Print this page

صندوق أخضر.. للتنمية المستدامة

على طريق صون منظوماتها وترشيد استعمال مواردها للتنمية المستدامة، يتوجب على بلادنا رسم وتبني

سياسة بيئية واعتماد خطة مناخية، وهي على طريق تفعيله.
إذ تشكل آليات الدعم وتمويل مشاريع التأقلم والانتقال البيئي ومجابهة تغير المناخ، واحدة من الرهانات الكبرى، والفرص المتاحة للدول والمؤسسات والمنظمات، وكذلك للإعلاميين للتعريف بها وتيسير استفادة الدول منها للجميع.
مثلت الدورات التدريبية المقامة مؤخرا في بلادنا لفائدة الإدارات والخبراء والاتصاليين والجمعيات، حول آليات تمويل مشاريع مقلصة من تغير المناخ، تجربة مهمة اشتركت فيها مؤسسات مرصد الصحراء والساحل والصندوق الأخضر للمناخ،السلطة الوطنية المعتمدة، الصندوق العالمي للبيئة والبرنامج الأممي للتنمية مع وزارة الشؤون المحلية والبيئة، على طريق تعميم المعلومات والمهارات، وتقوية قدرات مختلف الفاعلين على الاندراج في سياق مبادرات الدعم وتمويل «المشاريع المناخية» في تونس.
للتذكير شرعت تونس في بعث هيئة وطنية معتمدة لدى صندوق المناخ الأخضر المكلّف بتمويل إنجاز مشاريع للحدّ من آثار التغييرات المناخية بالدول النامية. وتعمل الهيئة ستكون على أداء دور أداة ربط بين باعثي المشاريع المتعلّقة بالتأقلم مع التغييرات المناخية في تونس من هياكل ومؤسسات عمومية خاصة منها المكلّفة بالموارد المائية والفلاحة والطاقة والنقل والبيئة والبلديات، إلى جانب المؤسسات الخاصة والمجتمع المدني من جهة والصندوق من جهة أخرى.
كما أن الهيئة، التي ستتمتع باستقلالية عن الإدارة التونسية، ستقوم أيضًا بمساعدة الباعثين على بلورة مشاريعهم حتى تستجيب لشروط الشفافية والنجاعة التي يفرضها الصندوق.
 وقامت الهيئة، التي توجد نواتها صلب وزارة الشؤون المحلية والبيئة، خلال الفترة المنقضية بعقد استشارات بشأن تمويل مشاريع التأقلم مع التغيرات المناخية في عدة جهات على غرار صفاقس وجربة وجندوبة وبنزرت، ويستمر الجهد على التوعية والتحسيس بالإمكانيات التي يتيحها صندوق المناخ الأخضر خاصة لفائدة المجالس البلديةفي ظل حاجة مختلف الهياكل التونسية إلى بناء القدرات في هذا المجال.
يذكر أن صندوق المناخ الأخضر تم إحداثه منذ سنة 2010 بعد الندوة 16 للأطراف الأممية للاتفاقية الخاصة بالتغيرات المناخية. ويفترض أن يوفر هذا الصندوق تمويلات بـ 100 مليار دولار سنويًا لفائدة الدول النامية لإنجاز مشاريع للتكيف مع التغيرات المناخية.
واتجهت تونس الى الحصول على تمويلات بقيمة 20 مليون دولار من الصندوق الأخضر للمناخ بهدف تمويل مشروع يعزز مقاومة المناطق الساحلية لمواجهة التغيرات المناخية.
ويتجه المشروع الى تحسين التصرف المندمج للمناطق الساحلية التونسية قصد مزيد التأقلم من آثار التغيرات المناخية والالمام بالاقتصاد الأزرق».
وسيمكنالمشروع من مقاومة الانجراف الساحلي ومساعدة المتساكنين المحليين وخاصة منهم البحارة على التأقلم مع التغيرات المناخية.
ويرمي المشروع ، كذلك، إلى حماية التنوع البيولوجي البحري والأعشاب البحرية بالأساس التي تضطلع بدور هام في الحد والتأقلم مع التغيرات المناخية من خلال امتصاص كمية هامة من ثاني أكسيد الكربون.
وقد تمت مصادقة الهيئة الوطنية المعتمدة من الصندوق الأخضر للمناخ على هذا المشروع الذي يشمل خليجي قابس (خليج بوغرارة) وتونس والشريط الساحلي بنابل وجزيرة جربة. 
