Print this page

إفريقيا، التحدي البيئي المؤجل

طرح «تيكاد 8» الذي يستمر اليوم بتونس إشكال التنمية المستدامة ودعم إفريقيا في مجابهة تغير المناخ واستحقاقات وشروط الاندراج ضمن مسار الاقتصاد الأخضر.

وتعرف إفريقيا تحديات بيئية مضاعفة بسبب التزايد الديمغرافي وتباطوء نسق النمو مع تصاعد وتيرة تغير المناخ وتداعياته على البلدان الإفريقية ومواردها وأنظمتها.
سيؤثر تغير المناخ بشكل متزايد على أفريقيا بسبب عوامل عديدة. وهذه التأثيرات محسوسة بالفعل وسيزداد حجمها إذا لم تتخذ إجراءات للحد من الانبعاثات الكربونية العالمية. وتشمل هذه التأثيرات ارتفاع درجات الحرارة والجفاف وتغير أنماط سقوط الأمطار وزيادة تغير المناخ. مع تأثير هذه الظروف على إنتاج الطاقة واستهلاكها.

وتعرف القارة السمراء إشكاليات تخص الضغوط على المارد الطبيعية والمقدرات البيولوجية المتوفرة، و رأس المال الطبيعي هو مخزونات العالم من الأصول الطبيعية، والتي تشمل الجيولوجيا والتربة والهواء والماء وجميع الكائنات الحية. ويستمد البشر من رأس المال الطبيعي هذا مجموعة واسعة من الخدمات، وغالبا ما تسمى خدمات النظام الإيكولوجي، والتي تمكن الحياة البشرية. ويتعين إدارة خدمات النظم الإيكولوجية هذه من أجل الحفاظ على الخدمات الإيكولوجية الرئيسية واستعادة الموارد الطبيعية مع تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية واحتياجات الأجيال الحالية والمقبلة. إن الإشراف الجيد على الموارد الطبيعية يعد أمرا ضروريا للنمو الاقتصادي المستدام والازدهار في المنطقة.

وتحتل افريقيا، ثانى أكبر قارة فى العالم، نسبة كبيرة من الموارد الطبيعية فى العالم، القابلة للتجديد وغير المتجددة. وتضم القارة ثاني أكبر غابة استوائية على الكوكب، وهو ما يمثل نحو 16.8 في المائة من الغطاء الحرجي العالمي. ويوجد حوالى 30 فى المائة من احتياطى العالم من المعادن فى أفريقيا. وتملك القارة 8 في المئة من احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي و 12 في المئة من احتياطي النفط العالمي و 40 في المئة من الذهب و 80 الى 90 في المئة من الكروم والبلاتين. وأكبر احتياطي من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم في العالم موجود في القارة. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك المنطقة 65 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم بما يكفي لإطعام 9 مليارات نسمة و 10 في المائة من مصادر المياه العذبة الداخلية المتجددة. وتعرض قطاعات مختلفة قيما هائلة: يقدر قطاع مصايد الأسماك بنحو 24 مليار دولار من دولارات الولايات المتحدة؛ وتنتج تربية الأحياء المائية، وإن كانت لا تزال في طور النمو، بالفعل قيمة تقدر بحوالي 3 مليارات دولار سنويا، وتساهم الغابات بنسبة 6 في المائة في المتوسط في الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا.

إن الموارد الطبيعية للمنطقة تدعم اقتصاد القارة وتستمر في تمثيل فرص إنمائية كبيرة كما أكد على ذلك إعلان القاهرة لعام 2015 بشأن إدارة رأس المال الطبيعي في أفريقيا من أجل التنمية المستدامة والقضاء على الفقر. ولذلك فإن الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية للقارة، مسترشدا بخطة الأمم المتحدة للتنمية لما بعد عام 2015، وخطة أفريقيا لعام 2063، يمكن أن يسهم في ضمان النمو الاقتصادي المطرد والقضاء على الفقر والاستقرار السياسي.

