Print this page

الزغل.. رمزية الرحيل.. ديمومة الأمل ...

بعد الرواد البيئيين المؤسسين .. بن مصطفى الحيلي والغربي والعبروقي وفي زحام الشواغل الطارئة وانكباب الناس على مجابهة الكوفيد19

تنطفئ شمعة قامة من أعلام المشهد البيئي التربوي والبلدي الاستاذ أحمد الزغل الذي أعطى للقضية البيئية على امتداد عقود بلا كلل خاصة ضمن ترأسه لجمعية حماية البيئة والطبيعة بصفاقس.
الرجل المبدئي الثابت والصامد على موقف رفض استمرار المضرة البيئية والمجاهد في سبيل بناء إطار عيش ومحيط لائق ناضل بعشرات المنابر والمواقع وكان في كل المحطات واللقاءات صوت الإرادة والعزم على التغيير وقد أثمرت تلك النضالات مكاسب افتكت لصالح مواطني عاصمة الجنوب بينها إقرار غلق السياب.
أحمد الزغل الذي عرفته لطيف المعشر مقدر للآخرين تواق لخدمة الناس..لم يبخل عليّ بما يملك لإعداد مشروع أطروحات حول الحوكمة البيئية المحلية.. كما يمكنني قبل ذلك من ذخيرة نشاط الجمعية وتقاريرها ومحاضر جلساتها لإعداد بحث الماجستير في علم الاجتماع حول الجمعيات البيئية ونوقش عام2010 .وكان يتردد على مكتبي بوزارة البيئة ملاطفا للحصول على وثائق ندوات وكلمات و محاضرات يثري بها مدونة الجمعية.

لم يعتذر الرجل عن دعوة وجهتها له إلا مرة واحدة سنة 2014 تزامنت مع بداية متاعب الرجل التسعيني.فقد حضر معنا لقاء جمعية منتدى الثقافة والإعلام والبيئة سنة2013 بيئتنا إلى أين..وكان واحدا من أصوات ارتفعت ودوت في جلسة مارس 2010البلفدير خلال تقديم كتابي جمعياتنا البيئية الحال والآمال وكان أحد أربعة صرخات خارج خطوط المسموح به انذاك إلى جانب علي الغربي وعادل عزابي ومحمد علي العبروقي الذي اعياه المرض شهورا قليلة قبل الرحيل والتاريخ فقد تلقيت بعدها بأيام ما يشبه تنبيها من رؤساء الإدارة بناء على لوم من احد مستشاري قرطاج وهو موقف قد يكون صنيعة احد الوشاة الحاضرين بالجلسة وجاء صدى انتقاد المتدخلين وفي طليعتهم المغفور له احمد الزغل..
الرجل ركن ركين في مشروع مجتمعي بيئي ينشد التوازن البيئي ديمومة الموارد واعتماد منوال تنمية صديق للبيئة كما ارتجى ورسم رواده ومناضلوه وبينهم الاستاذ الزغل.

المرء حديث بعده..ومن الناس من صدقوا ما عاهدوا عليه..مسيرة الرجل جديرة بدرس جامعي ورحمته العلمية والمهنية والجمعياتية منذ أربعينيات القرن الماضي الهم جيلا وتصلح ان تكتب بماء الذهب.
البيئة اليوم تتنفس الصعداء بسبب أزمة الفيروس العجيب واحتماء الناس في بيوتهم لأسابيع مكرهين شان الراحل الزغل لسنوات طريح فراش المرض .
المؤسسون لا يبارحون الذاكرة..والصادقون يسكنون المخيال ويلهمون الاجيال.

لأنهم ليسوا من نجوم الدنيا واهل الفن والرياضة..لم يشغل القوم رحيلهم ولم يشر لانسحابهم في وسائل الاعلام..
رحل الزغل في خضم اهتمام الشعب الكورونا كما العبروقي رحل في اول ايام2011 والناس في سياق مسار ثورة الحرية والكرامة..