وحول مسار تونس المناخي، كتبت سلمى خليفة، لئن تتحمل الدول النامية، ومن بينها تونس، المسؤولية الأقل في انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري والتغير المناخي، فهي تتحمل الآثار السلبية الأكبر لهذه الظاهرة العالمية، خاصة مع الصعوبات الكثيرة التي تواجهها في التخفيف منها والتكيف معها. فتطوير المشاريع التي يمكن أن تحد من آثار تغير المناخ، وإيصالها إلى وجهتها المنشودة يتطلب الكثير من المال والقدرات، وهو أبرز تحدي يواجه تونس في هذا المجال.
البحث عن التمويل لمجابهة خطر التغيرات المناخية
شرعت البلاد التونسية، في هذا الإطار، في إحداث هيئة وطنية معتمدة لدى الصندوق الأخضر تعمل على الإحاطة بحاملي المشاريع المتعلقة بمجال التأقلم مع التغير المناخي والحد من آثاره السلبية ومرافقتهم على مستوى بلورة ملفاتهم وتقديمها لصندوق المناخ الأخضر قصد استقطاب التمويلات.
و يمكن للهياكل والمؤسسات العمومية أو الخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والبلديات تقديم مقترحات مشاريعهم إلى هذه الهيئة، التي توجد نواتها صلب وزارة البيئة والتنمية المحلية، والتي ستلعب دور الرابط بينهم وبين الصندوق الأخضر، حيث ستقوم بتأهيل المشاريع المقدمة وستكون مستقلة عن الإدارة التونسية بما يوفر ضمانة لشروط الشفافية والنجاعة التي يفرضها الصندوق.
وقد قامت الهيئة فعلا خلال  الفترة المنقضية بعقد استشارات بشأن تمويل هذه المشاريع في عدة جهات على غرار صفاقس  وجربة  وجندوبة وبنزرت، حسب ما أكد الخبير التونسي في البيئة عادل بن يوسف.
ويذكر أن الصندوق الأخضر يعد واحدا من أهم الآليات التمويلية في مجال التغيرات المناخية، أنشئ  لمساعدة الدول النامية على تقليص  آثارتغير المناخ والتكيف  معه، وذلك على إثرالمؤتمر الـسادس عشر للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سنة 2010. إلا أنه ومع تعليق تونس آمالا كثيرة على تمويلات هذا الصندوق فهو لا يزال مشروعا غير مكتمل، حيث لم يتجاوز إلى حد الآن مجموع التبرعات 18 مليون دولار في حين كانت الوعود بتوفير 100 مليون دولار سنويا لفائدة الدول النامية لإنجاز مشاريع للتكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها السلبية.
أضرار تغير المناخ
تبقى مسألة التمويل أبرز تحدي يواجه تونس في هذا المجال باعتبار التكلفة العالية لمشاريع التأقلم والتي تتطلب، بالضرورة، دعما خارجيا، خاصة مع هشاشة وضع الاقتصاد الوطني وافتقار البلاد للموارد المالية اللازمة مقابل تزايد تهديدات الآثار السلبية للتغير المناخي، والتي تفاقمت وباتت أكثر وضوحا وأشد وطأة من أي وقت مضى. فارتفاع معدلات الحرارة، وتقلص مدخرات المياه العذبة بسبب التملح والجفاف، واضطراب موسم الأمطار، وارتفاع مستوى البحر هي إرهاصات جدية تهدد القطاعات الحيوية في البلاد على غرار الفلاحة والسياحة إضافة إلى صحة الإنسان وجودة الحياة.
فالآثار الناجمة عن  التغير المناخي تؤثر تقريبا على كل جانب من جوانب الحياة اليومية وهذا ما يضع مسألة التأقلم مع التغيرات المناخية والحد من انعكاساتها السلبية في مقدمة الأولويات، التي لا تحتمل الانتظار، مما يجعل تعبئة الجهود جماعية كانت أو فردية أمرا ضروريا وحاسما.
