنه أن يفتح حوارا بصريا وتبادلا للآراء والانطباعات حول العمل الفني وهو في طور التشكل في نوع من الديمقراطية في الفنّ.».

خلق وإبداع بين إيحاء البحر وإلهام الطبيعة
في مغازلة للبحر وسره الدفين وأفقه الشاسع وفي استلهام من سحر الطبيعة وعذوبتها التي لا تنضب...اتخذ فنانو الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات أماكنهم وراء مشاريع لوحات وأضغاث أحلام يحاورون اللون ويتجادلون مع الشكل في حديث الفن والخيال والجمال. وفي هذا السياق عبّر الفنان الأردني «حازم نمراوي» الذي يسجل حضوره في ورشة الرسم عن سعادته بزيارة تونس لأول مرة وعن ارتياحه للمشاركة في الملتقى المتوسطي للفن المعاصر واصفا إياه بالفرصة الجميلة للتعرف على فنانين من مختلف أنحاء العالم والاحتكاك بإبداعات الآخرين على اختلاف الاتجاهات والتقنيات والرؤى ... وأضاف حازم نمراوي بالقول: «ستكون ثمرة مشاركتي في هذا الملتقى مجسدة في ثلاث لوحات تشكيلية اشتغلت فيها على تكثيف الألوان والملامح ورمزية الحركة العنيفة في علاقة قد تبدو خفيّة لكنها وطيدة جدا بين الواقع والتجريب».

إن كان النحت من أقدم الفنون التي مارسها الإنسان في الحضارات القديمة فمن رحم الصخرة الصماء تولد المنحوتة الجميلة المثقلة بالدلالات، المحمّلة بالرمز... وفي الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات تعهد النحاتون التونسيون والأجانب بالحجارة يستنطقونها ويروّضونها ويغازلونها كي تتحوّل إلى منحوتات وتحف فنيّة. ومن بين المشاركين في ورشة النحت التي اتخذت مكانها بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات الفنان التونسي «عبد العزيز كريد» الذي أفاد بأنه يلعب دور المنسق بين مختلف المشاركين في ورشة النحت إلى جانب اشتغاله على منحوتة هي رجع صدى للواقع المعيش من حيث الدعوة إلى الحب والسلام ونبذ العنف والكراهية والعنصرية... وأضاف هذا الفنان بالقول:» لا يكفي أن نقدم منحوتة جميلة بل لابد أن تكون هذه المنحوتة حاملة لقيمة إنسانية في رسالة إلى كل العالم».

ورشة خضراء وصديقة للبيئة في فن الحفر
إن كان الفن هو لغة الحب والخير والجمال فقد يناقض نفسه حين يتحوّل إلى غير قصد منه إلى عنصر مضّر بالطبيعة باستعمال مواد مهددة لسلامة البيئة ... وفي هذا الإطار ابتدع الفنان العراقي المقيم بالسويد»مظهر أحمد» تقاليد جديدة وتقنيات متفردة في فن الحفر حيث استعاض عن استعمال الحوامض والمواد الكيميائية ليتحول الكرافيك عنده إلى فنّ صديق للبيئة. وهكذا صارت تجربة ورشة الخضراء في فن الحفر محل اهتمام واستقطاب الفنانين والباحثين والنقاد من كل العواصم والبلدان ليكتسب صاحبها شهرة عالمية مرموقة. وبمشاركة الفنان «مظهر أحمد» في ورشة الحفر ضمن الملتقى المتوسطي للفن المعاصر كانت الفرصة متاحة أمام الفنانين وطلبة الفنون الجميلة للاستفادة من خبرات الرجل في الميدان والاطلاع عن قرب على أسرار الورشة الخضراء.
وقد فتح الفنان التونسي المختص في فن الكرافيك «باكر بن فرج» أبواب ورشته الخاصة لاحتضان ورشة الحفر ليضع مرسمه ومواده وآلاته تحت تصرف فناني الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات. وقد علّق هذا الفنان آمالا عريضة على هذا الملتقى الذي يخوض لأول مرة في تونس رهانا صعبا بجمع أكثر من فن في حدث واحد ...كما تحدث «باكر بن فرج» بحماس شديد عن طموحه في تحويل الملتقى المتوسطي إلى ملتقى دولي للفن المعاصر.

