Print this page

حدائق صحرائنا جنات مورقة

أحيت تونس مؤخرا اليوم العالمي لمكافحة التصحر، وفي تونس، البلد الجاف تؤثر هذه الظاهرة على قرابة ٪75 من التراب الوطني بتفاوت

ما بين مناطق شديدة التدهور ومتوسطة التدهور وضعيفة التدهور. كما أن معالجة هذه الظاهرة أصبح أكثر شمولية نتيجة العلاقة القائمة بين المسائل الاجتماعية والاقتصادية وكذلك المواضيع البيئية الهامة وهي التغيرات المناخية والتنوع البيولوجي، حيث أثبتت الدراسات مدى تأثير التغيرات المناخية وظاهرة تدهور الأراضي الزراعية، وتملّح التربة والاستغلال المفرط للمياه، على الأمن الغذائي.

كما تتعرض المزيد من الأراضي لظاهرة التصحر  بفعل  التغيرات المناخية، إلى جانب العوامل البشرية المرتبطة بالإفراط في استغلال الموارد الطبيعية، فضلا عن التوسع العمراني.
 
واعتمدت بلادنا، التي انضمت للمعاهدة الأممية في 1995 على برنامج العمل الوطني لمكافحة التصحر كإطار مرجعي.

ورغم أن الغطاء الغابي والرعوي تطور بشكل جيد بما مكن من الترفيع فيه بـ٪13 من جملة الأراضي في البلاد، الا ان هذا المجهود توقف بعد الثورة في حدود انجاز حوالي 2600 كلم من الطوابي وتعلية ما يفوق 5700 كلم للحد من الإنجراف، وتشجير 270 ألف هك بالغراسات الرعويةوإعادة زرع 40 ألف عينة من النباتات والأعشاب التي تقاوم الظروف المناخية الصعبة في جهات نموها خاصة في كل من سيدي بوزيد والقيروان وقفصة.

الى ذلك تزحف الصحراء بمعدل 6 كيلومترات في السنة على عديد الولايات وخاصة الجنوبية والشمالية الغربية والجنوبية الشرقية مثل قابس وصفاقس وقبلي والقصرين وسيدي بوزيد والقيروان.

وكنتبجة مباشرة للتصحر يتسبب الانجراف سنويا في إتلاف العديد من الهكتارات في مناطق الشمال بنسف التربة الصالحة للزراعة، علاوة على تأثيره المباشر على المظلة الغابية لبعض أنواع الأشجار مثل الفلين والخفاف والصنوبر التي تشهد تراجعا في نموها.وتبقى ولايات قابس وسيدي بوزيد والكاف وبنزرت وقبلي أبرز العينات المختلفة في مظاهر التأثر بالتغيرات المناخية والتصحر والانجراف، وعلى قاعدة مظاهر التأثر تجري خطط مقاومة هذه المظاهر في مجمل الولايات وخاصة في الـ 12 ولاية الأكثر حساسية في هذا الجانب.

ويغطّي التصحّر نحو 9.7 مليون متر مربّع من المساحة الإجماليّة للوطن العربيّ، أيْ نحوَ 68 % منه، كما أنّ هناك حوالي 500 مليون هكتار من الأراضي الخصبة التي تحوّلت إلى صحارى؛ بسببِ عواملَ بيئيّة وبشريّة، بالإضافة إلى ما يزيدُ عن 900 مليون نسمة من السكان يتهدّدهم الفقر، والجفاف، والتخلّفُ الاقتصاديّ. يعدّ الجفاف هو السمةُ المناخيّة السائدة في الدول العربية، حيث تسودُ الأجواء الجافّة وشديدة الجفاف في حوالي أكثر من 89 %، بينما المناطق المتبقية هي مناطق قاحلة وشبه رطبة، كذلك يمتدّ سقوط الأمطار على المناطق القاحلة إلى حوالي 350 ملم في السنة، بينما تشهد المناطق الشبه قاحلة حوالي 800 ملم في السنة، ويتميّزُ سقوط المطر في كلّ منطقة بسرعة التغيّر على التفاوت الموسميّ، والتوزيع المساحيّ، والتقلّب بين السنوات، وتتغيّرُ طوال مواسم الزراعة. هناك مساحات كبيرة في معظم شبه الجزيرة العربية مغطّاة برمال متحرّكة، وتمثّل نحوَ 36.9% من مساحة المملكة العربية السعوديّة، كما أنّ 70 % من أراضي العراق يسودُها المناخُ الصحراويّ الجافّ.
يعبر مفهوم التصحّر عن العمليّة التي تؤدّي إلى تقليل الإنتاجيّة البيولوجيّة للأراضي الجافّة؛ وهي الأراضي القاحلة أو شبه القاحلة نتيجةً لأسباب طبيعيّة أو بشرية، ويختلف مفهوم التصحّر عن مفهوم التوسّع المادّي للصحراء الموجودة مسبقاً، حيث إنّه يمثّل العمليّات المتعددة التي تهدد نظم البيئة للأراضي الجافّة ومن بينها الصحاري، والمراعي، والأراضي، والمستنقعات.