مواطنة مناخية
إلى جانب الحاجة إلى التمويل الخارجي والجهود التي تقوم بها الدولة في حدود إمكانياتها، لا يمكن تجاهل أهمية المسؤولية التي يمكن أن يتعهد بها الفرد والمجتمع تجاه هذا التحدي المناخي.وهذا ما حاول أن يبينه كتاب “تحدي التكيف  معظاهرة التغير المناخي”،من تحرير خبراء من جامعة أوسلو بالنرويج والصادر عن  مطبعة جامعة كامبريدج البريطانية. حيث يخلص الكتاب إلى أن “تحدي التكيف مع تغير المناخ ينطوي على العمل الجماعي والفردي على حد سواء، وما ينبغي على الحكومات القيام به لفرض النظام والاستدامة على السلوك المتهور والمدمر من قبل الأفراد”.
لا يمكن التقليل من دور نمط الاستهلاك لدى المجتمع والسلوكيات الفردية في إحداث الفرق في هذا المجال، فالاستهلاك غير الرشيد للموارد من المياه والطاقة يتسبب في الضغط عليها وإرهاقها. وتعتبر  معدلات استهلاك المواطن التونسي للمياه، مثلا،عالية مقارنة مع محدودية الموارد المائية في تونس وتضررها من التغيرات المناخية.وقد أكد مؤخرا الرئيس المدير العام للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه أن “التونسي يستهلك يوميا 140 لترا من الماء، لا يشرب منها سوى لتر ونصف أو لترين”، في وقت يبلغ فيه نصيب الفرد من الماء في تونس 380 متر مكعب سنويا، وهو ما يعني أن البلاد تعيش تحت خط الفقر المائي الذي يقدر 1000 متر مكعب سنويا، وفق ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة. الأمر الذي يجعل الترشيد في الاستهلاك ضرورة لا خيارا.
ويمكن الإشادة في هذا الإطار بالحلول التقليدية التي يلتجئ إليها المواطن التونسي لإدارة أزمة الماء على الصعيد الفردي والعائلي من خلال الاعتماد على “الماجل” و”الفسقية” كوسائل لتخزين مياه الأمطار، قصد استغلالها المنزلي أو لري النباتات وسقي الدواجن والمواشي خاصة عند انقطاع مياه الشرب المتكررة خلال الصيف. وقد دأب التونسيون منذ القدم على حفر “المواجل أو “الفسقيات” كجزء أساسي من المنزل. كما أن هذه العادة في طريقها إلى إعادة الإحياء وذلك بتشجيع من الدولة، حيث بدأت مؤخرا وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية في تمكين مالكي المساكن الراغبين في بناء “ماجل” لتجميع مياه الأمطار التمتع بمنحة أو قرض وذلك من الصندوق الوطني لتحسين السكن طبقا للشروط المضمنة بالأمر الحكومي عدد 1125 لسنة 2016.
في سياق متصل وفي ما يتعلق بمجال الطاقة، أصبحت اللاقطات الفولطوضوئية، التي بدأت تنتشر على أسطح المباني، مكونا جديدا للمشهد العمراني التونسي. إذ يسهل القانون التونسي للأفراد والمؤسسات العمومية والخاصة إنتاج حاجياتهم من الكهرباء بالاعتماد على الطاقات المتجددة وخاصة منها الشمسية. وهو ما يفسر إقبال المواطنين والمستثمرين على استغلال هذا الحق في توليد الطاقة.
ولئن يهدف المواطنون إلى تركيز لوحات الطاقات الشمسية هذه لتوفير مصاريف الكهرباء والفواتير الباهظة، والتخلص من الانقطاع المتكرر للكهرباء، الذي توفره الشركة العمومية للكهرباء والغاز، وخاصة خلال فترة الذروة الصيفية، فإن هذا يندرج في إطار الجهود التي تبذلها تونس في المساهمة في تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث يمثل ترشيد استهلاك الطاقة وتوجهها نحو الاعتماد على المصادر المتجددة كالشمس والرياح هدفا هاما بالنسبة للبلاد، تحققه في محاولتها للتكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها السلبية.
فمع تزايد مخاطر التغير المناخي على البلاد التونسية، التي أكدت الدراسات الدولية على أنها تنتمي إلى أكثر المناطق في العالم تضررا من هذه الظاهرة وأشدها هشاشة تجاهها، تتزايد الحاجة إلى إيجاد الحلول اللازمة لمعالجة هذا التحدي الخطير. وفي ظل صعوبة تطوير المشاريع الكبرى المتعلقة بالتكيف مع التغير المناخي وتبعيتها للتمويل الخارجي، تبرز أهمية تعبئة الجهود وإن كانت فردية في مواجهة تحديات هذه الظاهرة. وهنا يأتي دور الإعلام والمجتمع المدني في رفع مستوى الوعي لدى الأفراد والمجتمع بفاعلية دورهم في هذا المجال.