ولعل من أهم النقاط المضيئة في هذه المناسبة الفنية هي استضافة الفنان التونسي القدير «محمد بن مفتاح» الذي يعد من أبرز الفنانين المختصين في فن الحفر بتونس والعالم حيث تتلمذت على يديه أجيال وأجيال... ورغم تقدمه في السن، لا تزال شعلة الفن وهالة الإبداع ترافق أنامل هذا الفنان وهو بصدد خلق منتوج فني جديد في ورشة الحفر في الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات.

حديقة للفنون ومتحف مفتوح
يتجاوز الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات كونه حدثا ثقافيا مهمّا ومناسبة فنية قيّمة ليكون حمّال رسائل إلى كل العالم مفادها أنه بالرغم من كل ما يقال عن مخاوف الإرهاب في تونس فإنها تبقى أرض سلام وجمال.

وإن كانت أشغال الورشات الثلاث من رسم ونحت وحفر ستتمخض عنها ولادة إبداعات عديدة في مختلف هذه الفنون فقد أفاد مدير المركز الثقافي الدولي بالحمامات «معز مرابط « أنه سيتم عرض اللوحات والأعمال الفنية في اختتام الملتقى المتوسطي للفن المعاصر كما ستتخذ المنحوتات مكانها في حديقة الفنون بالمركز تحت عنوان المتحف المفتوح.

وفي انتظار أن يكمل فنانو الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات لوحاتهم ومنحوتاتهم وإبداعاتهم يبقى للحلم مكان في السماء وللخيال طيف في الأفق البعيد وفي الوجدان شوق لخلق شيء جديد ...ألم يقل الشاعر أمين نخلة «إن الفن ولد يوم قالت حواء لآدم : ما أطيب التفاحة، ولم تقل كلّ التفاحة ...».

المنسقة العامة للملتقى ريم العياري:
لولا قوّة التحدي لما كان ملتقى الفن المعاصر


انبثقت فكرة بعث الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات عن إيمان الفنانة ريم العيّاري بضرورة إرساء تظاهرات فنية ذات صيت عالمي في تونس، حيث تقول:» منذ سنة 2013 اختمرت في ذهني الرغبة في بعث ملتقى متوسطي للفن المعاصر بتونس ولكن وبالرغم من بذل مجهود جبار إلا أن كثرة التعطيلات والتعقيدات أجبرتني على تحويل وجهة الملتقى نحو المغرب حيث وجدت هناك كل الدعم والتأييد... وبفضل إصراري الملّح على تنظيم هذا الملتقى في تونس ناضلت من أجل تحدي الصعوبات والتغلب على الإشكالات ليحتضن المركز الثقافي الدولي بالحمامات العام الفارط الدورة الثانية من الملتقى المتوسطي للفن المعاصر. وبعد نجاج الدورة السابقة ها نحن بصدد تنظيم الدورة الثالثة للملتقى بالتعاون مع المركز الثقافي الدولي بالحمامات وبمساعدة «جمعية حضارات دروب متقاطعة» بباريس التي تترأسها التونسية وداد عثماني والتي أخذت على عاتقها مهمة التنسيق مع الجهات الديبلوماسية في فرنسا والاتصال بوسائل الإعلام المحلية والأجنبية . كما وجدت كل الدعم من طرف «نزل البرتقال» بالحمامات الذي تكفل بإيواء ضيوف المهرجان... ولكن في المقابل يؤسفني كثيرا تجاهل وزارة الشؤون الثقافية لهذا الحدث الكبير وتنصلها من أي دعم مادي أو معنوي للملتقى المتوسطي للفن المعاصر».

تكريم الفنان العراقي الكبير علاء بشير

من بلاد الرافدين كان الفنان العراقي «علاء بشير» محل ترحيب وتكريم في الملتقى المتوسطي للفن المعاصر بالحمامات. ويتمتع الفنان علاء بشير بشهرة عالمية لا بوصفه فنانا فقط بل أيضا لبراعته في الطب التقويمي والتجميلي.
وإن عُرف «علاء بشير» في مجال الطب بتخصصه في إعادة الأطراف المبتورة منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين، فقد خاض تجربته الفنية الأولى برسم اللوحات الانطباعية ليعانق أسلوبه الفني تدريجيا السريالية.
وفي النحت، استخدم الفنان علاء بشير الطين لتجسيد الرموز التعبيرية والتجليات السريالية... وما بين مهنة الطبيب وممارسة الفنان يقول علاء بشير أن الإنسان هو محور الطب كما هو أصل الفن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115