أسباب التصحّر تعود إلى الرعي الجائر ويعتبر الرعي الجائر للحيوانات من المشاكل الكبيرة في العديد من المناطق التي بدأت بالتصحّر، فعند وجود الكثير من الحيوانات التي تتغذّى على النباتات في منطقة معيّنة سيقود ذلك إلى قلّة نمو هذه النباتات وصعوبة نموّها مرّة أخرى، مما يؤدّي إلى إلحاق الضرر بحيويّة الارض ويجعلها تفقد طبيعتها الخضراء.كما يعود لإزالة الغابات حيث يساهم النّاس في تشكيل ظاهرة التصحّر من خلال مشاركتهم في إزالة الغابات عند الرغبة في الانتقال إلى منطقة ما، أو عند الحاجة للأخشاب من أجل بناء المنازل أو لأغراضٍ أخرى، ويؤدّي إزالة الأشجار إلى منع نمو النباتات حولها. الزراعة: هناك بعض المزارعين الذين يجهلون استخدام الأرض بالطريقة الفعّالة، مما يقودهم إلى تجريد الأرض من مكوّناتها قبل تركها والذّهاب إلى قطعة أرض أخرى، ويعتبر تجريد التربة من المغذّيات التي تحتوي عليها أحد أسباب التصحّر في المناطق المستخدمة للزراعة. ومن عوامل التصحر، التحضّر وتنمية الأراضيذلك إنّ عمليّة التحضّر تقود النّاس إلى قتل الحياة النباتيّة، كما قد تُسبب المشاكل المختلفة للتربة نتيجةً للمواد الكيميائيّة والمواد الأخرى التي قد تضر الأرض، فعندما تصبح المناطق مدنية أو مأهولة بالسكّان سيؤدّي ذلك إلى تقليل المناطق التي تنمو بها النباتات مما يقود إلى التصحّر. تغيّر المناخ: يلعب المناخ دوراً رئيسيّاً في عمليّة التصحّر، فعندما يصبح الطقس أكثر دفئاً وتزداد فترات الجفاف سيصبح التصحّر أكثر انتشاراً، وفي حالة تغيّر المناخ السريع ستصبح مناطق واسعة من الأرض صحراء، كما قد تصبح بعض هذه المناطق غير مأهولة. الاستيلاء على مصادر الطبيعة: عند احتواء الأرض على المصادر الطبيعية كالغاز، أو النفط، أو المواد الخام سيأتي الإنسان لحفرها للحصول على هذه المواد، مما يؤدّي إلى تجريد الأرض من العناصر الغذائيّة، وقتل الحياة النباتيّة، وعند الاستمرار بهذه الأفعال ستتحوّل الأرض إلى صحراء.