ولتبين أوجه الترابط بين المسار المناخي والتنمية المستدامة ، نستعيد ما دونه. عبد الكريم صادق عضو مجلس الأمناء - المنتدى العربي للبيئة والتنميةتحت عنوان، التنمية المستدامة لعام 2030... إنجازات وتحديات ،بموقع مجلة البيئة والتنمية ، المجلة البيئية ذائعة الصيت التي توقفت ورقيا وتستمر إلكترونيا، وتعطلت خلال الأسابيع الأخيرة بسبب حريق ستراسبورغ، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت قراراً في 25 سبتمبر 2015 باعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وتشمل 17 هدفاً و169 غايةً ليتم تحقيقها خلال خمسة عشر عاماً، وفي مقدمة تلك الأهداف القضاء على الفقر بجميع صوره وأبعاده، بما في ذلك الفقر المدقع، الذي يعتبر «أكبر تحد يواجه العالم، وهو شرط لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة». وتندرج الأهداف والغايات المنشودة في سياق مواصلة مسيرة الأهداف الانمائية للألفية التي أقرتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2000، ولم يتم تحقيق إنجازها بحلول عام 2015، وذلك لعدة أسباب من بينها عدم توازن أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وعدم توافر التمويل لتنفيذ البرامج والمشروعات اللازمة.
الخطة لم يسبق لها مثيل من حيث اعتمادها أهدافاً وغايات تشمل بلدان العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، مع مراعاة الظروف في كل بلد ومستويات تقدمها واحترام سياساتها وأولوياتها الوطنية، كما أنها تتسم باتساع نطاقها ومدى طموحها، خاصة «عدم ترك أحد يتخلف عن الركب». غير أن خطة التنمية المستدامة انطلقت على خلفية تحديات جسيمة متعددة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ملايين من الناس الذين يعانون من الفقر المدقع والجوع، بالإضافة إلى تفشي البطالة والأخطار الصحية، وازدياد تعاقب الكوارث الطبيعية واشتداد خطرها، يضاف إلى ذلك الضغط على الموارد الطبيعية وتدهور البيئة، بما في ذلك اشتداد ندرة المياه العذبة والتصحر والجفاف وانحسار التنوع البيولوجي. أما ارتفاع درجة الحرارة وغيرها من الآثار المترتبة عن تغير المناخ، فإنها تمثل تحديات كبرى تهدد اضمحلال المجتمعات والتنوع البيولوجي الذي يدعم الحياة على كوكب الأرض.
وتواجه المنطقة العربية تحديات أشد وطأة من تلك التي تتعرض لها مناطق أخرى في العالم، وبصورة خاصة التحديات التي تفرضها نسبة زيادة السكان، وموقع البلدان العربية في منطقة جافة وشبه جافة، تشتد فيها ندرة المياه الطبيعية التي يستخدم المسحوب منها ما يزيد على %85 في الزراعة وبكفاءة منخفضة لا تتجاوز %50، كما لا يتجاوز معدل انتاجية محاصيل الحبوب، التي تشكل مصدراً رئيسياً للغذاء، نصف المعدل العالمي. وهي من الأمور الرئيسية التي تحد من قدرة البلدان العربية على تحقيق الأمن الغذائي من مصادرها الذاتية، وتجعله عرضة لتقلبات الأسعار والمخاطر المتعلقة بالاستيراد والاعتماد على الواردات بشكل عام.
وقد تفاقمت التحديات واشتد زخمها في بعض البلدان العربية نتيجة الصراعات والحروب التي ألمت بها وعدم الاستقرار السياسي بدءاً من الانتفاضات الشعبية في عام 2011، التي ترتب عليها تراجع التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويشير تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2019 إلى أن الفقر الشديد في المنطقة العربية كان أقل من %3 العام الماضي، غير أن النزاعات في سوريا واليمن قد أدت إلى ارتفاع نسبة الفقر وفاقمت الجوع.