بيد أنه للاستفادة من هذه الإمكانات الهائلة، يتعين التغلب على التحديات الهائلة التي يطرحها الاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية للقارة:
- يكلف قطع الأشجار غير المشروع القارة 17 مليار دولار سنويا. ويشير تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن الجرائم البيئية إلى أن تجارة الفحم غير المشروعة وحدها تنطوي على خسارة مباشرة في الإيرادات تبلغ 1.9 مليار دولار سنويا.
- من خلال الصيد غير المشروع في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يفقد ما يزيد على مليار دولار من العائدات المفقودة سنويا.
- يكلف الصيد غير المشروع للأفيال، الذي يعد من الأصول السياحية الرئيسية، المنطقة خسائر تقدر بنحو 1.9 مليار دولار سنويا.
- في قطاع المناجم، تقع البلدان ذات الثروة الهائلة من الموارد في الجزء الجنوبي من القارة في مؤشر التنمية البشرية العالمية.
- فيما يتعلق بالنظم الإيكولوجية والأمن الغذائي، يعتمد 180 مليون شخص على التربة المستنفدة لزراعة غذائهم. وتقدر الخسائر الاقتصادية المرتبطة بتدهور الأراضي في أفريقيا جنوب الصحراء بمبلغ 68 مليار دولار في السنة.

وتشمل أنشطة برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن النظم الإيكولوجية في أفريقيا وتحقيق التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة في أفريقيا ما يلي:
- مكافحة استنفاد وتدهور قاعدة الموارد الطبيعية في أفريقيا وتعزيز حفظ التنوع البيولوجي الأفريقي واستعادته، وهو ما يمثل تراث لا يقدر بثمن، من خلال تحسين مراقبة الوصول إلى الموارد الجينية في القارة.
- ضمان الاستفادة من الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي من الناحية المالية والاقتصادية للبلدان التي تمتلكها والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها مع مراعاة الأجيال الحاضرة والمقبلة على حد سواء.
- تعزيز القيمة المضافة والبحث والتطوير ذات الصلة والابتكارات التكنولوجية من أجل تسخير قاعدة الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي على نحو مستدام من خلال إقامة مشاريع مشتركة وشراكات بين القطاعين العام والخاص لتيسير إنشاء الصناعات في أفريقيا.
- بالنظر إلى أن المساعدة الإنمائية الرسمية المقدمة إلى أفريقيا آخذة في الانخفاض، ينبغي للمنطقة أن تنظر في التعبئة المحلية للأموال، من خلال إدارة عادلة لها وشفافة ومستدامة لتعزيز رأس مالها الطبيعي.

وتنحرف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن المسار تجاه تحقيق غاية هامة تتعلق بالبيئة وهي خفض نسبة السكان الذين يفتقرون إلى مصدر محسّن للمياه وخدمات الصرف الصحي الأساسية إلى النصف بحلول عام 2015. كما زادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المنطقة التي تشهد انخفاضا في نصيب الفرد من الموارد المائية وتواجه مخاطر على عديد من الجبهات بسبب تقلبات المناخ. ولذلك تمثل الاستدامة البيئية قضية رئيسية في المنطقة التي لا تقوم، في المتوسط، بتعويض ما تستخرجه من موارد طبيعية وفيرة بصورة غير عادية باستثمارات كافية لضمان النمو الاقتصادي على المدى الطويل..
تظهر الدراسات أنه في بعض البلدان تتراوح التكلفة الصحية الناجمة عن المخاطر البيئية بين 1.2 و3.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وفي هذه البلدان، يمثل تلوث الهواء والإمكانية المحدودة للحصول على المياه والصرف الصحي المخاطر الصحية الرئيسية المرتبطة بالبيئة.
لم تتراجع نسبة السكان الذين يفتقرون إلى مياه آمنة سوى نقطة مئوية واحدة منذ عام 1990، وتبلغ حاليا 11 في المائة؛ وتنحرف المنطقة بذلك عن المسار تجاه بلوغ النسبة المستهدفة وهي 6 في المائة بحلول عام 2015. وتبلغ نسبة السكان الذين يفتقرون إلى خدمات محسّنة للصرف الصحي 24 في المائة مقابل 30 في المائة عام 1990، لتكون المنطقة بذلك منحرفة عن بلوغ الهدف المتمثل في تحقيق نسبة 15 في المائة بحلول عام 2015.
لا يحصل على محاليل علاج الجفاف عن طريق الفم سوى 28.6 في المائة من أطفال المنطقة الذين يعانون الإسهال.
يفتقر أكثر من 38 في المائة من سكان الريف في الشرق الأوسط إلى الكهرباء وربما يعتمدون على الوقود الحيوي الذي يضر بالصحة بسبب تلوث الهواء في الأماكن المغلقة. أما في شمال أفريقيا فلا يفتقر إلى الكهرباء إلا 9 في المائة من سكان الريف.