الكوارث الطبيعيّة: تؤدّي الكوارث الطبيعيّة إلى إلحاق الضرر في الطبيعة بسبب عدّة أسباب ومنها الجفاف، وفي هذه الحالة لا يستطيع الإنسان تفادي الأضرار الناتجة لكن قد يساهم في إعادة بناء الأراضي بعد انتهاء الكارثة. مراحل التصحر تتطرق النقاط التالية إلى ذكر مراحل التصحر، وملامح كل مرحلة منه: تصحّر أوليّ خفيف: وفيه تبدأ مؤشرات بسيطة تمسّ البيئة بشكل سلبيّ بالظهور كانخفاض وتراجع في حجم ونوعية الغطاء النباتي. تصحّر متوسط: تعدّ هذه المرحلة خطرة، وينبغي البدء فيها بالاعتماد على سياسيات تحول دون تفاقم الأمور، حيث ينخفض الإنتاج النباتيّ بمقدار الربع، وذلك بسبب انجراف التربة وتعريتها بفعل المياه والرياح أو لارتفاع درجة ملوحتها. تصحّر شديد: تتفاقم مخاطر التصحّر وتبدو مظاهرها أكثر وضوحاً من ذي قبل، فمع زيادة ارتفاع معدل ملوحة التربة ودرجة تعريتها ينخفض إنتاجها إلى النصف، وتبدأ أنواع جديدة ضارّة من النباتات بالظهور لتحلّ محل النباتات المفيدة، ويمكن القول إن الوقت لم يتأخر بعد في هذه المرحلة لتدارك الأمور، إلا أنّ تكلفة الاستصلاح ستكون مرتفعةً، وستتطلب العملية الكثير من الوقت. تصحر شديد جداً: وهي آخر مراحل التصحر وأقصى درجات التدهور البيئي، حيث تنعدم قدرة الأرض على الإنتاجية بسبب تحولها إلى كثبان رمليّة أو أراضٍ صخريّةٍ خاليةٍ تماماً، ومن الصعب في هذه المرحلة إعادة الأرض إلى سابق عهدها أو استصلاحها نظراً للتكلفة العالية.

وتتمثل طرق الحدّ من التصحّر في ترشيدُ استخدام الموارد الطبيعيّة، من خلال قنوات التلفاز والمنشورات المختلفة. اتخاذ الإجراءات المناسبة لاستخدام الأراضي الزراعية، بحيث تتضمّنُ عدم استنزاف التربة، وتنظيم الغطاء النباتيّ مع الإكثار من زراعة النباتات والأشجار، وعدم الإفراط في تقطيع أشجار الغابات إضافة لإقامة السدود والأسوار الّلازمة؛ من أجلِ منع انجراف التربة خلالَ الأمطار والسيولِ الشديدة. الحدُّ من الرعي الجائر. كل ذلك إلى جانب حراثة الأرض أوّلَ فصل الشتاء. إنشاء البحيرات والبرك من أجل تجميع المياه علاوة عن تطوير القدرات البشريّة، وذلك من خلال استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، وتدريب المختصّين عليها من أجل مكافحة ظاهرة التصحّر والحد من انتشارها، مثل استخدام نظام الاستشعار عن بعد؛ لتحديد أماكن توافر المياه والمعادن في باطن الأرض.

إن مقاربة بلادنا في مجال مقاومة التصحر مهمة وثرية ولكن مطلوب المزيد من التطوير في اتجاه تثمين الأبحاث التنموية خاصة تلك لاتي يقودها معهد المناطق القاحلة، وكذلك دعم البعد الأفقي بمزيد تعزيز دينامية التفاعل الأفقي وتكامل المتدخلين في الزراعة والبيئة والبحث العلمي وغيرها
كما يتوجب العمل على مزيد إبراز البعد الإنساني والاجتماعي، والتعمق في ترابط التصحر وتغير المناخ وفق الخصوصية والسياق المحلي التونسي لإيجاد الحلول والبدائل الممكنة للمجابهة والتكيف وتقليص آثار حدة التصحر، وتحويلها قدر الممكن من محنة إلى منحة حتى تظهر كما في صور الاحتفال، حقائق واقعنا المتصحر، جنات مورقة ويانعة، مؤكدة رمزية مشروع رجيم معتوق وإن برز كمعلم لعبقرية تونسية ومع ذلك ترافق في مخيال الكثيرين مع مظلمة جيل..

المشاركة في هذا المقال