التنمية المستدامة
وتشير الأمم المتحدة في تقريرها عن أهداف التنمية المستدامة لعام 2020 بأن «التقدم المحرز، قبل جائحة كوفيد-19، ظل متفاوتاً، وأننا لم نكن على المسار الصحيح لتحقيق أهداف الخطة بحلول 2030»، وذلك بالرغم من المكاسب الواضحة. ولكن في الوقت نفسه «كان عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي يسير نحو الارتفاع، واستمرت البيئة الطبيعية في التدهور بمعدل ينذر بالخطر، واستمر وجود مستويات مرتفعة مذهلة من عدم المساواة في جميع مناطق العالم، فالتغير كان لا يزال لا يتحقق بالسرعة اللازمة ولا بالحجم المطلوب».
وهكذا فإنه كان أمام خطة التنمية المستدامة كثير من التحديات والعقبات قبل تفشي جائحة كورونا في أواخر عام 2019، والتي نجمت عنها أوضاع اقتصادية واجتماعية ومالية أربكت أو عطلت الخطط المرسومة لتنفيذ البرامج والمشروعات المدرجة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الأقاليم والبلدان المختلفة في العالم، وفرضت تحديات إضافية أمام المسيرة نحو عام 2030.
يستدل مما تقدم أن خطة تحقيق أهداف التنمية المستدامة تواجه اليوم مزيداً من التحديات، الأمر الذي يحتاج إلى تجديد العزم والالتزام مجدداً بالتعاون على الصعيد الدولي، بما في ذلك الدول المتقدمة والنامية، والقطاع الخاص ومؤسسات التنمية الوطنية والإقليمية والدولية والهيئات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، كل حسب إمكانيته للتصدي للتحديات وخلق الظروف المواتية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرجوة.
توفير التمويل
هناك تحد لا يمكن تخطيه ويستوجب إدراكه والعمل على مواجهته، ويتمثل في توفير التمويل اللازم لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، إذ من دون ذلك ستظل الأهداف المرجوة بعيدة المنال، وستزداد صعوبة تنفيذها مع مرور الوقت. وجدير بالذكر أن أهداف الألفية للتنمية التي كان من المفترض تحقيقها بحلول عام 2015 لم يكتب لها النجاح بأكملها، إذ كان نقص التمويل أحد الأسباب الرئيسية في ذلك، إذ لم يتم الوفاء بتعهدات مانحين وشركاء في التنمية.
ويشير تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية لعام 2018، وذلك قبل نشوب جائحة كورونا إلى أن البلدان العربية بحاجة إلى 230 بليون دولار سنوياً لدعم تحقيق الأهداف المرجوة. وتقدر فجوة التمويل بحوالي 100 بليون دولار أميركي سنوياً، وبما مجموعه حوالي 1.5 تريليون دولار أميركي للفترة الممتدة حتى 2030. لا شك أن جائحة كورونا أضافت أعباءً إضافية لا بد من أخذها في الحسبان، مما يقتضي البدء بإعادة النظر في أولويات البرامج والمشروعات والفترة الزمنية لتنفيذها وحجم التمويل اللازم لها، ومصادر ذلك التمويل.
مساعدات التنمية
إن الهدف رقم 17 من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بتقوية وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية للتنمية المستدامة يلعب دوراً محورياً في تعزيز التعاون، ومن خلاله تتمكن الدول النامية، خاصة الأقل نمواً الحصول على مزيد من مساعدات التنمية الرسمية اللازمة لتمويل العمليات الانمائية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وجدير بالذكر أن الأمم المتحدة أدركت قبل خمسة عقود أهمية تلك المساعدات ودورها في دعم التنمية، وانطلاقاً من ذلك تبنت قراراً في عام 1970 يدعو الدول المتقدمة إلى تقديم مساعدات رسمية للتنمية بمقدار %0.70 من نتاجها المحلي وأصبح حالياً من الدخل القومي.
وبالرغم من ذلك، فإن مساعدات التنمية الرسمية المقدمة من مجموعة المانحين الأعضاء في لجنة مساعدات التنمية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد تراوحت ما بين 0.28 و%0.31 من الدخل القومي خلال الفترة 2009ــ2019. ولذا، فإن توفير التمويل اللازم من خلال مساعدات التنمية الرسمية أصبح أكثر إلحاحاً، وما لم تضاعف الدول المانحة المتقدمة جهودها لتحقيق النسبة المنشودة على الأقل، فإن فرص تحقيق أهداف التنمية ستظل ضئيلة وغير قابلة للتحقيق، أخذاً في الاعتبار حاجة الدول النامية والأقل نمواً منها إلى تلك المساعدات.

المشاركة في هذا المقال