في شهادته المدونة بكتاب جمعياتنا البيئية الحال والآمال.. كتبت..كلما زرعت شجرة او انهيت تلوثا او حافظت على مورد طبيعي زدت في جمال تونس الخضراء وانمائها واحد من الشعارات التأسيسية التي أطلقتها الجمعية ومعها مجموعة من الحملات والمشروبات والملتقيات تمحورت حول النهوض بالتنوع البيولوجي بجزر كنايس ومحميتها الطبيعية في إطار المحافظة على ما لا يمكن تعويضه حملة جمع البطاريات المعدنية الصغرى الطاقات المتجددة استعمالات وافاق طينة تراث للحماية والاحياء المبيدات اليوم سرطان الغد.جمعية حماية الطبيعة والبيئة بصفاقس أسسها ويرأسها السيد احمد الزغل عميد رؤساء الجمعيات البيئية كما يحلو للبعض أن يلقبه يمثل واحدا من أنشطة المتحمسين للعمل البيئي من مختلف المواقع ومن أكثرهم حمية وثباتا على مواقفه ومبادئه المرتبطة أساسا بالنهوض بالوضع البيئي وإزالة أسباب ومظاهر التلوث والتوازن الطبيعي خاصة في جهة صفاقس.

السيد أحمد الزغل تحدث لي قليلا وأحال الكلمة للوثائق والنظريات ولكنه همس بابتسامته الأبوية اللطيفة العفوية وشيء من الثقة المعتادة البعيدة عن الرضى التام او الغرور وشيء من المرارة لمعاناة بعض الأطراف التي تنم عن سوء فهم ولكنها لا تؤثر على صلابة الموقف والوفاء للمبدإ البيئي والجمعياتي الذي نذر نفسه وحياته وجهده مع عدد من رفقاء الدرب في الجمعية وشركائها.

لأنه كان يدور مع الحق لم يكن مفاجئا اختصامه مع وزير قبيل2011..حيث تحدث في الإذاعة بصدق وجرأة ولزوم ما يلزم من نقد..وصادف أن التقيا من الغد بندوة البنك الوطني للجينات افتتحها الوزير وحضرها الزغل وبعد موجة الغضب في كلمة الافتتاح نزل من المنصة ليصافح الهرم ويعرب عن الموقف الحقيقي للرجل حيال المناضل الصادق .شخصية الرجل وتركيبته نادرة فيها ثنائية اللطف القوة والحق والإنسانية.

كانت محاولتي له شأن تواصلي مع الكبار علي الحيلي والعبروقي وبن مصطفى والغربي ويامون والبكاري والنور والمهدي جوائز ثمينة في ظل جحود الطيف الواسع ونكران الآخرين وتربصهم.

وكان التعامل معه في زياراته لي خلال فترة ما يشبه الحصار نوعا من النضال الخفي حيث انه لم يكن من قادةجمعيات الماكياج وتلميع الصورة والموالاة. وكان ممن يرفعون المعنويات ويشحذون العزم وفي نبضه دفق الهمة وبابتسامته اللطيفة نبع يقين في الخير القادم والنصر المؤزر.
في سنة2001 رافقت رئيس ديوان وزارة اشرف على افتتاح ندوة الجمعية بصفاقس وكان بين الرجلين ود واحترام.وأشار لي رئيس الديوان في الاستراحة أن الزغل كان مدير المعهد الذي درس فيه الثانوية وكان اشبه بالأسد في العرين لا يتجرأ أحد على اي إخلال او تجاوز أمامه.
تقديرا واعترافا لمسار رجل اعطى بلا تردد وظل لاخر رمق وفيا لمشروعه المجتمعي والحضاري النبيل..تشرفت بتكريم عبر زوجته الفاضلة الدكتورة رياض في حفل تأسيس شبكة فايقين لبيئتنا بمنتزه بئر بلحسن مطلع2017

كان آخر لقاء به بجوار مسكنه برياض الأندلس القريب من مأوى الصديق البيئي عبد الستار المهدي الذي ظل همزة الوصل مع الأسرة الكريمة خلال رحلة المرض.

المشاركة في هذا المقال