تغير المناخ والشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وقد يتسبب تغير المناخ في خسائر زراعية في أجزاء من المنطقة نتيجة لزيادة وتيرة نوبات الجفاف وشدتها، وقد يزيد عدد الوفيات المرتبطة بالإسهال والملاريا وسوء التغذية.
وتظل المنطقة معرضة لارتفاع منسوب سطح البحر بسبب الاحترار العالمي. وستواجه المجتمعات المحلية الساحلية مخاطر هائلة إذا ارتفع منسوب سطح البحر مترا واحدا ما لم تُتخذ تدابير فعالة للتكيف مع هذه الظاهرة.
يتيح التأمين على مؤشر المناخ، والذي تمت تجربته حاليا في تونس والمغرب، فرص لمساعدة فقراء المزارعين.
الاستدامة البيئية
يعتبر نصيب الفرد من الموارد الطبيعية في المنطقة مرتفعا بشكل خاص إذ يبلغ 12 ألف دولار أمريكي، معظمها من النفط. غير أن بعض بلدان المنطقة يمضي على مسار غير مستدام، حيث تستهلك الأرباح الناشئة عن استغلال الموارد الطبيعية بدلا من استثمارها لضمان استدامة النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
الإجهاد المائي
تواجه المنطقة إجهادا مائيا، حيث يقل نصيب الفرد من موارد المياه العذبة الداخلية عن 2000 متر مكعب، ومن المتوقع أن ينخفض إلى أقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2050.
يتجاوز معدل السحب من المياه العذبة مستوى الموارد المتوفرة. ويتجاوز معدل السحب من المياه الجوفية في كثير من الحالات مستوى إعادة تغذية الخزانات، ولا سيما في البلدان التي تعتمد اعتمادا شديدا على موارد محدودة
للإشارة فقد احتلت تونس قبل عامين المركز الثاني افريقيا والمركز 71 عالميا في مؤشر الأداء البيئي لسنة 2020 الذي يقدّم تحليلا للسياسات البيئية عبر العالم والصادر
سنة 2020 عن جامعتي «يال» و»كولومبيا»
وصنف اصدار 2020 للمؤشر 180 بلدا منها 51 من افريقيا على اساس 32 مؤشر اداء تجمع ضمن 11 فئة تتعلق اساسا بحيوية المنظومات البيئية وجودة الهواء والصحة والتنوع البيولوجي وجودة البيئة والموارد المائية
وتصدرت الدنمارك الترتيب العالمي تلتها اللوكسمبورغ ثم سويسرا متبوعة بالمملكة المتحدة فيما كانت فرنسا في المركز الخامس
وجاءت السيشال في طليعة البلدان الافريقية (المركز 38 عالميا) لتليها تونس (71 عالميا) ثم الغابون (76 عالميا) فجزر الموريس (82 عالميا) فيما احتلت الجزائر المركز الخامس افريقيا والـ84 على الصعيد العالمي
وصنّفت مصر في المركز السادس افريقيا (94 عالميا) وافريقيا الجنوبية (95 عالميا) ثم المغرب (100) وبوتسوانا (103) وناميبينا (104).
وعادت اسوء النتائج قاريا الى الكوت ديفوار وسييرا ليوني وليبيريا اما عالميا فكان هذا الترتيب من نصيبا افغانستان (178) وميانمار (179) واخيرا ليبييريا (180.
ويعتبر مؤشر الاداء البيئي الذي يعد بالاشتراك بين جامعتي «يال» و«كولومبيا»، استجابة لطلب المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس بهدف المقارنة بين الاداء البيئي للبلدان ومن ثمة المساهمة في تحسين سياساتها في ما يتعلق بحماية المنظومات البيئية والصحة البشرية:

المشاركة في هذا المقال